الوقت- قال المنظر البارز في العلاقات الدولیة منتقداً مغامرات أمیرکا خارج حدودها: کان یمکن لجزء قلیل من الإنفاق العسكري لواشنطن فحسب، أن یحل العدید من المشاكل الداخلية في أمريكا.
وکتب "سـتيـفن والـت" المنظر البارز في العلاقات الدولیة مقالاً نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمیرکیة مؤخراً ، انتقد فیه الترکیز الکبیر والأکثر من اللازم للإدارة الأمیرکیة علی الشؤون الخارجیة وإهمالها للمشاکل الداخلیة في هذا البلد بما في ذلک التمییز العنصري وکذلك الجهاز القضائي المعیوب في هذا البلد.
فيرغسون ؛ رمزاً لاستمرار معضلة العنصریة في الولایات المتحدة الأمیرکیة
ویشیر والت في البدایة إلی الأحداث الأخیرة التي شهدتها مدینة فيرغسون في ولایة میسوري، والاحتجاجات الشعبیة التي اندلعت بسبب التمییز العنصري ، وقال: « إن ما یجري في فيرغسون یذکرنا أن موضوع العرق مازال یواجه في هذا المکان مشاکل عمیقة وخاصة من قبل قوات الأمن والعدالة القضائية ».
ویضیف: « مع ذلك، ما یجري في فيرغسون والقضایا العنصریة في الولایات المتحدة الأمیرکیة بشکل عام ، لها أبعاد مرتبطة بالسیاسة الخارجیة مثيرة للاهتمام. وطبعاً هذا لا یدعو إلی الاستغراب، لأن القضایا الداخلیة في الولایات المتحدة الأمیرکیة تترك آثاراً لا مفر منها علی صورة هذا البلد في العالم ومدی نفوذه. فعندما تواجه حکومة الولایات المتحدة الأمیرکیة مشاکل ، فإن ذلك سیحد من قدرتها في الساحة الدولیة. وعندما تواجه الحکومة الفدرالیة مشاکل بسبب قضایا سیاسیة غیرهامة مثل موضوع بنغازي، فإن طاقة ووعي هذا البلد سیکون أقل في خارج حدودها. وإذا استمر تهمیش الأقليات في الولايات المتحدة ، وواجهت التمييز وعوملت بالظلم، فإن الطاقة الكاملة لأمريكا ستنفذ وسلطتها الأخلاقية ستنخفض في نظر المراقبين الأجانب».
وأشار والف إلى أن هناك علاقة بین الأنشطة الخارجية للحكومات وقدرتها على معالجة مشاكلها الداخلية، وأضاف: «لا أعتقد أن زيادة الإنفاق الاجتماعي يمكن أن تقضي على العنصرية أو تحل جميع المشاكل في مناطق مثل فيرغسون، ولكن بالتأكيد إذا لم نصرف 3 تريليونات دولار من خلال مغامراتنا الخاطئة في العراق وأفغانستان دون جدوی، لکان وضع الأمريكیین الیوم أفضل بکثیر قطعاً. فعلى سبيل المثال، إذا کان جزء من هذا المبلغ قد صرف لإنشاء البنية التحتية المطلوبة، لوفّر ذلك العديد من فرص العمل في مناطق مثل فيرغسون، ولازدادت الإنتاجية العامة لاقتصادنا .»
المغامرات الخارجیة سبب إهمال المشاكل الداخلية الأمريكية
ویضیف والت قائلاً: « أیضاً إن جدول الأعمال غير الواقعية والطموحة جداً في السياسة الخارجية، یبعد مسؤولي الولايات المتحدة عن القضايا الداخلية. وعندما یخصص رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما عدة أسابيع متتالیة من وقته بشأن مخاوفه وقلق حکومته تجاه أوكرانيا وسوريا وداعش والقدس وجزر سينكاكو وأفغانستان والعراق، والتعاون التجاري والاستثماري عبر الأطلسي، وإيبولا وبوكو حرام وجنوب السودان وما إلى ذلك، فلا شك أنه سيفقد الوقت الذي کان یمکن أن یخصصه للقضايا المحلية الهامة. وهکذا، عندما يجب على النائب العام أن یخصص ساعات وأياماً وأسابيع للنظر في القضايا المتعلقة بمخالفات وكالة الأمن القومي أو الأوضاع في غوانتانامو، فحینه سیکون له وقت أقل لدراسة كيفية إصلاح النظام القضائي (الأمريكي) المعیوب جداً.»
وقال والف إنه لا یسعى إلى دعم سياسة الانعزال، وأضاف: "عندما تظهر مشكلة اجتماعية كبيرة مثل فيرغسون على شاشة التلفزيون، فهذا يرجع جزئياً على الأقل إلى أننا بدل أن نرکز علی الاحتياجات الأساسية التي یواجهها المواطنون، قد خصصنا أهتماماً أکبر وموارد أکثر لمواضيع بعيدة عنّا".
وتابع هذا المحلل الأمريكي البارز بالقول:«ولکن لیس هذا کل شيء . فالشيء الآخر الذي تذكرنا به فيرغسون، هو أن أحد الآثار الجانبية للحرب الواسعة جداً ضد الإرهاب، هو استمرار عسكرة قوات الشرطة المحلية، التي تستخدم موارد مكافحة الإرهاب والأسلحة الفائضة لدی الجیش لزيادة قدرة وحداتها. وبعبارة أخری، نحن أدخلنا "الحرب على الإرهاب" في مؤسسات الأمن الداخلي لدینا، وفيرغسون هي إحدی نتائج هذا الأمر إلی حد ما.»
وقال والت إن أحداث فيرغسون قد دمرت صورة أميركا كمجتمع یحاول تقدیم نفسه لسكان العالم علی أنه المجتمع المثالي، وأضاف: « إن الأحداث الأخيرة تذكرنا بأن هذا البلد لم یعمل بعد بالمثل العليا التي ینصح الآخرين بالعمل به. وکما أن الرد غیرالمناسب علی إعصار کاترینا والأزمة المالیة في عام 2008 ، قد أظهرا للعالم أن الولایات المتحدة الأمیرکیة لیست من دون نقص وعیب، فإن فضیحة فیرغسون ستذکر الآخرین بأنه عندما یثار النقاش حول الخلافات الاجتماعیة العمیقة، فمرة أخری لیس لدی أمیرکا حل جامع لها .»
وهم بناء الشعوب في البلدان الأجنبیة من قبل أمیرکا
ویضیف والت: « وفیرغسون تقدم لنا درساً قیماً وصعباً بطبیعة الحال عن موضوع "بناء الشعوب" . فکروا في هذه القضیة: تواجه الولایات المتحدة الأمیرکیة القضایا العنصریة منذ أکثر من قرنین، وقد شهدت حرباً أهلیة دامیة بسبب هذا الأمر أیضاً. لقد زال الاسترقاق قبل 150 عاماً، ورغم أن تقدماً ملحوظاً قد حدث منذ ذلك الزمان، ولکن أظهرت فیرغسون أن هذا البلد مازال أمامه طریق طویل. وقبل حوالي عشر سنوات، اعتقد أصحاب القرار في السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة الأمیرکیة من کلي الحزبین، أن الولایات المتحدة الأمیرکیة قادرة علی إسقاط الحکومة في العراق وأفغانستان وبناء مؤسسات جدیدة سریعاً، تستطیع إنهاء الخلافات العرقیة والطائفیة أو القومیة العمیقة بشکل عادل ومنصف ومؤثر. ولکن رغم نتائج هذه المحاولات، لقد کرروا نفس الخطأ في لیبیا عام 2011. ماذا یتصور هؤلاء؟ إن الولایات المتحدة الأمیرکیة مازالت عاجزة عن معالجة خلافاتها العرقیة ومشاکلها العنصریة منذ قرن ونصف قرن، ونحن کنا نتصور أننا قادرین علی معالجة هذه الخلافات نفسها خلال عدة سنوات فحسب في بلد أجنبي لم نعرف منه إلا القلیل من المعلومات ؟! أیتها السیدات أیها السادة، هذا هو تعریف التکبر بالضبط .»