الوقت - أعلنت السعودية قبل أيام أنها قررت قطع مساعداتها المالية عن لبنان بسبب عدم إدانة الحكومة اللبنانية لحادثة إقتحام السفارة السعودية في طهران من قبل بعض المواطنين الإيرانيين الغاضبين إحتجاجاً على جريمة إعدام عالم الدين الشيخ نمر باقر النمر على يد السلطات السعودية.
يأتي هذا في وقت تعد فيه السعودية ومنذ زمن بعيد أحد اللاعبين الأساسيين في الساحة السياسية اللبنانية، فيما يعتقد الكثير من المراقبين بأن عدم إنتخاب رئيس للبنان وحالة الفراغ السياسي التي يعاني منها هذا البلد منذ مدة طويلة يعود إلى تدخل الرياض في الشؤون الداخلية اللبنانية وتأثيرها المباشر على عدد من السياسيين المؤثرين في هذا البلد وفي مقدمتهم رئيس "حزب المستقبل" سعد الحريري.
ومن المعلوم أن الرياض تدعم تيار 14 آذار الذي يتزعمه سعد الحريري منذ إغتيال أبيه رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 14 شباط / فبراير عام 2005، فيما تعادي السعودية تيار 8 آذار الذي يقوده حزب الله الحليف القوي والإستراتيجي لإيران في لبنان.
ويمكن قراءة أبعاد القرار السعودي بقطع المساعدات المالية عن لبنان من عدّة زوايا نشير إلى بعضها على النحو التالي:
1 – تعاني السعودية من ضائقة مالية شديدة منذ زمن طويل، بحيث وصل العجز في ميزانيتها السنوية إلى نحو مئة مليار دولار بسبب تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية بشكل كبير والذي يشكل المصدر الأساس للإقتصاد السعودي من جهة، بالإضافة إلى التكاليف الباهظة التي تتحملها بسبب عدوانها المتواصل على اليمن منذ 11 شهراً.
2 – تسعى السعودية للتغطية على أزمتها الإقتصادية وباقي أزماتها الداخلية والخارجية من خلال الإصرار على حالة العداء مع إيران خصوصاً بعد أن تمكنت طهران من إنتزاع الإعتراف الدولي بحقها في إمتلاك التقنية النووية السلمية ورفع الحظر الإقتصادي المفروض عليها على خلفية أزمتها النووية مع الغرب وذلك من خلال الإتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا (مجموعة 5+1) في تموز / يوليو 2015.
3 – تسعى السعودية من خلال الضغط على لبنان إلى إرغام قادته وسياسييه للضغط على المقاومة الاسلامية التي يقودها حزب الله في هذا البلد والذي يمثل مركز الثقل في محور المقاومة للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة.
4 – تتصور السعودية أن أيّ نصر تحققه إيران في المنطقة أو العالم سواء في المجال السياسي أو الإقتصادي أو الأمني لا يصب في مصلحتها ولهذا تسعى للحد من تأثيرها في المنطقة وذلك من خلال الضغط على الدول التي تربطها علاقات جيدة مع إيران ومن بينها لبنان.
5 – يعكس القرار السعودي بقطع المساعدات المالية عن لبنان مدى التخبط والإرتباك الذي ينتاب قادتها والذي ظهر بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة خصوصاً شن العدوان على اليمن بالتحالف مع الكثير من الأطراف وفي مقدمتها أمريكا والكيان الإسرائيلي.
6 – يهدف القرار السعودي ضد لبنان إلى إرسال رسالة إلى باقي الدول العربية مفادها بأنّ الرياض ستتخذ إجراءات "عقابية" ضد أي دولة عربية تربطها علاقات جيدة مع إيران أو لاتقف إلى جانب السعودية ضد إيران، وبمعنى آخر فإن السعودية تريد أن تضع الدول العربية أمام خيارين؛ إمّا الوقوف إلى جانبها أو إلى جانب إيران ولا يحق لأيّ من هذه الدول أن تقف على الحياد بين الدولتين وذلك على قاعدة "من ليس معي فهو ضدي" أو "صديق عدوي فهو عدوي".
7 – تنظم السعودية علاقاتها مع إيران وأصدقائها في المنطقة على أساس منطق "الأبيض أو الأسود" أي ليس هناك منطقة رمادية بين الإثنين، وعليه فليس أمام الدول الأخرى ومن بينها الدول العربية سوى الإنحياز إمّا إلى إيران أو إلى السعودية وليس هناك خيار ثالث بين الإثنين.
من هنا يمكن القول بأنّ سياسة الإبتزاز التي تنتهجها السعودية ضد الدول الأخرى في المنطقة ومن بينها لبنان تهدف في الحقيقة إلى إضعاف محور المقاومة من جهة، والتأثير على مكانة إيران التي تدعم المقاومة بكل ما أوتيت من قوة لمواجهة المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة من جهة أخرى، وهذا ما لا يروق للسعودية التي تمثل بنظر معظم المراقبين إحدى الحلقات المهمة والمؤثرة في هذا المشروع خدمة للكيان الإسرائيلي والأطراف الغربية والإقليمية الحليفة له لاسيّما أمريكا.