الوقت- منذ نشأته عام 1982م حتى يومنا هذا، وضع حزب الله القضية الفلسطينية نصب عينيه حتى استرداد القدس و المسجد الأقصى من دنس الصهاينة. لم يحد نفسه بحدود الجغرافية اللبنانية فقط، بل كان تحرير المقدسات و طرد الصهاينة من صلب مشروعه الأكبر. و كدليل على ذلك فبعد تحرير جنوب لبنان عام 2000م، لم يسلم سلاحه للدولة بل اعتبر أنه طالما هناك اسرائيل فالخطر ما زال قائما، و هو بغية تصديه لاسرائيل لم يكتفي بالحفاظ على سلاحه، بل طوره منذ ذلك الحين حتى الان أضعافا من حيث الكمية و النوعية. و قد حافظ على القضية الأساس(فلسطين) رغم انشغاله بجبهات سوريا و العراق و غيرها.
قد يختلف البعض في تقييم حجم قوة حزب الله و تأثيره، هل هو حزب وطني؟ أم أنه قوة اقليمية لها تأثير على الدول المجاورة للبنان، أم يتعدى ذلك ليكون قوة دولية؟ للاجابة على هذا السؤال يكفي استذكار معارضي نفوذ حزب الله و أعماله. كما عبر عن ذلك الامام الخميني الراحل عندما قال: "إنکم تهاجمون إیران بشکل منظم و تنظمون الهجمات ضدنا ثم تقولون أن إیران لیست شیئاً یذکر. حسنٌ لو لم تکن شیئاً فلماذا تتحدثون عنها إلی هذه الدرجة ". كذلك الأمر بالنسبة الى حزب الله، فعلى المستوى الداخلي نظمت في الداخل حملات بدعم أمريكي و اسرائيلي واضح ضده كاغتيال الرئيس الحريري عام 2005م، و بعدها أحداث 7 أيار عام 2008م عندما تامرت الحكومة لنزع شبكة اتصالاته السلكية التي عجزت اسرائيل عن تدميرها في حرب تموز 2006م، و أحداث "نهر البارد" للاجئين الفلسطينيين، الذي أرادت من خلاله بعض الجهات الداخلية بأوامر خارجية، افتعال فتنة سنية شيعية.
اقليميا، حملات التحريض الطائفي ضده أتت من قبل الوهابية السعودية، خصوصا بعد حرب تموز 2006م و تعاظم شعبية الحزب في الوطن العربي، في مشهد أقلق ال سعود و شيوخ الوهابية الذين ابتكروا فكرة تمدد الهلال الشيعي. يذكر أنه بعد حرب تموز رفعت أعلام حزب الله في كل الدول العربية و كان معظم أهل السنة مؤيدين و داعمين للحزب بشكل لافت.
و دوليا، فان الاستخبارات العالمية تخشى مما يسمى الأمن الخارجي لحزب الله، و قد كان لافتا منذ نشأته، العمليات التي نفذها ضد المصالح الاسرائيلية في كثير من الدول الأوروبية و القارة الأمريكية و افريقيا.
اذا، فقد بات واضحا امتداد حزب الله ليكون أكثر من حزب لبناني وطني حمى لبنان و أرضه و حدوده من أي خرق اسرائيلي و غيره، الى قوة اقليمية تقاوم التكفير المتفشي في سوريا و العراق الى قوة دولية تضرب الصهاينة في أي نقطة من العالم متى رأت الظرف مناسب. و قد كان تصريح وزير الدفاع الأمريكي الأسبق "تشاك هيجل" عن تطور قدرات حزب الله دليلا قويا على تعاظم قوة حزب الله اذ أن مثل هذا التصريح كان ليعتبر أمرا طبيعيا لو لم يخرج من فم عدو يكره أن يمدح حزب الله، كما كان تصريح الخارجية الروسية باستعدادها للعمل مع حزب الله لمواجهة الارهاب، تأكيد على أهمية الدور الذي يلعبه الحزب على هذا الصعيد.
حزب الله المنغمس في الحرب المستعرة في سوريا و العراق ضد التنظيمات التكفيرية المدعومة أجنبيا، لم يغفل أبدا عن العدو الأقرب و الأخطر"اسرائيل"، فقد راكم منظومته الصاروخية و عدل عليها من حيث النوعية و المدى و القدرة التدميرية كما ادخل اليها منظومات أرض جو و أرض بحر التي تهدد السفن الاسرائيلية و موانئ النفط و الغاز الطبيعي المستحدثة في فلسطين المحتلة.كما صرح مسؤول الحرس الثوري في ايران العميد محمد علي جعفري و غيره من القادة الكبار في أكثر من مناسبة عن تسلم حزب الله صواريخ بعيدة المدى تطال فلسطين من الشمال الى الجنوب و من البحر الى النهر. كما رفع الحزب من مستوى تدريب جنود النخبة لديه لاعدادهم على التوغل البري داخل الأراضي المحتلة، و يبقى الكثير من المفاجئات التي تبقى مبهمة لكي لا تفقد عامل المفاجئة.
على الحدود مع سوريا، أثبت حزب الله أنه الطرف اللبناني الوحيد القادر على حماية الحدود، في ظل عدم توفر مقومات الدفاع المتطورة و الخبرة اللازمة عند الجيش اللبناني الذي مل من وعود التسليح التي تبنتها عدة دول دون وجود أشياء ملموسة على أرض الواقع. ففي معركة "القصير" على سبيل المثال، خاض الحزب حربا ضروسا مع المجموعات التكفيرية التي تحصنت في المدينة و حفرت فيها الخنادق و أعدت العدة لحرب طويلة، استطاع الحزب خلال وقت قصير من تحرير المدينة موقعا المئات من المسلحين بين قتيل و أسير و جريح. و لايزال الحزب متمركزا على النقاط الحدودية مع سوريا يمنع من تسلل الارهابيين و قيامهم بأعمال اجرامية داخل لبنان. يذكر أن الدور الأمني الذي لعبه حزب الله في تفكيك شبكات ارهابية كانت تعد انتحاريين و سيارات مفخخة، كان بارزا جدا بالتعاون مع مخابرات الجيش اللبناني.
قوة حزب الله نابعة من كونه حزبا يراعي المصلحة اللبنانية أولا رغم محاولة البعض اتهامه بالتبعية لأجندات خارجية، فهو علی عکس الدعایة الأمریکیة و السعودیة لیس أداة بید إیران. بل أن حزب الله هو الحلیف الأساسی لإیران کما أن علاقته بإیران لیست علاقة آمر و مأمور. إنه عبارة عن قوة تعمل حسب مصالح الحزب و حسب ما یراه مناسباً فهو لا یسلم اتخاذ القرار إلی دولة أخری. نعم بما أنه یوجد فی هذه المنطقة أصدقاء و أعداء مشترکین فمن الطبیعی أن یصل الأصدقاء المشترکون إلی مواقف مشترکة حول الأعداء المشترکین. إن هذا الإشتراک فی الصداقة و العداوة یؤدي بنفسه إلی الإدراک المشترک و العمل المشترک.
ختاما، فان حزب الله عنصر أساسي في محور المقاومة الممتد من ايران و العراق الى سوريا فلبنان و فلسطين، یتميز بقدرته على تحليل و فهم الأحداث الإقلیمیة و الدولیة الهامة واتخاذ القرارات المناسبة بناءا علی هذا التحلیل، و هو كما غيره من عناصر محور الممانعة، لن يرتاح الا بعد تحرير كل فلسطين.