الوقت – تظهر التطورات الجارية في منطقة الشرق الاوسط التي تضربها الفوضى ان التوتر الموجود بين الرياض وطهران قد اثر على مختلف الصعد الداخلية والاقليمية والدولية وادى الى حدوث اصطفافات بين اللاعبين الاقليميين ومنها التقارب الحاصل الان بين تركيا والسعودية، فالزيارات المتعددة لاردوغان وباقي المسؤولين الاتراك الى السعودية ووجود مواقف مشتركة بين البلدين تجاه سوريا واليمن وموقف "اردوغان" من ردة فعل ايران ازاء استشهاد "آية الله نمر باقر النمر" وكذلك الخوف من رفع العقوبات المفروضة على ايران هي قضايا دفعت المحللين الى القول بان هناك الان حلف سعودي تركي وربما ينضم اليه الكيان الاسرائيلي ايضا لتشكيل مثلث معادي لايران.
لكن هناك سؤال يطرح الان وهو هل يمكن القول ان التقارب السعودي التركي هو امر جدي وهل يمكن ان نتوقع تشكيل حلف بما يعني ذلك في ادبيات السياسة؟ وللاجابة على هذا السؤال ينبغي علينا ان ننظر الى منطق وطبيعة السياسات الخارجية للسعودية وتركيا وكذلك الى الاوضاع الجارية الان في الشرق الاوسط لنكتشف ان الاجابة هي "سلبية".
ان الإمعان في خطابات المسؤولين السعوديين والاتراك يظهر انه رغم سلوك مسؤولي البلدين طريق الاقتراب من بعضهم البعض لكن هذا الطريق يؤدي قريبا الى مفترق طرق يبعد الاتراك عن السعوديين لأن قراءة الاتراك عن الاسلام هي قراءة "اخوانية" ولايمكنها ان تقترب اكثر من هذا من الفكر الوهابي السائد في السعودية. ان الفكر الاخواني والفكر الوهابي كانا على مر التاريخ على طرفي نقيض وان التاريخ مليء بالمواجهة بين هذين النمطين من التفكير في المنعطفات التاريخية والمثال على ذلك هي الثورات العربية التي بدأت في عام 2011 في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، ففي الوقت التي كانت السعودية تحاول ابعاد نيران هذه الثورات عن حدودها وحدود الدول المجاورة لها كانت تركيا تدعم الاضطرابات من اجل ايصال الاخوانيين الى الحكم في الدول العربية ولذلك شهدنا قمع ثورة الشعب البحريني على يد الجيش السعودي ورأينا دعم تركيا للاخوانيين في مصر وتونس.
وهناك مثال آخر على هذه الخلافات بين تركيا والسعودية وهو الخلاف على الاحداث التي جرت في مصر والانقلاب الذي نفذه السيسي لتنحية "محمد مرسي" وقد ذهب "اردوغان" في ذلك الوقت الى ابعد الحدود في ادانته للانقلاب وانتقد بشدة الانقلابيين وحماتهم مطالبا بعودة "مرسي" الى السلطة لكن الجهاز الدبلوماسي السعودي رحب بسرعة بما قام به "السيسي" وبعد ذلك باشرت السعودية بتقديم الدعم المالي لحكومة "السيسي".
ان هذه القضية التي شكلت تعارضا بين المنطقين السعودي والتركي كان مشهودا ايضا في القضايا الاخرى مثل الازمة السورية لأن تركيا تدعم الاخوانيين في سوريا فيما تدعم السعودية الجماعات الوهابية التكفيرية ولذلك من المتوقع ان نشهد قريبا اندلاع خلاف تركي سعودي حول سوريا.
وتظهر وتیرة الاحداث الجارية في المنطقة ان الحديث الدائر في هذه الايام عن التقارب بين تركيا والسعودية لن يصل الى مستوى التحالف بين البلدين بل ان الامر نابع عن النظرة الاقتصادية والمالية لحكومة "اردوغان" والاصطياد في المياه العكرة للعلاقات السعودية الايرانية كما ان السعودية من جانبها اختارت الوقوف الى جانب تركيا من اجل مواجهة ايران، وفي غير هذه الحالة فإن الخلافات بين هاتين الرؤيتين السعودية والتركية مرشحة للتفاقم الى حد المواجهة بين البلدين.