شهدت أفغانستان في الأسبوع الماضي عدد من الهجمات الدامية نفذتها حركة طالبان، أوقعت خلالها العشرات بين قتيل وجريح في صفوف قوات الشرطة الأفغانية والمدنيين، ويأتي هذا بعد أيام على المصادقة على المهمة الجديدة للناتو في أفغانستان، الأمر الذي يثير الشكوك حول الجدوى من وجود القوات الأجنبية في هذا البلد بعد حرب خسرت فيها قوات الناتو أكثر من 3500 من جنودها، وأدخلت أفغانستان في دوامة من العنف اللامتناهي.
فبعد ثلاثة عشر عاماً على اطاحة الغرب بحكم طالبان، اجتمع وزارء خارجية الدول الأعضاء في حلف شمال الاطلسي للمصادقة على إنهاء المهمة القتالية للحلف في أفغانستان (ايساف) في نهاية كانون الأول/دسمبر، إلى أن هذا القرار لم ينهي الوجود العسكري للحلف في هذا البلد، حيث وافق المجتمعون على بدء مهمة جديدة للحلف يبقي بموجبها الحلف 12000 من مقاتليه غالبيتهم من الولايات المتحدة بهدف - وفق ما أورد الحلف - تدريب القوات الأفغانية وقتال تنظيم القاعدة.
وفي الوقت الذي يصف الحلف مهمته السابقة في أفغانستان بالناجحة، ترى أوساط محلية أن الحلف قد فشل في تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد وذلك على ضوء تصاعد القلق من العنف المستمر هناك، حيث ما تزال طالبان تبسط سيطرتها على عدد من المناطق في أفغانستان.
عقب الغزو الأمريكي لأفغانستان وسقوط نظام طالبان في نهاية عام 2001م، تولى حلف الناتو مسؤولية المنسق الاستراتيجي لقوة المساعدة الأمنية الدولية في أفغانستان خلال صيف عام 2003م، وذلك في مبادرة حملت عنوان مساعدة الحكومة والشعب الأفغاني ونشر السلام بالمنطقة، إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل .
عاشت أفغانستان في حالة حرب فعلية على مدى أكثر من 13 عاماً، واليوم تحتاج أفغانستان إلى عملية إعمار هائلة وصعبة، فهي من الدول الموبوءة بأكبر قدر من الألغام على مستوى العالم. وطبقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يعاني 70% من سكانها من سوء التغذية، ومتوسط عمر الفرد نحو (40) سنة. وازدهرت زارعة الأفيون والحشيش في أفغانستان عقب العزو الأمريكي، لتصل مساحة الأراضي المزروعة إلى 740 كيلومتر مربع 2004م، حيث بلغ إنتاج أفغانستان من الأفيون ما نسبته 76% من إجمالي الإنتاج العالمي، ويمثل 60% من إجمالي المواد المنتجة من أفغانستان، وهذا يعود إلى حالة الفقر والبطالة التي خلفها الاحتلال.
وبالرغم من سيطرة الجيش والشرطة الأفغانية على عواصم الأقاليم الأربعة والثلاثين في البلاد، لكنهم لا يملكون السيطرة علي العنف .
ويقول محللون عسكريون أن المعارك الدامية التي دارت خلال هذا العام قد تركت مخاوف بشأن قدرة القوات الأفغانية على التصدي لحركة لطالبان.
ويرى بعض الخبراء المحليون أن حالة الترديد السياسية والاخفاق لدى رئيس الوزراء في تشكيل الحكومة الجديدة هو من أعطى الفرصة لطالبان بتصعيد هجماتها المنظمة في البلاد. الأمر الذي قاد البلاد إلى حالة من العجز عبّر عنها الرئيس الأفغاني "أشرف غني" في تصريح له خلال اللقاء الذي جمعه مع وزراء دول الأعضاء في الحلف الأطلسي حيث قال: " لسنا قادرين حتى الآن على فعل كل شيء وحدنا".
لكن من وجهة نظرنا أن السبب الرئيس في عجز الحكومة الأفغانية هو أن الولايات المتحدة وحلفائها في حلف الناتو لا يريدون أفغانستان مستقرة، وهذا ما أكد عليه الرئيس السابق لأفغانستان "حامد كرزاي"، حيث صرح في خطابه الوداعي بأن أمريكا لاتريد السلام في أفغانستان ودعا خلَفه "أشرف غني" إلى التعامل بحذر مع الغرب. ونشير هنا إلى العلاقة الجديدة التي بدأت تتضح معالمها بين الولايات المتحدة وحركة طالبان من خلال الوسيط القطري الذي يستضيف على أراضيه مكتباً للأخيرة. حيث جرت بين الولايات المتحدة وطالبان مفاوضات مباشرة كان آخرها الاتفاق على تحرير رهينة أمريكي مقابل اطلاق خمسة من أخطر قادة طالبان من معتقل غوانتنامو، الأمر الذي يمثل اعترافاً رسمياً بطالبان من قبل الولايات المتحدة، ولم تفلح احتجاجات الحكومة الأفغانية على هذا الأمر بالوقوف حائلاً أمام هذا الاتفاق.
وتشير أوساط محلية بأن الولايات المتحدة الأمريكية قد وضعت الحكومة الأفغانية أمام خيارين أحلاهما مر، فإمّا القبول بالقوات الأجنبية والوجود الأجنبي لقوات الناتو، أو مواجهة حرب طويلة الأمد مع حركة طالبان المدعومة بشكل أو بآخر من أمريكا وحلفائها. فأفغانستان بالنسبة للولايات المتحدة تمثل منطقة نفوذ وامتداد نحو آسيا الوسطى، والهدف من وجود قواتها وقوات حلف الناتو هو اغراق المنطقة في الفوضى الخلاقة، لتمرير مخططاتهم ومصالحهم في المنطقة، ومن هنا لا يمكن لحلف الناتو أن يشكل عامل استقرار لأفغانستان سواء على المنظور القريب أو البعيد.