الوقت- رغم انتقال أغلب الثورات في المنطقة من الحالة السلمية الى الحالة المسلحة والعنفية، الا أن ثورة البحرين تمسكت باستراتيجية "السلمية" في ثورتها وفي مواجهة قوات آل خليفة العسكرية، ولم تنجح كل قوات المرتزقة في البحرين بطمأنة العائلة الخليفية الحاكمة التي ينتابها القلق من ثورة تستخدم سلاح غاندي في المقاومة، غاندي الذي "تعلم من الحسين كيف يكون مظلوما فينتصر" .
البحرين البلد الصغير الذي لا يبلغ عدد مواطنيه سوى قرابة ۶۶۰ الف نسمة، يستعين بقوات عسكرية وأمنية ومن مختلف دول العالم للمحافظة على ديمومته وبقائه في مواجهة شعبة، كما أن خوف النظام البحريني من الثورة السلمية كان وراء توقيعها للأتفاقية العسكرية الأخيرة مع المستعمر السابق، لكن ما غاب عن آل خليفة أن جميع تلك القوات لن تنقذ نظامهم من نهايته المحتومة طال الزمن او قصر.
منذ يوم 14 فبراير، وسقوط الشهيد علي مشيمع، إلى 15 مارس، بعد شهر تقريبًا، بعد يوم من دخول القوات السعودية إلى البحرين، ورغم أعمال آلة القتل والعنف والاستهداف من قبل السلطة، كانت هناك مشاهد رائعة جدًا في البحرين فرجال الشرطة؛ يتركون سياراتهم أحيانًا في بعض النقاط، يأخذها الشباب الثوار، يضعها على (السّطحة)، ينقلها إلى مركز الشرطة، وموضوع عليها علم ووردة، فكانت هذه كأيقونة علامة رمزية سلمية هذه الحركة، فالسلمية استراتيجية لم يتم التنازل عنها إطلاقًا، لأنها في واقع الأمر شُخّصت من قبل المعارضة بأنّ نقطة ضعف السلطة، هو أن تكون مسالمًا حتى لا يستطيع أن يبرّر عنفه.
بعد فشل السلطات البحرينية في قمع المتظاهرين السلميين رغم الاستعانة بالمرتزقة من السعودية و باكستان والاردن، لجأ النظام الى تفعيل حسابات مشبوهة على شبكات التواصل الاجتماع في محاولة فاشلة لجرّ الشارع باتجاه العنف، عبر ممارسة السباب والشتائم ضد قيادات المعارضة، ومحاولة التشكيك في الثورة وسلميتها.
النظام الذي تلقى صفعات، ليس فقط من شعبه، وإنما من اللجنة التي جاء بها إلى البحرين وخرجت بتقرير، وهو تقرير دقيق جدًّا، وفيه إدانات، وأقرّ به الملك في الجلسة التي كان موجود فيها الجميع، لجأ الى خطوة الانفجارات لعله من خلالها يستطيع ضرب الثورة في الصميم، وينتزع سلميتها أمام العالم، مع العلم أن المعارضة كان لها موقفا واضحا تمامًا وثابتا يرفض كل أعمال العنف التي يريدها النظام نفسه ولا تصب الا في صالحه.
اذا، التفجيرات الأخيرة في البحرين كانت خطوة خبيثة من آل خليفة لسحب بساط السلمية من تحت الثورة، وكانت خطوة مماثلة لما حصل في الأحساء من حيث المضمون، كما أرادت البحرين منها أن توجه رسالة للمجتمع الدولي مفادها أن ثورة البحرين انتقلت الى مرحلة العنف المسلح وعلينا مواجهتها.
ائتلاف 14 فبراير اعتبر أن الاتهامات الخليفيّة التي توزّعت في كلّ اتجاه بخصوص الإرهاب "وقحة ومبتذلة، مؤكداً أن ذلك يأتي بهدف التغطية على المجرم والإرهابيّ الحقيقيّ الذي يحاول جاهداً أن يفلت من العقاب، عبر أساليبه المخادعة التي يسعى من خلالها لطمس الحقائق وتضليل الرأي العام العالميّ بحقيقة ما جرى ويجري في البحرين.
ويوضح الائتلاف بأن حمد عيسى الخليفة هو “الإرهابي الأول في البحرين”، وأكّد بأن ما يجري من انتهاكات وجرائم للمواطنين وللجاليات الأجنبيّة “يتحمّل وزره الديكتاتور حمد في المقام الأوّل”، وذلك “بسبب سياساته القبليّة الهوجاء التي دمّر بها كلّ الأمور الجميلة في هذا الوطن”، وهي السياسة المستمرة، وخصوصا “سياسة التجنيس السياسيّ والتغيير الديمغرافيّ”، و”سياسة الإقصاء والتهميش والتمييز والطائفيّة”، و”سياسة التجويع والتجهيل”، “والاستئثار بالثروة والسلطة”، و”تكميم الأفواه”.
في السياق نفسه أكد أمين عام التجمع الوحدوي فاضل عباس أن النظام لن ينجح في جر البحرينيين لمستنقع التفجيرات والعنف، قائلا "الوضع في البحرين يختلف كليّاً وهذا الأمر أجزم بأنّه أصبح وراء الشعب البحريني"، وأضاف "هناك احتمال واحد أمام النظام وخيار واحد لا آخر له وهو أن يتجاوب مع مطالب شعبه وإلا سيسقط".
ودعا عباس النظام للقبول بتحقيق دولي في التفجيرات، متابعا "وليقبل بعودة بسيوني ولو لفترة قصيرة مع فريق عمله ليحقق في هذا الأمر كي نصل إلى نتائج في هذا الشأن.
وشدد على أن روايات وزارة الداخلية غير مقبولة لدى المعارضة على الإطلاق ما لم يكن هناك تحقيق، مؤكدا أن العنف الذي يتحدث عنه النظام في البحرين جزء كبير منه غير معروف من يقوم به.
من جانبه شكك النائب المستقيل عن كتلة الوفاق في الرواية التي ساقتها السلطة بشأن الحوادث الأمنية الأخيرة وقال "عوّدنا النظام ومنذ عقود بأنّ طريقة تعاطيه مع القضايا الأمنية تكون بنتائج سريعة جدّاً ودائماً تأتي تحت الإكراه والتعذيب وسوء المعاملة لخصومه".
وأضاف:"أنا لا استطيع أن أقبل رواية من روايات الأمن في البحريني لأنه لا يملك القدرة على البحث عن ما وراء الحدث، هو يملك القدرة على أن ياتي ليقول أمسكنا بالجناة وهذا ما درجت عليه الأجهزة الأمنية".
اذاً، سلطة البحرين تختنق تمامًا بكل حركةٍ سلمية، لأنها تجد آلاف المواطنين يخرجون، ويشاهدهم كل العالم، وتحاول أن تقتبس لقطةً هنا أو هناك بعد المسيرة التي يحضرها الآلاف لتُخرج بيانًا وتقول أنّ المسيرة قد انتهت بمخالفات وأعمال عنف، لكن لجنة تقصي الحقائق كشفت الكثير من الأكاذيب التي ساقتها الأجهزة الأمنية في تحقيقها مثل قطع اللسان، الأسلحة لدى الأطباء، التهم التي وُجّهت إلى القادة الرموز الموجودة الآن في السجن، وما الاتهامات الأخيرة بالتفجيرات الا في هذا السياق.
لن تفلح المحاولات الخليفية في عزل الواقع حتى لا يصيبها الفشل والخذلان، فكما أن سلمية الشعب حطمت أفوهة رشاشات النظام والمرتزقة، ستنجح سلميتهم في اخماد أمواج انفجاراتهم المفتعلة.
لقّنت ثورة البحرين كافة دول العالم دروساً جديدة في الديمقراطية لا يمكن أن يحتملها أي شعب غيرهم ، وكما أثمرت الثورات السلمية في العالم فمن المحقق بأنّ هذه السلميّة ستقطف ثمارها، لأن العمل السلمي كان بمثابة السم القاتل لآل خليفة، فصبرا ال ياسر ان موعدكم الجنة.