الوقت- أقیم مؤتمر "خطر التيارات التكفيرية من وجهة نظر علماء الإسلام " في قم وقد شارك فيه ما يقرب من ألف عالم من علماء العالم الإسلامي وأتباع المذاهب الإسلامية المختلفة ، وتولی رئاسة هذا الاجتماع اثنان من کبار مراجع التقلید ، الذان لهم تاريخ طویل في البحث وكتابة الآثار الکلامیة والقانونية والتاريخية الهامة - أي الآيات العظام مکارم الشیرازي والسبحاني - وهذا بحد ذاته یشیر إلی مستوی مکانة وبالتالي تأثير هذا الاجتماع الذي حضره علماء الإسلام .
ولكن بصرف النظر عن هذا الأمر ، فإن موضوع التکفیر والإرهاب له أهمية كبيرة للعالم الإسلامي ، لأن هذین الأمرین الذین هما أمر واحد في الأساس ، يسعیان إلی طمس التراث الإسلامي الغني بالإضافة إلى السیطرة علی المواقع الحساسة الحالیة للعالم الإسلامي وجعلها لقمة سهلة سائغة للاستكبار العالمي. وهنالك جانب آخر لهذا الاجتماع العالمي لعلماء الإسلام یمنحنه الأهمیة ، ألا وهو أن هذا الاجتماع یناقش معضلة هامة للعالم الإسلامي . وبهذا الخصوص نقول :
1 - إن التكفير والإرهاب هما ردة فعل یائسة من قبل أعداء الإسلام حیال التقدم المدهش والمثير للإعجاب الذي حققه العالم الإسلامي بشکل عام وجبهة المقاومة بشکل خاص ، وبالتالي لا یتمتع بجذور قوية وفروع سميكة ، ولهذه الأسباب بالضبط – وکما تفضل سماحة قائد الثورة الإسلامية المعظم في مرقد الإمام الخمیني في يونيو الماضي – لا یمکن أن یتم اعتبارهما القضية الرئيسية للعالم الإسلامي.
تقدم العالم الإسلامي وجبهة المقاومة كان مدهشاً في السنوات الأخيرة ، وقد أوجد الکثیر من الخوف لأمريكا وعملائها في المنطقة ؛ لاحظوا هاتین الحالتين : 1- في عام 2003 تعرض العراق للاحتلال الأمريكي ، وفي عام 2005 أي في غضون عامين حصل على دولة مستقلة ونهجاً مناهضاً للولايات المتحدة یتلاقى مع جمهورية إيران الإسلامية ، وخلال 4 سنوات أجبر أمريكا على إبرام اتفاقية الانسحاب من هذا البلد .
هذا هو حدث عظيم ولا یدخل في أي حسابات ، ومازال هذا السؤال الأساسي ماثلاً أمام أبرز المراقبين السياسيين والاستخباراتیین في العالم ، أنه کیف استطاعت إيران أن تحوّل بلداً عدواً إلی بلد صدیق ، وبلداً محتلاً إلی بلد حر طلیق ، دون أن تتحمل تکلفة في هذا الطریق أو تتکبد خسائر ؟
2 – حرکة أنصارالله الیمنیة التي بدأت حرکتها الثوریة منذ 2003 مع عدد قلیل جداً لم یتجاوز أكثر من بضع مئات ، وفي عام 2009 تحولت إلی أهم قوة اجتماعية وسياسية وعسكرية في اليمن ، بحيث تغلبت خلال الحرب الأخيرة - الحرب السادسة – التي بدأت من أواخر أغسطس حتی منتصف فبراير 2009 ، علی جيوش اليمن والسعودية والأردن .
واليوم هذه المجموعة التي کانت تدعی في السابق الحوثيون – قریة في جنوب صعدة – لها الملايين من الزيديین والملايين من الشافعية الذین یدعمونها في اليمن ، وأصبحت التيار الاجتماعي الأکثر نفوذاً في هذا البلد . والیوم لدی هذه المجموعة أکثر من 10 ملایین أتباع علی الأقل من الشيعة في اليمن ، ویصل عدد قواتها النظامية والمدربة والمجهزة إلی عشرات الآلاف .
هذا في حین أن الحوثيين وخلال فترة انتفاضتهم - 2003 إلى 2014- لم یهاجموا المدنيين في اليمن ولم یتعرضوا بسوء إلی مملتکاتهم ، وقد حققوا کل هذه الانتصارات عبر ثورة شعبية وسلمية . وقد أثارت التطورات في اليمن مفاجأة كبيرة ، وأوجدت قلقاً کبیراً لنظام آل سعود علی وجه التحدید ، بحیث قال أحد كبار المسؤولين السعوديين في لقاء مع أمير دولة الكويت قبل نحو شهر : "إن إيران أوجدت حزب الله في لبنان لكبح جماح إسرائيل ، وأنشأت الحركة الزيدية في اليمن لكبح جماح المملكة العربية السعودية » .
من الواضح تماماً مدی قلق النظام الغربي والأنظمة المرتبطة به إزاء التطورات الراهنة في المنطقة ، وهم یبحثون الآن عن حل لهذه العملية یحوي أبعاداً سياسية واجتماعية وأمنية لیکون قادراً علی السیطرة وإبطاء نجاحات جبهة المقاومة ؛ وداعش في الواقع نتاج علاج منفعل وسلبي بهذا الصدد .
2 – أحد أهداف إنشاء المجموعات ذات الطابع التکفیري هو إشغال العلماء ومفکري العالم الإسلامي بالبحث عن سم وتریاق التکفیر . ورغم أن ظاهرة التکفیر – کما سبق شرح ذلك في ملاحظة سابقة – ظاهرة غیرإسلامیة ونابعة من الأفكار المسيحية المتأخرة ، ولکنها تحولت إلی موضوع دیني ، ولهذا السبب یستهدف التکفیر الدیني بالدرجة الأولی علماء المذاهب ، وهنا لا یفرق بین علماء الشیعة والسنة ، بل إن علماء السنة هم الأکثر استهدافاً من قبل تکفیر الجماعات الإرهابية ؛ - لأن منشأ الحرکات التكفيریة هو المجتمعات السنية ، وعلماء أهل السنة في المجتمعات السنية هم الذين يمكنهم أن یلعبوا دوراً رادعاً في هذا المجال ولیس علماء الشيعة . وبهذا الصدد نضرب مثالاً لتبیین الموضوع
اولا - قتل داعش في الموصل 6 من علماء اهل السنة بسبب عدم مبايعتهم للتنظيم .
ثانيا في سوریا یعدّ «العلامة الشیخ سعید رمضان البوطي» أحد أکبر علماء الحنفیة ، وأستاذ أساتذة علماء السنة في الشام ، وله أکثر من أربعین کتاباً في المجالات الدینیة ، کما کان بارعاً أیضاً في العلوم الأخری ولهذا السبب کان یدعی «العلامة» ؛ وکان یتمتع بنفوذ کبیر بین المتدینین السنة في الشام . لکن هذا العالم الکبیر قد استشهد - بسبب مواقفه الحكيمة امام التنظيمات المسلحة التكفيرية التي تحارب نظام المقاومة في سوريا ولبنان وتعريته بانهم في خدمة الاستكبار العالمي - عندما کان یصلي في جامع دمشق ومعه حوالي أربعین من تلامذته ومحبیه .
والذي استهدف هذا العالم الکبیر ومرافقیه من خلال قنبلة ، کان شاباً في 19 من عمره ومن تلامذة هذا العالم ، قد خدعته جبهة النصرة . وقد قال خلال استجوابه : « أنا لم أر من الشیخ رمضان البوطي إلا خیراً ولکن مصلحتنا کانت تقتضي تصفیته » .
إن التکفیر یستهدف العلماء القيمین الذین هم ورثة التراث الدیني الأصیل ، حتی تتمهد الأرضیة لقبول نظام غیردیني یتطابق مع معاییر المنظمات الاستخباراتیة التي صممت هذه الحرکات التکفیریة .
ولهذا السبب ، علی علماء العالم الإسلامي في هذا الزمان ، وفقاً للتعاليم الدينية التي تقول : « عندما تظهر الفتن ومعرفة الحق من الباطل تصبح صعبة للذین لا حظ لهم من العلم ، فعلی العلماء أن ینهضوا ویمیطوا اللثام عن الحقائق لیراها الناس جلیة ، وإن لم یفعلوا ذلك ، فإن لعنة الله علیهم » ، فعلی العلماء أن یحضروا في الساحة .
وعلی هؤلاء العلماء بالدرجة الأولی أن یعرّفوا للناس الأعداء الرئيسيین للإسلام والمسلمين الذین هم السبب الرئیسي في إیجاد المجموعات التکفیریة ، ویضعونهم في مرکز استهدافهم . وفي غیر هذه الحالة ، وعلی افتراض أن محاربة مجموعات مثل داعش ستحقق النجاح ، ولکن المعالجة ستکون للمعلول ولیس لأساس علة مشاکل العالم الإسلامي .
ومن ناحية أخرى ، علی العلماء أن یستخدموا في هذا القتال الطرق الأکثر تأثيراً في الدعاية ، والطریق الأهم في هذا المجال هو إرساء محاربة أمريكا والغرب ، والکشف عن الخط الأمريكي في بلدانهم . ألم تعزز أمیرکا تنظیم داعش لتتحول کراهیة العالم الإسلامي تجاه أمیرکا إلی کراهیة العالم الإسلامي تجاه داعش . إذن ، بناءً علی قاعدة « رُدّ الحجر من حیث جاء » ، فإن طريق التصدي للإرهاب وداعش هو محاربة أمريكا .
3 – ظهر داعش وأخواته لیفوت الفرصة أمام المسلمین ، الفرصة التي ارتبطت بحرکتهم النضالیة الممتدة لمائة عام – أي الفکر الإسلامي - ، ومهمة داعش هي تحویل اتصال «الشریعة» بـ«مصلحة المسلمین» الذین اتحدتا من خلال الثورة الإسلامیة وأنتجتا ولایة الفقیة ، تحویل اتصالهما إلی افتراق ، ذلك أن اتصال الفقه بالمصلحة في الواقع هو السر الرئيسي لإدارة التطورات لصالح الإسلام وعلى حساب جبهة الکفر .
وسر نجاحات الثورة الإسلامية خلال 35 عاماً والنظام الناجم عنها ، هو اتصال السنن الشرعیة – الفقه – بالسنن العقلیة – المصلحة - ، والطريق النظري لنجاح العدو في محاربة الثورة الإسلامية هو النجاح في هذه الساحة الأيديولوجية ، أي فصل الشریعة من الإدارة .
وتأکید داعش بشکل متطرف وباعث علی الكراهية والنفور ، علی تطبيق أحکام مزیفة باسم الأحکام الشرعیة ضد أناس أبریاء وعزل ، یهدف في الواقع إلى تحویل مرافقة الشريعة للإدارة إلی أمر غير مبرر .کما أن مكافحة النزعة العقلیة ونفي "الطابع الحضاري " للمسلمین ، ونفي نماذج مثل حجر بن عدي ، سببها أن جبهة المقاومة والثورة الإسلامیة من خلال الاعتماد علی النماذج التطبيقیة وبالاستناد إلی التراث العلمي والمدني للعالم الإسلامي ، قد أظهرت للجمیع إعادة ظهور الحضارة الإسلامية .
والقضية الهامة الأخرى هي الصراع مع الغرب والصهيونية . فقد عرّفت جبهة المقاومة نفسها إلی العالم بهذا الشعار ، وبثت الأمل في کافة المجتمعات الإسلامية بهذا الشعار أیضاً . والیوم ظهرت الكراهية للغرب في العالم الإسلامي بشكل بارز . وفي هذه الأثناء أهل السنة والجماعة يكرهون الغرب أکثر من الشیعة ، لأن المجتمعات السنية وعلى مدى السنوات ال 200 الماضية ، من دلهي إلى الدار البيضاء ، قد ذاقت الطعم المر للاحتلال والهيمنة وفرض أنظمة تابعة للغرب أكثر من الشيعة ، وتضررت جراء ذلك أکثر من غیرها .
فالشعب الباكستاني قد جرب الاحتلال البريطاني علی أرضه منذ عام 1820- إلی 1947، أي 127 عاماً ، وجرب الفلسطينيون أیضاً احتلال أرضهم من قبل البريطانيين منذ عام 1820- إلی 1948 ، وجربوا من عام 1948 إلى اليوم احتلالاً إجرامیاً زرعته بریطانیا ، ویوجد هذا الأمر من نوع مختلف في سوريا والعراق ولبنان وليبيا والجزائر وغيرها.
إذن أمیرکا تعلم جیداً ماذا یدور في قلب کل مسلم تجاه الغرب، ولهذا السبب تجبر داعش علی ارتکاب جرائم مهولة، تجعل المخاطب السني المظلوم یقول: « ألف رحمة علی أمیرکا وبریطانیا »!.
ولکن هذه المرة أیضاً أمیرکا لم تحقق أهدافها ولن تحققها ، لانها تعلم أن المسلمین یعتبرون داعش نتاج الاستنتاجات الاستخباراتیة لأمريكا وبريطانيا ، ونتاج الدعم الترکي والسعودي الکبیر باعتبار البلدین الذراع التشغيلي للمنظمات الأمريكیة والبريطانية ، وتزداد کراهیتهم تجاه الغرب.
ولكن بصرف النظر عن هذا الأمر ، فإن موضوع التکفیر والإرهاب له أهمية كبيرة للعالم الإسلامي ، لأن هذین الأمرین الذین هما أمر واحد في الأساس ، يسعیان إلی طمس التراث الإسلامي الغني بالإضافة إلى السیطرة علی المواقع الحساسة الحالیة للعالم الإسلامي وجعلها لقمة سهلة سائغة للاستكبار العالمي. وهنالك جانب آخر لهذا الاجتماع العالمي لعلماء الإسلام یمنحنه الأهمیة ، ألا وهو أن هذا الاجتماع یناقش معضلة هامة للعالم الإسلامي . وبهذا الخصوص نقول :
1 - إن التكفير والإرهاب هما ردة فعل یائسة من قبل أعداء الإسلام حیال التقدم المدهش والمثير للإعجاب الذي حققه العالم الإسلامي بشکل عام وجبهة المقاومة بشکل خاص ، وبالتالي لا یتمتع بجذور قوية وفروع سميكة ، ولهذه الأسباب بالضبط – وکما تفضل سماحة قائد الثورة الإسلامية المعظم في مرقد الإمام الخمیني في يونيو الماضي – لا یمکن أن یتم اعتبارهما القضية الرئيسية للعالم الإسلامي.
تقدم العالم الإسلامي وجبهة المقاومة كان مدهشاً في السنوات الأخيرة ، وقد أوجد الکثیر من الخوف لأمريكا وعملائها في المنطقة ؛ لاحظوا هاتین الحالتين : 1- في عام 2003 تعرض العراق للاحتلال الأمريكي ، وفي عام 2005 أي في غضون عامين حصل على دولة مستقلة ونهجاً مناهضاً للولايات المتحدة یتلاقى مع جمهورية إيران الإسلامية ، وخلال 4 سنوات أجبر أمريكا على إبرام اتفاقية الانسحاب من هذا البلد .
هذا هو حدث عظيم ولا یدخل في أي حسابات ، ومازال هذا السؤال الأساسي ماثلاً أمام أبرز المراقبين السياسيين والاستخباراتیین في العالم ، أنه کیف استطاعت إيران أن تحوّل بلداً عدواً إلی بلد صدیق ، وبلداً محتلاً إلی بلد حر طلیق ، دون أن تتحمل تکلفة في هذا الطریق أو تتکبد خسائر ؟
2 – حرکة أنصارالله الیمنیة التي بدأت حرکتها الثوریة منذ 2003 مع عدد قلیل جداً لم یتجاوز أكثر من بضع مئات ، وفي عام 2009 تحولت إلی أهم قوة اجتماعية وسياسية وعسكرية في اليمن ، بحيث تغلبت خلال الحرب الأخيرة - الحرب السادسة – التي بدأت من أواخر أغسطس حتی منتصف فبراير 2009 ، علی جيوش اليمن والسعودية والأردن .
واليوم هذه المجموعة التي کانت تدعی في السابق الحوثيون – قریة في جنوب صعدة – لها الملايين من الزيديین والملايين من الشافعية الذین یدعمونها في اليمن ، وأصبحت التيار الاجتماعي الأکثر نفوذاً في هذا البلد . والیوم لدی هذه المجموعة أکثر من 10 ملایین أتباع علی الأقل من الشيعة في اليمن ، ویصل عدد قواتها النظامية والمدربة والمجهزة إلی عشرات الآلاف .
هذا في حین أن الحوثيين وخلال فترة انتفاضتهم - 2003 إلى 2014- لم یهاجموا المدنيين في اليمن ولم یتعرضوا بسوء إلی مملتکاتهم ، وقد حققوا کل هذه الانتصارات عبر ثورة شعبية وسلمية . وقد أثارت التطورات في اليمن مفاجأة كبيرة ، وأوجدت قلقاً کبیراً لنظام آل سعود علی وجه التحدید ، بحیث قال أحد كبار المسؤولين السعوديين في لقاء مع أمير دولة الكويت قبل نحو شهر : "إن إيران أوجدت حزب الله في لبنان لكبح جماح إسرائيل ، وأنشأت الحركة الزيدية في اليمن لكبح جماح المملكة العربية السعودية » .
من الواضح تماماً مدی قلق النظام الغربي والأنظمة المرتبطة به إزاء التطورات الراهنة في المنطقة ، وهم یبحثون الآن عن حل لهذه العملية یحوي أبعاداً سياسية واجتماعية وأمنية لیکون قادراً علی السیطرة وإبطاء نجاحات جبهة المقاومة ؛ وداعش في الواقع نتاج علاج منفعل وسلبي بهذا الصدد .
2 – أحد أهداف إنشاء المجموعات ذات الطابع التکفیري هو إشغال العلماء ومفکري العالم الإسلامي بالبحث عن سم وتریاق التکفیر . ورغم أن ظاهرة التکفیر – کما سبق شرح ذلك في ملاحظة سابقة – ظاهرة غیرإسلامیة ونابعة من الأفكار المسيحية المتأخرة ، ولکنها تحولت إلی موضوع دیني ، ولهذا السبب یستهدف التکفیر الدیني بالدرجة الأولی علماء المذاهب ، وهنا لا یفرق بین علماء الشیعة والسنة ، بل إن علماء السنة هم الأکثر استهدافاً من قبل تکفیر الجماعات الإرهابية ؛ - لأن منشأ الحرکات التكفيریة هو المجتمعات السنية ، وعلماء أهل السنة في المجتمعات السنية هم الذين يمكنهم أن یلعبوا دوراً رادعاً في هذا المجال ولیس علماء الشيعة . وبهذا الصدد نضرب مثالاً لتبیین الموضوع
اولا - قتل داعش في الموصل 6 من علماء اهل السنة بسبب عدم مبايعتهم للتنظيم .
ثانيا في سوریا یعدّ «العلامة الشیخ سعید رمضان البوطي» أحد أکبر علماء الحنفیة ، وأستاذ أساتذة علماء السنة في الشام ، وله أکثر من أربعین کتاباً في المجالات الدینیة ، کما کان بارعاً أیضاً في العلوم الأخری ولهذا السبب کان یدعی «العلامة» ؛ وکان یتمتع بنفوذ کبیر بین المتدینین السنة في الشام . لکن هذا العالم الکبیر قد استشهد - بسبب مواقفه الحكيمة امام التنظيمات المسلحة التكفيرية التي تحارب نظام المقاومة في سوريا ولبنان وتعريته بانهم في خدمة الاستكبار العالمي - عندما کان یصلي في جامع دمشق ومعه حوالي أربعین من تلامذته ومحبیه .
والذي استهدف هذا العالم الکبیر ومرافقیه من خلال قنبلة ، کان شاباً في 19 من عمره ومن تلامذة هذا العالم ، قد خدعته جبهة النصرة . وقد قال خلال استجوابه : « أنا لم أر من الشیخ رمضان البوطي إلا خیراً ولکن مصلحتنا کانت تقتضي تصفیته » .
إن التکفیر یستهدف العلماء القيمین الذین هم ورثة التراث الدیني الأصیل ، حتی تتمهد الأرضیة لقبول نظام غیردیني یتطابق مع معاییر المنظمات الاستخباراتیة التي صممت هذه الحرکات التکفیریة .
ولهذا السبب ، علی علماء العالم الإسلامي في هذا الزمان ، وفقاً للتعاليم الدينية التي تقول : « عندما تظهر الفتن ومعرفة الحق من الباطل تصبح صعبة للذین لا حظ لهم من العلم ، فعلی العلماء أن ینهضوا ویمیطوا اللثام عن الحقائق لیراها الناس جلیة ، وإن لم یفعلوا ذلك ، فإن لعنة الله علیهم » ، فعلی العلماء أن یحضروا في الساحة .
وعلی هؤلاء العلماء بالدرجة الأولی أن یعرّفوا للناس الأعداء الرئيسيین للإسلام والمسلمين الذین هم السبب الرئیسي في إیجاد المجموعات التکفیریة ، ویضعونهم في مرکز استهدافهم . وفي غیر هذه الحالة ، وعلی افتراض أن محاربة مجموعات مثل داعش ستحقق النجاح ، ولکن المعالجة ستکون للمعلول ولیس لأساس علة مشاکل العالم الإسلامي .
ومن ناحية أخرى ، علی العلماء أن یستخدموا في هذا القتال الطرق الأکثر تأثيراً في الدعاية ، والطریق الأهم في هذا المجال هو إرساء محاربة أمريكا والغرب ، والکشف عن الخط الأمريكي في بلدانهم . ألم تعزز أمیرکا تنظیم داعش لتتحول کراهیة العالم الإسلامي تجاه أمیرکا إلی کراهیة العالم الإسلامي تجاه داعش . إذن ، بناءً علی قاعدة « رُدّ الحجر من حیث جاء » ، فإن طريق التصدي للإرهاب وداعش هو محاربة أمريكا .
3 – ظهر داعش وأخواته لیفوت الفرصة أمام المسلمین ، الفرصة التي ارتبطت بحرکتهم النضالیة الممتدة لمائة عام – أي الفکر الإسلامي - ، ومهمة داعش هي تحویل اتصال «الشریعة» بـ«مصلحة المسلمین» الذین اتحدتا من خلال الثورة الإسلامیة وأنتجتا ولایة الفقیة ، تحویل اتصالهما إلی افتراق ، ذلك أن اتصال الفقه بالمصلحة في الواقع هو السر الرئيسي لإدارة التطورات لصالح الإسلام وعلى حساب جبهة الکفر .
وسر نجاحات الثورة الإسلامية خلال 35 عاماً والنظام الناجم عنها ، هو اتصال السنن الشرعیة – الفقه – بالسنن العقلیة – المصلحة - ، والطريق النظري لنجاح العدو في محاربة الثورة الإسلامية هو النجاح في هذه الساحة الأيديولوجية ، أي فصل الشریعة من الإدارة .
وتأکید داعش بشکل متطرف وباعث علی الكراهية والنفور ، علی تطبيق أحکام مزیفة باسم الأحکام الشرعیة ضد أناس أبریاء وعزل ، یهدف في الواقع إلى تحویل مرافقة الشريعة للإدارة إلی أمر غير مبرر .کما أن مكافحة النزعة العقلیة ونفي "الطابع الحضاري " للمسلمین ، ونفي نماذج مثل حجر بن عدي ، سببها أن جبهة المقاومة والثورة الإسلامیة من خلال الاعتماد علی النماذج التطبيقیة وبالاستناد إلی التراث العلمي والمدني للعالم الإسلامي ، قد أظهرت للجمیع إعادة ظهور الحضارة الإسلامية .
والقضية الهامة الأخرى هي الصراع مع الغرب والصهيونية . فقد عرّفت جبهة المقاومة نفسها إلی العالم بهذا الشعار ، وبثت الأمل في کافة المجتمعات الإسلامية بهذا الشعار أیضاً . والیوم ظهرت الكراهية للغرب في العالم الإسلامي بشكل بارز . وفي هذه الأثناء أهل السنة والجماعة يكرهون الغرب أکثر من الشیعة ، لأن المجتمعات السنية وعلى مدى السنوات ال 200 الماضية ، من دلهي إلى الدار البيضاء ، قد ذاقت الطعم المر للاحتلال والهيمنة وفرض أنظمة تابعة للغرب أكثر من الشيعة ، وتضررت جراء ذلك أکثر من غیرها .
فالشعب الباكستاني قد جرب الاحتلال البريطاني علی أرضه منذ عام 1820- إلی 1947، أي 127 عاماً ، وجرب الفلسطينيون أیضاً احتلال أرضهم من قبل البريطانيين منذ عام 1820- إلی 1948 ، وجربوا من عام 1948 إلى اليوم احتلالاً إجرامیاً زرعته بریطانیا ، ویوجد هذا الأمر من نوع مختلف في سوريا والعراق ولبنان وليبيا والجزائر وغيرها.
إذن أمیرکا تعلم جیداً ماذا یدور في قلب کل مسلم تجاه الغرب، ولهذا السبب تجبر داعش علی ارتکاب جرائم مهولة، تجعل المخاطب السني المظلوم یقول: « ألف رحمة علی أمیرکا وبریطانیا »!.
ولکن هذه المرة أیضاً أمیرکا لم تحقق أهدافها ولن تحققها ، لانها تعلم أن المسلمین یعتبرون داعش نتاج الاستنتاجات الاستخباراتیة لأمريكا وبريطانيا ، ونتاج الدعم الترکي والسعودي الکبیر باعتبار البلدین الذراع التشغيلي للمنظمات الأمريكیة والبريطانية ، وتزداد کراهیتهم تجاه الغرب.
