الوقت- مساء السبت الواقع في 20 شباط/فبراير رحل الشيخ والقارئ الكبير أحمد محمد عامر عن عمرٍ يناهز 83 عامًا تاركًا خلفه تراثًا كبيرًا من التحف الصوتية والروائع في قراءة القرآن، أنهى الشيخ رحلته الطويلة التي قضاها في رحاب القرآن الكريم، فكان القارئ والمعلم والشيخ والمنوِّر، فارتقى ليلبس تاج الكرامة وحلة الكرامة وليرتقي بآياتٍ حفظها وأسمعها لآلاف الناس.
ولد الشيخ أحمد عامر في قرية العساكرة بالصالحية مركز فاقوس بمحافظة الشرقية شمال مصر في 3 أيار/مايو عام 1927م، ووالده هو الشيخ محمد عامر وهو من أهل القرآن، التحق الشيخ أحمد بكتاب الشيخ عبد الله بقرية "الأخيوة" بالصالحية وأتم حفظ القرآن الكريم هناك وكان عمره عندها لا يتجاوز الحادية عشرة، وبعد ذلك أكمل تعلم القراءات على يد الشيخ عبد السلام الشرباصي (جد الشيخ محمد خاطر مفتي الديار المصرية الأسبق في محافظة الدقهلية) في قرية "الضهير" بمحافظة الدقهلية، وفي الثالثة عشر من عمره كان قد أتم تعلم التجويد وأحكامه بالإضافة إلى القراءات السبع المعروفة، وقد اشتهر بين أهل قريته بنبوغه وذكائه، وقد أطلقوا عليه لقب "الشيخ" منذ صغر سنه، وذاع صيت الشيخ أحمد في أنحاء محافظة الشرقية والقرى المجاورة، وأطلق عليه أهل قريته لقب الشيخ، وفي عام 1963 تقدم إلى اختبارات الإذاعة و نجح بامتياز، وله برامج عديدة في الإذاعة حتى أنه لقب بـ"قارئ الإذاعة"، كما ويلقب الشيخ أحمد بـ"نقيب قارئي القرآن بالشرقية"، كما كان الشيخ أحمد عضوًا في مقرأة مسجد الإمام الحسين التي يرأسها أحمد عيسى المعصراوي.
سافر الشيخ أحمد إلى العديد من الدول العربية والإسلامية وكان القرآن الكريم مؤنسه في سفره، وشارك في أول بعثة من وزارة الأوقاف المصرية بصحبة الشيخ الجليل محمد الغزالي والشيخ محمود عبد الحكم وكان مقصد البعثة السودان، ثم توالت رحلاته في البلاد العربية فسافر إلى فلسطين وسورية والسعودية، كما سافر إلى دول أخرى كثيرة في أوروبا وأمريكا وأسيا، وبقي الشيخ يتردد على بريطانيا لمدة 27 عامًا لقراءة القرآن للجاليات الإسلامية هناك وخاصة في شهر رمضان المبارك، وتقول الجاليات أن شهر رمضان وذكرياته مرتبطة بالشيخ أحمد بشكل وثيق، وباتوا يطلقون عليه "الشيخ رمضان".
دُعي الشيخ أحمد إلى العديد من المؤتمرات الإسلامية في لوس أنجلس وألمانيا والهند والبرازيل وباكستان وماليزيا وإيران، وقد حصل على وسام ملك ماليزيا عام 1972م، وترأس لجنة تحكيم القرآن الدولية في ماليزايا، إلا أن الشيخ الجليل كان دائمًا يعتبر أن أعلى وسام حصل عليه هو شهادة أهل القرآن له، وعطاؤه وحرصه الشديد على تلاوة القرآن الكريم بأحكامه.
زار الشيخ الراحل إيران منذ قرابة الثلاث سنوات وذلك للمشاركة في تحكيم المسابقات الدولية في القرآن الكريم التي أقيمت في إيران أنذاك الوقت، وبعد انتهاء عمل اللجنة حضر الشيخ في مجلس قائد الثورة السيد علي الخامنئي، ورغم منع الأطباء له من القراءة بسبب كهولة سنه، إلا أنه أصر على القراءة مؤكدًا أنه جاهزٌ للموت على أن يقرأ في محضر السيد الخامنئي، وقدم آنذاك أروع تلاواتة التي خلّدت ذكراه في إيران، وقد كان للشيخ الجليل مكانة كبيرة عند السيد الخامنئي الذي سلم عليه بحفاوة وضمه وقدر جهوده.
في مساء السبت 20 شباط/فبراير رحل الشيخ الكبير إلى بارئه بعد أن قضى 83 عامًا في رحاب القرآن الكريم، رحل الشيخ ولكنه أبقى في ذاكرة الشعوب أجمل التراتيل، رحل وأبقى تراثًا كبيرًا سيخلد ذكراه للأجيال القادمة، رحل من الدنيا لـ"يجيء صاحب القرآن يوم القيامة، فيقول: يا رب حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب إرض عنه، فيقال إقرأ وإرق ويزاد بكل آية حسنة" كما قال رسول الله (ص).