الوقت- اربعین جدید اتی هذا العام ، ملایین حضرت من مسافات بعیدة والنداء واحد "لبیک یا حسین". الزحف هذا لم یدعو الیه مسؤول سیاسي هنا او هناک، و لم تنطلق الدعوة لحضور الاربعین من اضخم القنواة التلفزیونیة العالمیة. فالنداء عمره 1300 سنة و الدعوة "هل من ناصر ینصرنا".
الطرق الرئيسية التي تربط مدينة كربلاء بالمحافظات الاخری غصت بالزوار، وسط الاجراءات الامنية المشددة. و لا بد من التوقف عند حقائق الارقام، للاضاءة على حجم التحدیات اللوجستیة والامنیة التي تحیط بهذه الزیارة الملیونیة، امام نهر المحبین المتدفق من مختلف اصقاع الارض.
تمیزت المناسبة هذا العام بارتفاع اعداد الزوار الاجانب ، من بینهم نحو ملیون وثلاثمائة الف من الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة و حدها.
کما تضاعف عدد الجنسیات المشارکة من ثلاثین دولة الى ستین یتقدمهم زوار بالالاف من باکستان و افغانستان و دول القوقاز.
ولاول مرة هذا العام تشارک مواکب من الزائرین من جنوب افریقیا و تنزانیا وجزر القمر و الصین و سنغافورة و نیوزیلندا. بعد ان کانت المشارکة من الدول المذکورة في السنوات الماضیة تقتصر على مشارکة افراد فقط.
وقال وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي : "بلغ عدد الزوار العرب والاجانب 5 ملايين ونصف مليون من ستين جنسية، فيما وصل عدد الزوار العراقيين الی اکثر من 14 مليونا".
ولا شک ان رعایة هذه المناسبة ترقى الى المعجزات، و لکن ما یقوم به العراق شعبا ومؤسسات، یؤکد الحقیقة بأن استضافة هذه الملایین امر ممکن لشعب بنى حرکته على العقیدة الحسینیة في مسیرته نحو تحقیق العدالة ورفع المظلومیة. ولذلک تشیر الاحصاءات الى ان خمسة وسبعین الف هیئة وموکب انتشرت على الطرق المؤدیة الى کربلاء المقدسة، وتولت تقدیم الخدمات وکل ما یلزم لمساعدة الزوار .
وتبقى المعجزة الاهم هي تامین الامن في بلد یشهد حربا حقیقیة مع الجماعات الارهابیة وفي مقدمتها "داعش" التي تتبنى عقیدة تکفیر هؤلاء الملایین من محبي الحسین علیه السلام.
ولکن التهدیدات الاجرامیة الارهابیة لم تفلح من ثني الشیعة من المشارکة في اضخم مراسم دینیة في العالم. فما حدث مؤخرا من محاولات لاستهداف الزائرين باتت بالفشل ولم تستطع زمر الارهاب تعكير صفوة زيارة الاربعين. مراسيم ذكرى أربعينية الإمام الحسين (ع) في مدينة كربلاء المقدسة، جاءت وسط إجراءات أمنية مشددة لحماية المشارکین من الهجمات المسلحة، بمشاركة عشرات الالاف من عناصر الجيش والشرطة. فقد اتخذت السلطات العراقية اجراءات امنية مشددة لتوفير الحماية لنحو 20 مليون زائر افترشوا ساحات المدينة المقدسة و طرقها، لاحياء الذكرى التي تعد من الابرز لدى الشيعة، وتتوج اربعين يوما من الحداد.
وقد تم فرض أربعة أطواق أمنية حول المدينة التي تم تقسيمها إلى تسع مناطق أمنية مع وضع مئات من نقاط التفتيش المزودة بأجهزة كشف المتفجرات داخل المدينة وعند المداخل الرئيسية.
ولم یخف ضابط برتبة عقيد في الشرطة محاولات الارهابیین لاستهداف المشارکین في المراسم فقد اشار الی سقوط تسع قذائف هاون، ليل الخميس، في المنطقة الغربية من مدينة كربلاء حیث استهدف الهجوم سوق البصرة الواقع على بعد نحو سبعة كلم من وسط كربلاء حيث مرقد الامام الحسين (ع) واخيه العباس(ع).
و من جهته قال قائد عمليات الفرات الاوسط اللواء قيس المحمداوي ، ان ماحدث في محافظة كربلاء لايعد خرقا امنيا وفق المنظور العسكري كون العدو استخدم مسافة بعيدة للهجوم. مضيفا أن هذا العمل يعد يائسا كون عدونا ليس له اي اعتبار للقيم الانسانية ولو كان له فرصة اخرى لقام بعمل أخر وهو ايصال عجلات مفخخة وانتحارين داخل كربلاء لاستهداف الزائرين.
واکد ان هذه الاحداث اجرت تعديلات على الخطة الامنية لسد الفراغات في المناطق المتوقع استهدافها من قبل الارهابيين. واكد المحمداوي ان القطعات العسكرية کانت بمنتهى الحيطة والحذر لاستمرار تطبيق الخطط والتفتيش الدقيق وعدم اعطاء العدو اي فرصة اخرى لتنفيذ عمليات ارهابية.
ولا یخفی علی احد عدد المرات التي تعرض فیها الزوار خلال احياء مناسباتهم الدينية لتفجيرات و هجمات ادت الى استشهاد و جرح العشرات. الا انه لم تسجل اعتداءات تذكر هذا العام خلال مناسبة الاربعین. و يشير نجاح زيارة الاربعينية الى ان الخطة الامنية التي اشتركت فيها وزارتي الدفاع و الداخلية والحكومات المحلية و قوی الحشد الشعبي في كربلاء و النجف و بابل حققت أهدافها في امن الزوار..
ولعل التحدي الاقوى في هذه المناسبة هو في مسألة توفیر وسائل نقل لاعادة حوالي الخمسة عشر ملیونا الى مدنهم في العراق، و ملایین الى المنافذ الحدودیة. لذلک و لكي يعود الزائرون بسلام الى بيوتهم، حرصت الجهات المعنية على تحقيق انسيابية في النقل و خصصت المئات من الحافلات كما خصص اکثر من 15 قطارلخدمة الزائرين، واستأجرت اکثر من 1000 حافلة إضافية؛و خصصت الوزارات العراقیة ثلاثة الاف حافلة نقل لخدمة الزوار، کما تم تشغیل اربع قطارات نحو مناطق الجنوب. و في خطوة لافتة، قام میسورون باستئجار مئة طائرة ستهبط في ثلاث مطارات عراقیة، وتم الایعاز للقطعات العسکریة والامنیة بتوظیف ما لدیها من الیات لنقل الزوار عقب انتهاء الزیارة.
ولا بد من الاشارة الی مواقف المرجعیات و الشخصیات البارزة في دعم القوات العراقیة و مسانداتها فقد اشاد عضو هيئة رئاسة مجلس النواب الشيخ همام حمودي بجهود القوات الأمنية والحشد الشعبي بحماية الزائرين من مختلف مدن العراق و العالم ، ومساهمتهم الفاعلة في انجاح زيارة اربعينية الامام الحسين عليه السلام.
ومن جهته اعتبر السید عمار الحکیم انه حينما نستذكر دروس وعبر الثورة الحسينية فإننا نجد الحلول لمشاكلنا المستعصية ، ونجد العلاج للتحديات التي نواجهها اليوم على مستوى الفتنة الطائفية و القصور في الواقع الخدمي لبلادنا والمشاكل في العلاقات القائمة بين الشعوب في المنطقة والعالم.
و اعتبر السفير اللبناني لدى العراق هزاع شريف ان مشاركة الملايين من الزائرين و من مختلف الجنسيات في زيارة الاربعين يعني الكثير للعالم،فالامام الحسین (ع) اصبح يعيش في ضمير و وجدان كل انسان حر في هذا العالم بشكل يومي لتقوم هذه الحشود باداء هذه الزيارة اليوم.
اذن هي اضخم مواجهة للارهاب في تاریخ البشریة، حشود ملیونیة توجهت لعقر الصدام و اجرائات امنیة لم تکن بحاجة الی تحالف دولي لحمایة الزائرین. اعداد لم تستطع المحطات الکبری اخفائها(اخفاءها) رغم المحاولات الجادة لمحو الفکر الحسیني ولکن "یریدون ان یطفؤوا نور الله بافواههم ویابی الله الا ان یتم نوره ولو کره الکافرون ".