بدایة الأصولية الفكرية
خاص- الوقت- هذا التيار الفكري ذو المنهج الأصولي ، ینبع من فتاوى رجل دين کان یعیش قبل سبعة قرون ، إنه ليس سوى أحمد بن تيمية (661-728م). وعلى الرغم من انقضاء القرون المذکورة من عصر ابن تيمية ، فقد أصبحت آراء وفتاوى هذا الفقیه ، عامل التحفيز والتشجيع للنقاش والجدل بین الغالبية العظمى من علماء المسلمين . وعلى الرغم من أن محبي ومؤيدي هذا الفقیه یعدونه من زمرة من عملوا علی إحياء الدين ، فهو في نظر معارضيه یحمل الأفكار المتطرفة والمبالغ فیها ، ويتهمونه بنشر الأفكار الأصولية والإرهابية.
ابن تيمية الذي لقب بـ "شيخ الإسلام"، له تأثير عميق على تیار "الصحوة الإسلامية" في اتجاهاتها المختلفة ، حیث أحد هذه الاتجاهات هو هذا الاتجاه الجهادي السلفي الذي تعتبر منظمات مثل "القاعدة" و"داعش" من بين المنضمین إلیه أو الناشئین منه . هذا التیار الفكري يؤمن في الأساس بتقدم وغلبة النص على العقل .
لقد وجدت أفكار وآراء ابن تيمية ، بعد ستة قرون من وفاته، الفرصة لتولد من جدید في قالب معتقد "الوهابية" . وهو المعتقد الذي له الكثير من القواسم المشتركة مع الفکر السلفي ، حتى أن المشجعين والمؤمنين بهذا الفکر ، یعتبرون ابن تيمية الأب الروحي لتیار الوهابية .
تيار "الوهابية" الفكري والديني قد نضج استناداً إلى أن المسلمين وبعد وفاة ابن تيمية قد عاشوا في الجهل والغيّ لمدة ستة قرون ، وبالتالي إن ظهور محمد بن عبد الوهاب ، الذي یعتبره أتباعه المجدد وداعي الناس إلی الأفكار الصحيحة والأصلية ، قد أرسی الجهاد في مرکز الفكر الوهابي ، لتحقيق الرغبات والأحلام القدیمة ، أي انبعاث الإسلام في العصر الحديث ، باعتباره وسيلة لإقامة الدولة الإسلامية أو إعادة تأسیس الخلافة .
تشابه الیوم بالأمس
مع دراسة التاريخ الأولي لنشر فكرة "الوهابية" في بداية القرن التاسع عشر ، التشابه الأکثر بین الأيديولوجية المتعصبة لهذا التيار الفكري بعد ارتباطه بآل سعود ، نجده الیوم في الأصولية التي یتبناها تنظیم "داعش" .
ما یحدث الیوم في العراق وسورية من تدمير للمساجد والحسینیات والأضرحة المقدسة لدى الشيعة ، وإنشاء لمحاكم الشرع لتنفیذ الحدود وصدور أحكام الإعدامات الجماعية التي غالباً ما تكون عمياء ودون هدف ، یمکن أن نجده من الناحية التاريخية في نفس الإجراءات التي قام بها نظام آل سعود بين 1904 و 1925، حیث بادر وفقاً للفكر الوهابي إلی تدمير أضرحة أهل البیت (ع) وحتی قبور صحابة النبي محمد (ص) وتدمير المساجد وبیوت الأولیاء .
یقول أمين الریحاني في كتابه "تاريخ نجد الحديث وملحقاته" (ص: ۲۸و۲۹) : « من الأحداث الهامة التي جرت في هذا السياق ، هو أمر محمد عبد الوهاب بقطع شجرة "الذیب" في المنطقة "الجبیله" والتي کان الناس یتبرکون بها . ومنذ ذلك الحین ، بدأ أتباع وأنصار عبد الوهاب بهدم القباب والأضرحة المتعلقة بصحابة النبي محمد (ص)» .
أما الحدث الثاني الذي یری الریحاني بأنه كان أكثر إيلاماً من الأول ، هو دعوة مؤسس الوهابية برجم امرأة اتهمت بالزنا في الأماكن العامة . یقول الریحاني : "لقد تم رجم تلك المرأة الزانية ، ونشر النبأ سریعاً في المنطقة وغيرها من المدن ، وأدى ذلك إلی بث الرعب في قلوب المذنبات والمحصنات ، لذا بعض الناس صمتوا وبعض آخر أظهروا الصراخ والأنين".
ویتابع المؤلف أيضاً أن أمير منطقة "الأحساء" وفي رسالة للشيخ محمد عبد الوهاب ، یحذره من مثل هذه الأعمال ویدعوه إلى التوبة منها . وعبد الوهاب الذي كان يخشى علی حياته هاجر تلك المنطقة ، إلی أن قبله أمير منطقة "الدرعیة" محمد بن سعود ، وأدى هذا الالتقاء في النهاية إلى الاتفاق علی الجمع بین عقیدة الفقیه وسیادة الأمیر . وکان هذا الاتفاق ، بدایة عهد "الدين والسيف" ، حیث أدى إلى التقارب بين الوهابية والسعودية إلى یومنا هذا ، وينعكس الیوم جلیاً في الاتحاد بين كلمة التوحيد والسيف العاري .
وتنقل كتب التاريخ أن حرب آل سعود التي دعمها التیار "الوهابي" شرعاً ، قد خلفت سبعة آلاف قتیل ، وأدت في النهاية إلى إنشاء المملكة العربية السعودية التي جعل أمراءها الوهابية المتعصبة والمتطرفة ، الدين الرسمي للدولة التي رأت أن واجبها هو بناء القوانین الرسمیة وفق مبادئ الشريعة الإسلامية ، وهذا هو بالضبط ما یدعیه الآن تنظیم "داعش" ویسعی إلی انتشاره .
من ناحية أخرى، ومع مرور الوقت، تعثرت علاقة النظام السعودي بالوهابية ، بمعنى أن هذه الأيديولوجية الأصولية والمتطرفة غالباً ما تؤدي إلى ظهور بعض التيارات الفكریة في داخلها تتعارض وتتخاصم مع نظام آل سعود.
ولعل أبرز مثال في هذا الصدد ، هو المنظمة المعروفة باسم "القاعدة" التي تأسست علی ید أسامة بن لادن من خلال الإعلان عن عودة فكرة وشعار "الجهاد في أرض الإسلام".
عودة الفكر الجهادي
هذا النوع من الفكر التكفيري الجهادي الذي يسعى للعودة "إلى أرض الإسلام"، يعتبر هذه المرة ردة فعل ضد قمع الحرکات الإسلامية في مصر وسوريا في النصف الثاني من القرن العشرين . المجال الآخر لنمو هذا الفکر بين الجماعات المسلحة العربية ، هو دخولهم إلی جانب أمريكا في الحرب ضد الروس في أفغانستان . ولكن بعد أن انقلب هؤلاء علی أمريكا بعد احتلالها للعراق ، انتقل معهم هذا الفکر إلى العراق أیضاً .
في الحد الفاصل بین حركة أفغانستان إلی احتلال العراق علی ید القوات الأمريكية ، هذه الفكرة التي شاعت بشدة بين الشباب المتدين ، أدت إلى نمو التطرف والأصولية من أجل الإقناع والإرضاء الروحي والفكري لهذا الشباب المتدين. ومعظم هؤلاء الشباب الذين یشكلون مقاتلي القاعدة ، شکلوا اليوم أحد أقوى الجيوش غير النظامية فيما يسمى بـ "داعش" ویصبون الزیت علی نار الصراعات المحلية في العراق وسوريا .
والذي یشکل مصدر التغذية الفكرية وسبب الإقناع النفسي لهؤلاء الشباب ، هو نفس أحلامهم في إعادة الخلافة في الأراضي العربية وإقامة الدولة الإسلامية على الأرض بمساعدة السلاح والنار.
خاص- الوقت- هذا التيار الفكري ذو المنهج الأصولي ، ینبع من فتاوى رجل دين کان یعیش قبل سبعة قرون ، إنه ليس سوى أحمد بن تيمية (661-728م). وعلى الرغم من انقضاء القرون المذکورة من عصر ابن تيمية ، فقد أصبحت آراء وفتاوى هذا الفقیه ، عامل التحفيز والتشجيع للنقاش والجدل بین الغالبية العظمى من علماء المسلمين . وعلى الرغم من أن محبي ومؤيدي هذا الفقیه یعدونه من زمرة من عملوا علی إحياء الدين ، فهو في نظر معارضيه یحمل الأفكار المتطرفة والمبالغ فیها ، ويتهمونه بنشر الأفكار الأصولية والإرهابية.
ابن تيمية الذي لقب بـ "شيخ الإسلام"، له تأثير عميق على تیار "الصحوة الإسلامية" في اتجاهاتها المختلفة ، حیث أحد هذه الاتجاهات هو هذا الاتجاه الجهادي السلفي الذي تعتبر منظمات مثل "القاعدة" و"داعش" من بين المنضمین إلیه أو الناشئین منه . هذا التیار الفكري يؤمن في الأساس بتقدم وغلبة النص على العقل .
لقد وجدت أفكار وآراء ابن تيمية ، بعد ستة قرون من وفاته، الفرصة لتولد من جدید في قالب معتقد "الوهابية" . وهو المعتقد الذي له الكثير من القواسم المشتركة مع الفکر السلفي ، حتى أن المشجعين والمؤمنين بهذا الفکر ، یعتبرون ابن تيمية الأب الروحي لتیار الوهابية .
تيار "الوهابية" الفكري والديني قد نضج استناداً إلى أن المسلمين وبعد وفاة ابن تيمية قد عاشوا في الجهل والغيّ لمدة ستة قرون ، وبالتالي إن ظهور محمد بن عبد الوهاب ، الذي یعتبره أتباعه المجدد وداعي الناس إلی الأفكار الصحيحة والأصلية ، قد أرسی الجهاد في مرکز الفكر الوهابي ، لتحقيق الرغبات والأحلام القدیمة ، أي انبعاث الإسلام في العصر الحديث ، باعتباره وسيلة لإقامة الدولة الإسلامية أو إعادة تأسیس الخلافة .
تشابه الیوم بالأمس
مع دراسة التاريخ الأولي لنشر فكرة "الوهابية" في بداية القرن التاسع عشر ، التشابه الأکثر بین الأيديولوجية المتعصبة لهذا التيار الفكري بعد ارتباطه بآل سعود ، نجده الیوم في الأصولية التي یتبناها تنظیم "داعش" .
ما یحدث الیوم في العراق وسورية من تدمير للمساجد والحسینیات والأضرحة المقدسة لدى الشيعة ، وإنشاء لمحاكم الشرع لتنفیذ الحدود وصدور أحكام الإعدامات الجماعية التي غالباً ما تكون عمياء ودون هدف ، یمکن أن نجده من الناحية التاريخية في نفس الإجراءات التي قام بها نظام آل سعود بين 1904 و 1925، حیث بادر وفقاً للفكر الوهابي إلی تدمير أضرحة أهل البیت (ع) وحتی قبور صحابة النبي محمد (ص) وتدمير المساجد وبیوت الأولیاء .
یقول أمين الریحاني في كتابه "تاريخ نجد الحديث وملحقاته" (ص: ۲۸و۲۹) : « من الأحداث الهامة التي جرت في هذا السياق ، هو أمر محمد عبد الوهاب بقطع شجرة "الذیب" في المنطقة "الجبیله" والتي کان الناس یتبرکون بها . ومنذ ذلك الحین ، بدأ أتباع وأنصار عبد الوهاب بهدم القباب والأضرحة المتعلقة بصحابة النبي محمد (ص)» .
أما الحدث الثاني الذي یری الریحاني بأنه كان أكثر إيلاماً من الأول ، هو دعوة مؤسس الوهابية برجم امرأة اتهمت بالزنا في الأماكن العامة . یقول الریحاني : "لقد تم رجم تلك المرأة الزانية ، ونشر النبأ سریعاً في المنطقة وغيرها من المدن ، وأدى ذلك إلی بث الرعب في قلوب المذنبات والمحصنات ، لذا بعض الناس صمتوا وبعض آخر أظهروا الصراخ والأنين".
ویتابع المؤلف أيضاً أن أمير منطقة "الأحساء" وفي رسالة للشيخ محمد عبد الوهاب ، یحذره من مثل هذه الأعمال ویدعوه إلى التوبة منها . وعبد الوهاب الذي كان يخشى علی حياته هاجر تلك المنطقة ، إلی أن قبله أمير منطقة "الدرعیة" محمد بن سعود ، وأدى هذا الالتقاء في النهاية إلى الاتفاق علی الجمع بین عقیدة الفقیه وسیادة الأمیر . وکان هذا الاتفاق ، بدایة عهد "الدين والسيف" ، حیث أدى إلى التقارب بين الوهابية والسعودية إلى یومنا هذا ، وينعكس الیوم جلیاً في الاتحاد بين كلمة التوحيد والسيف العاري .
وتنقل كتب التاريخ أن حرب آل سعود التي دعمها التیار "الوهابي" شرعاً ، قد خلفت سبعة آلاف قتیل ، وأدت في النهاية إلى إنشاء المملكة العربية السعودية التي جعل أمراءها الوهابية المتعصبة والمتطرفة ، الدين الرسمي للدولة التي رأت أن واجبها هو بناء القوانین الرسمیة وفق مبادئ الشريعة الإسلامية ، وهذا هو بالضبط ما یدعیه الآن تنظیم "داعش" ویسعی إلی انتشاره .
من ناحية أخرى، ومع مرور الوقت، تعثرت علاقة النظام السعودي بالوهابية ، بمعنى أن هذه الأيديولوجية الأصولية والمتطرفة غالباً ما تؤدي إلى ظهور بعض التيارات الفكریة في داخلها تتعارض وتتخاصم مع نظام آل سعود.
ولعل أبرز مثال في هذا الصدد ، هو المنظمة المعروفة باسم "القاعدة" التي تأسست علی ید أسامة بن لادن من خلال الإعلان عن عودة فكرة وشعار "الجهاد في أرض الإسلام".
عودة الفكر الجهادي
هذا النوع من الفكر التكفيري الجهادي الذي يسعى للعودة "إلى أرض الإسلام"، يعتبر هذه المرة ردة فعل ضد قمع الحرکات الإسلامية في مصر وسوريا في النصف الثاني من القرن العشرين . المجال الآخر لنمو هذا الفکر بين الجماعات المسلحة العربية ، هو دخولهم إلی جانب أمريكا في الحرب ضد الروس في أفغانستان . ولكن بعد أن انقلب هؤلاء علی أمريكا بعد احتلالها للعراق ، انتقل معهم هذا الفکر إلى العراق أیضاً .
في الحد الفاصل بین حركة أفغانستان إلی احتلال العراق علی ید القوات الأمريكية ، هذه الفكرة التي شاعت بشدة بين الشباب المتدين ، أدت إلى نمو التطرف والأصولية من أجل الإقناع والإرضاء الروحي والفكري لهذا الشباب المتدين. ومعظم هؤلاء الشباب الذين یشكلون مقاتلي القاعدة ، شکلوا اليوم أحد أقوى الجيوش غير النظامية فيما يسمى بـ "داعش" ویصبون الزیت علی نار الصراعات المحلية في العراق وسوريا .
والذي یشکل مصدر التغذية الفكرية وسبب الإقناع النفسي لهؤلاء الشباب ، هو نفس أحلامهم في إعادة الخلافة في الأراضي العربية وإقامة الدولة الإسلامية على الأرض بمساعدة السلاح والنار.