الوقت- نفذت المقاتلات الإسرائيلية أمس غارات على الأراضي السورية، مستهدفة مناطق قرب العاصمة السورية دمشق، بحسب ما أعلنت وكالة الأنباء السورية الرسمية، وذكرت مصادر أمنية أن 8 طائرات إسرائيلية معادية أغارت على موقعين، أحدهما يقع على مقربة من مطار دمشق الدولي، والآخر قرب مطار الديماس للطيران الشراعي إلى الشمال الغربي من مدينة دمشق. فيما لم تخف فصائل المعارضة المسلحة شماتتها من الضربة الأسرائيلية في غياب تام لأي أدانة لها وكأن التراب الذي تعرض للهجوم ليس بتراب سوري، أو الجهة المعتدية ليست دولة محتلة لأراض عربية وتنتهك المقدسات الاسلامية منذ ما يقارب السبعين عاماً، الأمر الذي يسلط الضوء على طبيعة هذه الجماعات المعارضة ويؤكد أن ما تتعرض له سوريا منذ البداية تحت عنوان الثورة، ما هو إلا مؤامرة لضرب دورها المقاوم في المنطقة.
أسباب العدوان
عدة أسباب تقف وراء العداون الاسرائيلي الأخير على سوريا، وبالطبع لا يمكن فصل هذه الأسباب عن مجريات الأحداث الدائرة في سوريا والمنطقة، فوفقاً لمحللين اسرائيليين، ما تزال سوريا ماضية في تجاوز ما تسميه اسرائيل الخطوط الحمر، حيث قالت اسرائيل أكثر من مرة أنها لن تسمح بوصول سلاح كاسر للتوازن لحزب الله. وتقصد على وجه التحديد -وفقاً للقناة العاشرة الاسرائيلية- صواريخ "اس-300" المضادة للطائرات وصواريخ بر بحر متطورة من طراز ياخونت. فحزب الله الذي صمد أمام العدوان الاسرائيلي لأكثر من 33 يوماً خلال حرب تموز 2006، أصبح يشكل التهديد الأكبر للكيان الاسرائيلي، خاصة بعد التجربة القتالية التي اكتسبها في حربه ضد الجماعات التكفيرية في سوريا، ووصول أسلحة نوعية لمقاتلي هذه الحزب سيجعل من معادلة تحرير الجليل التي أطلقها الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، أمراً واقعاً لا مفر منه.
كما تأتي هذه الغارات الاسرائيلية بالتزامن مع التقدم الذي يحرزه الجيش العربي السوري على كافة الجبهات في حربه مع الجماعات الارهابية، وخاصة على جبهة الجنوب الأسخن والأصعب، حيث أحدث الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني اختراقاً واسعاً على جبهة الشيخ مسكين. فجبهة الجنوب السورية تحمل أهمية كبرى للكيان الصهيوني، وقد جرى تسخينها ودعمها بقرار أمريكي، حيث تروي مصادر مطلعة أنه وبعد فشل مؤتمر “جنيف 2″ التقى جون كيري وزير الخارجية الامريكي وفداً من المعارضة السورية وبادر الى سؤاله، اي الوزير كيري، عن خطة امريكا كرد على هذا الفشل، فأجاب بان هناك عدة خيارات من بينها “تسخين” الجبهة الجنوبية.
التعاون الاسرائيلي مع الجماعات الارهابية
لا شك أن المجاميع الارهابية في سوريا ليست مستاءة من هذا العداون على التراب السوري، حيث أن هناك شراكة حقيقية بين الجماعات الارهابية وعلى وجه الخصوص جبهة النصرة، والكيان الصهيوني، وتشير تقارير إلى تنسيق أمني ودعم استراتيجي ولوجستي ذو أهمية عالية يتلقاه المسلحون من مراكز التجسس الاسرائيلية المنتشرة في هضبة الجولان تساعدهم في معرفة اماكن ومواقع انتشار الجيش السوري في المنطقة ومعارك درعا والجنوب السوري لهي خير دليل على ما يجري هناك. كما يقوم الكيان الصهوني بنقل جرحى الجماعات الارهابية إلى المستشفيات الاسرائيلية، وتقديم العلاج اللازم لهم، وقد قام رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في خطوة اعلامية بعيادة هؤلاء الجرحى وتفقد أحوالهم، في خطوة تعكس مدى الصداقة التي تجمع اسرائيل وهذه الجماعات.
مؤخراً، كشفت تقارير لمراقبي الأمم المتحدة العاملين في هضبة الجولان السورية المحتلة (الأندوف) النقاب عن حجم التعاون بين إسرائيل وقوات معارضة سورية. وأشار التقرير، الذي نشرت عنه صحيفة «هآرتس»، إلى عشرات اللقاءات بين معارضين سوريين مسلحين وجنود الجيش الإسرائيلي وإدخال جرحى لإسرائيل، ونقل صناديق غامضة المحتوى إلى سوريا. كما قام بعض أركان المعارضة السورية في وقت سابق بزيارات علنية إلى الكيان الاسرائيلي.
الرد السوري
بالطبع لن يكون من الصعب على سوريا أن تطلق بضع من صواريخها طويلة المدى على "اسرائيل"، إلا أن الرد الذي اختارته سوريا بعد الغارات الاسرائيلية السابقة هو الرد الاستراتيجي، وليس الرد الانفعالي، فكل خطوة ستقدم عليها سوريا ينبغي أن تكون محسوبة بعناية وتختار الوقت المناسب، خاصة وأن تشكيلات الجيش العربي السوري تنتشر على أكثر من 2000 موقع عسكري على كامل الجغرافيا السورية بقوام صغير عبارة عن فصائل وسرايا، وهي في حالة اشتباك دائم في مختلف المناطق السورية، والبيئة العملياتية ووضعية القوات على الأرض لا تسمح لها بإعادة تجميع وحشد باتجاه العدو الإسرائيلي الذي يدرك جيدا هذا الأمر، لذلك اختار التوقيت المناسب لعمليته. فالنظام السوري يعلم أن البيئة الاستراتيجية في الوقت الحاضر لا تسمح له ببدء حرب ضد الكيان الصهيوني، كون الجيش يخوض حربا طويلة وشرسة ضد الإرهاب على كامل الجغرافيا السورية فلا يستطيع في وقت واحد أن يخوض حربين، واحدة في الداخل وأخرى مع إسرائيل.
في المقابل يعمل النظام السوري على جر اسرائيل إلى حرب استنزاف طويلة الأمد على غرار حركات المقاومة، حيث أعلنت سوريا في وقت سابق أنها ستفتح جبهتها للمقاومة الشعبية في الجولان وأنها ستقود التجربة التي خاضتها المقاومة في لبنان، وهذا ما فعلته بالضبط، ففي آذار/مارس الماضي جرى تنفيذ اربع هجمات بالعبوات الناسفة ضد اهداف اسرائيلية، ثلاث منها في جبل الشيخ، وواحدة داخل مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، وجاءت الحصيلة اصابة سبعة جنود اسرائيليين احدهم اصابته خطيرة جدا، الامر الذي اربك حسابات الاسرائيليين والامريكيين معاً. ومن المعلوم أن الكيان الصهيوني لا يطيق الحروب الطويلة، وذلك بسبب هشاشة الوضع الداخلي لديه، وعدم قدرته على تحمل خسارة في الأرواح لفترات طويلة.
إن الهجمات الاسرائيلية الأخيرة على سوريا تؤكد أن ما يتعرض له هذا البلد ما هو إلا مؤامرة، وأن ما يجري فيها من اقتتال داخلي واستنزاف للجيش السوري واستهداف لمؤسسات الدولة لا يخدم إلا الكيان الصهيوني. هذا الكيان المصطنع الدخيل على المنطقة والموصوف بالابن الغيرشرعي للاستعمار الغربي، لا يمكن أن تقبل به الشعوب الاسلامية. وإن تعويل بعض أركان المعارضة السورية عليه وتعاونها معه لن يجدي لها نفعاً ويؤكد وقوف هذه الفصائل في مصاف أعداء الوطن والاسلام.