الوقت - منذ عام تقریباً وقد اصبحت "داعش " مالئ الدنیا وشاغل الناس، الكل یتحدث عن "داعش " وجذور "داعش " وأهداف "داعش " ومن یدعم "داعش " ومن یهدد "داعش " ...ولعل سلوك هذا التنظیم الفكري والاعلامي والعسكري والسیاسي والمواقف الاقلیمیة والدولیة ازاءه هو الذي زاد من التخبط في تقییمه لدی البعض وبیان حقیقته.. لذلك أجد من الضروري التأكید علی بعض النقاط التي تمیط اللثام عن الوضع القائم ولربما مستقبله في ضوء ما یحشد له الغرب من عسكر وأمن وسیاسات تحت مظلة الحرب مع هذا التنظیم الذي یجمع الكل علی انه ارهابي..!
1. لا یشك أحد في ان خطاب "داعش " الفكري والعقدي یقوم علی القراءة الوهابیة السلفیة التي تغذیها وتدعمها اتجاهات معروفة في عالمنا الاسلامي وان اختلفت مع "داعش " في الاستهداف والاولویات.. فهذه القراءة من مختصات جزیرة العرب و"نجدها" بالتحدید، وتستند الیها في النظرة الی المسلمین وغیر المسلمین والتي محورها "التكفیر" و"الابادة" بشتی مصادیقها وطرقها وأسالیبها، وبالتالي هي في جزء كبیر وأساسي منها تمثل سیاستها في محاربة الآخرین (مسلمین وغیر مسلمین) ممن یختلفون معها في الفكر والموقف والنظرة الی الأنا والآخر.
2. بدأت "داعش " من حیث انتهی التكفیریون الآخرون في العراق وسوریا وقبل ذلك أفغانستان وباكستان.. فهي استمرار للتنظیمات والكیانات التي ظهرت مع الدعم الأميركي، الغربي - الخلیجي لما عرف بالمجاهدین الأفغان في مواجهة الغزو الروسي.. والذي تحول الی فیلق متنقل یبرر للغرب والأميركیین علی وجه التحدید تدخلهم وغزوهم وتواجدهم العسكري في أي نقطة يريدون استهدافها من عالمنا الاسلامي.. هذا الكیان الارهابي كان حتی الأمس القریب یمثل "الثوار" بالنسبة لبعض القوی الاقلیمیة والدولیة ضد أنظمة معینة لم ترض عنها الادارة الأميركیة وشكلت تحدیا بالنسبة للكیان الصهیوني..
قد تكون بعض هذه القوی الاقلیمیة تدعم "داعش " بشكل مباشر او غیر مباشر اليوم ايضاً، رغم خطابها الاعلامي المنافق في "محاربته" والأمر لیس جدیداً علی الغرب وحلفاءه فلطالما تغنوا بالدیمقراطیة ودعموا الانظمة الدكتاتوریة وعمراً قالوا نحارب الارهاب وهم من یدعمه!
3. محاربة "داعش " لا تحتاج لكل هذه المسرحیات والجعجعة والفرقعة والمظاهرات السیاسیة والنفخ الاعلامي، بل الی افعال وخطوات ذكیة تحاصره اولاً باغلاق منافذ تمویله بالمال والعدید والسلاح.. فلماذا العقوبات علی ایران مثلاً تكون ذكیة فیما استراتیجیة محاربة "داعش " غبیة الی هذا الحدّ؟!
وأین تجفیف مصادر الارهاب في حین ان حلفاء أميركا یبیعون نفط "داعش " ویسهلون عملیات التجنید التي یقوم بها، بل ویشاركون فیها ايضاً.
4. هناك تناغم كبیر في الاستراتیجیات العامة التي یتبعها "داعش " وما هو مطروح أميركیاً وغربیاً، من صراع الحضارات واخلاء الشرق من التنوع الدیني والمذهبي والحرب الصلیبیة واستهداف محور المقاومة واشغال القوی الثوریة في العالمین العربي والاسلامي بالصراعات الجانبیة وترك القضیة الفلسطینیة والكیان الصهیوني للتمادي في سیاسة التهوید وفرض الأمر الواقع، والاصطفاف المذهبي والتفرقة بین المسلمین والترهيب من أجل بيع السلاح وتشغيل مصانع الحرب...
5. تظهر "داعش " مؤخراً تقنیات وامكانیات كبیرة في خطابها الاعلامي، هذا الخطاب الذي تساعد تقنیات الغرب في البث الفضائي والفضاء السایبیري علی انتشاره، دون أن تحاصره وتقف دون نشره.. فهل نحتاج الی الكثیر من التحلیلات والتاملات لنعرف ان الاعلام الغربي والعربي (الرجعي) كان العامل الاساس - ولایزال - في نشر الخطاب الاعلامي للدواعش والاتجاهات المؤیدة لهم.. وهل ننسى كيف يحاصر الغرب الخطاب الاعلامي المقاوم رغم فقدانه اية مبررات قانونية وحجج مشروعة في ذلك...
6. "داعش " ولید فكر لا یناهض الاستبداد، بل هو من صلب نظریة الطاعة لولي الامر ولو كان كافراً، ولو جلد ظهرك بالسوط.. فكر یری في خروج الامام الحسین (ع) الذي یجمع المسلمون بنص حدیث النبي (صلی الله علیه وآله) انه امام وانه ریحانة رسول الله وانه أحد سیدي شباب أهل الجنة وهو واحد خمسة یشكلون مصداق أهل البيت (عليهم السلام)، يرون في ثورته على يزيد خروجاً على "امام زمانه"!!
فمن الغريب ربط ظهوره بوجود أنظمة "استبدادية" واسقاطه لابد أن يتم من خلال اسقاطها وفقاً للرؤية التركية ـ القطرية ـ السعودية (الاميركية ـ الغربية في الحقيقة).. ثم من هو غير المستبد؟ نظام آل سعود أم نظام آل خليفة وسائر الشقيقات الخليجيات والملكيات العربية؟!
فأذا كانت "الدكتاتورية" سيئة لهذا الحد.. لماذا لا تحاربها أميركا في السعودية والاردن والبحرين والمغرب والامارات وقطر و...الخ، ولماذا لا تقاتلها "داعش" الممتدة عبر البيعات السلفية في جميع هذه البلدان.. لماذا تستهدف سوريا فقط ان صح زعمهم؟!
ان "داعش" ومن خلال الصورة التي يقدمها الاعلام الغربي والعربي، هو ما يريده له الغرب وما تريده منه وتوظفه له أميركا و"اسرائيل".. هكذا يريدون، صورة غاية في السوء عن المسلمين، تخلف وهمجية وبربرية ووحشية.. صورة تفرض على ذهن من يشاهدها التفوق القيمي والحضاري الغربي وبالتالي يكون النموذج العلماني هو الأمثل في الحياة والتنمية والتعايش.. مشروع قطيعة المسلمين مع ماضيهم والالتصاق بحياة ومثل وقيم ستار أكادمي وعرب ايدول.. وتكريس لاسقاط الاسلام السياسي الذي أصبح بفضل القاعدة والنصرة ودولة الخلافة البغدادية والمشروع "النهضوي" القرضاوي السئ الصيت وتصرفات حزب "النور" السلفي يمثل انتكاسة الاسلام السياسي في عقلية الشارع الاسلامي.. هذا الهروب او التهرب الذي نراه اليوم من الاسلام السياسي الذي تجده بين بعض النخب الاسلامية السياسية السابقة ايضاً!!
يريدون عالماً اسلامياً بدون مسلمين حقيقيين اصحاب مشروع نهضوي سياسي وتنموي، عالم من الاتباع يرددون ما يوحى اليهم عبر برنارد هنري ليفي وهيلاري كلنتون وجون كيري وامثالهم من البيت الابيض وتل أبيب، في عملية جلد للذات تاريخية لم يمر المسلمون بمثلها على مدى تاريخهم.. جلد وليس نقد بناء للذات.
يريدون اخلاء مجتمعاتهم من متطرفيهم واصحاب العقد النفسية لديهم ليتحولوا الى مشاريع انتحارية وعبوات متفجرة لدينا، تدمر الشجر والحجر والانسان والتاريخ والدولة والنفوس معاً.. ليأتي بعدها سحرتهم وأبالستهم فيعمروا ما هدمه مجانينهم وفق اجندات هم يرونها.. وهكذا دواليك نبقى يدمروننا ويبنوننا، الى حين أن يرث الله الأرض ومن عليها!
بقلم: علاء الرضائي