الوقت ـ من البديهي جدا إذ لم تكن المعارضة السورية مستقلة في اتخاذ قراراتها فانه سيكون من الصعب جدا علی الطرف المفاوض الآخر وهي الحكومة السورية أن تصل الی إتفاق مع هذه المعارضة. وفي هذا السياق بات السؤال المهم الذي يطرح نفسه هو: هل أن المعارضة السورية مستقلة أم لا؟. نحن لانريد إتهام المعارضة بانها ليست مستقلة، لكن هنالك الكثير من الاطراف وعلی رأسها الحكومة السورية تتهم المعارضة بعدم الإستقلالية ولها أدلتها الخاصة لطرح مثل هذا الإتهام. حيث تؤكد سوريا أن المعارضة مرتبطة بالعديد من دول العالم وخاصة تركيا والسعودية وقطر وأمريكا، ناهيك عن تاثرها بالعديد من المنظمات الإستخبارية الدولية، ولكل هذه الاطراف أجندة خاصة كما تقول دمشق، وهذا ما يجعل التوصل الی إتفاق مع هذه المعارضة أمرا شائك وفي غاية الصعوبة. إذن هل ستنهار محادثات جنيف3 وتفشل كما فشلت المحادثات السابقة، بسبب عدم استطاعة المعارضة العمل باستقلالیة تامة، وما أثر مثل هذا الفشل علی مستقبل المعارضة وسوريا؟.
لابد علی المعارضة السورية ان كانت حقا تمتلك شيء من العقلانية، أن تعيد النظر في الكثير من حساباتها، خاصة في ما يتعلق بالعمليات المسلحة ضد النظام السوري. حيث نتذكر بشكل جيد كيف كانت تراهن المعارضة السورية في بداية الأزمة علی دعم الدول الغربية والعربية لاسقاط النظام السوري، لكن سرعان ما فشل هذا الرهان، بسبب أن هذه الدول كانت تعرف جيدا أن النظام السوري يتمتع بدعم قوي من قبل جيشه وشعبه. وفي ما كانت تشكك المعارضة السورية في ولاء الشعب والجيش السوري، فقد رأينا جميعا، كيف بقي النظام السوري صامدا أمام جميع العواصف التي عصفت بالبلاد (أمنيا وسياسيا واقتصاديا) خلال الاعوام الخمسة الماضية.
وفي هذا الإسبوع ورغم جميع الخلافات التي حالت دون عقد اجتماع جديد في جنيف بين الحكومة السورية والمعارضة قبل هذا التاريخ، سافرا وفدي الحكومة السورية والمعارضة الی جنيف، لبدء مفاوضات وصفت من قبل المبعوث الاممي "دي ميستورا" بالتاريخية. لكن المعارضة التي باتت الیوم تتذوق مرارة الهزيمة الساحقة في الكثير من المناطق التي استولت علیها في الاعوام الماضية، بسبب الإنتصارات التي إكتسبها الجيش السوري خاصة في منطقة الشيخ مسكين، باتت تحاول إفشال المساعي السورية والدولية للتوصل الی إتفاق مجدي خلال محادثات جنيف3.
ورغم أن المفاوضات بين وفدي الحكومة السورية والمعارضة لم تبدء بعد حتی الآن بسبب العراقيل التي تخلقها المعارضة، هنالك الكثير من المحللين باتو يشككون في مصداقية ونوايا المعارضة للوصول الی حل يمكن البناء علیه لإنهاء الأزمة في سوريا. حيث أن المعارضة وقبل أن توافق علی المشاركة في محادثات جنيف3، طالبت الحكومة السورية بالقيام بخطوات لاثبات حسن نيتها، مثل فك الحصار عن بعض المناطق واطلاق سراح المعتقلين ومعظمهم ممن تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء وكذلك وقف القصف علی المناطق التي تسيطر علیها المعارضة، وعلی العكس من ذلك فقد تؤكد الحكومة السورية أن من يجب أن يقوم بخطوات لإثبات حسن نواياه، هي المعارضة وليست الحكومة.
وكما المعارضة فان المجتمع الدولي وخاصة الامم المتحدة مقصرة في السعي لإنهاء الازمة في سوريا، وأقرب شاهد علی هذا الإدعاء هو صمت جميع المنظمات الدولية إزاء التفجيرات التي راح ضحيتها مئات الشهداء والجرحی والتي استهدفت الآمنين في منطقة السيدة زينب علیها السلام قبل يومين. حيث كان من المفترض أن تدين هذه المنظمات مثل هذه التفجيرات التي تستهدف الشعب والسيادة السورية، في حين أن الحكومة السورية جالسة في جنيف بأمل التوصل الی اتفاق مع المعارضة لإنهاء الأزمة في البلاد.
لا شك أن الاوراق الرابحة لدی الحكومة السورية، أكثر بكثير مما تمتلكها المعارضة، حيث أن سوريا تتمتع بدعم داخلي واقليمي ودولي من قبل شعبها وحلفائها وعلی رأسهم روسيا وإيران، لكن في المقابل لم تعد المعارضة تملك شيء من الاوراق الرابحة سوی الاستمرار بحصار بعض المناطق مثل مدينة دير الزور واطلاق القنابل علی المناطق المأهولة بالسكان. لذا من الافضل للمعارضة السورية أن تنهي مماطلاتها وتسعی بجدية للتوصل الی حل معقول مع الحكومة السورية، لانه اولا واخيرا كل ما استمرت الحرب بين المعارضة والحكومة السورية، فان ذلك سيكون بمعنی المزيد من الخراب والدمار لسوريا. وفي نهاية المطاف فان الحكومة السورية والمعارضة مهما طال الزمان فانهما لابد أن يصلان الی حل نهائي، وعند ذلك سيكون إعادة سوريا علی ما كانت علیه، باهض التكلفة للحكومة والمعارضة السورية. إذن علی المعارضة السورية أن تتحلی بشيء من المسؤولية الوطنية خلال المحادثات المرتقبة فی جنيف، بعيدا عن أجندة أنقرة والدوحة والرياض وواشنطن، لكي لا تكون سببا في إنهيار محادثات جنيف3، وعندها ستجد أن الحكومة السورية مستعدة لأي تعاون يكون لصالح سوريا وشعبها.