الوقت - بعد إخفاقها في إقناع الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا بالوقوف إلى جانبها في خلق جبهة جديدة ضد إيران على خلفية الأحداث الأخيرة، أصيبت الحكومة السعودية بصدمة شديدة لا تقل عن صدمتها بنجاح طهران في توقيع الإتفاق النووي مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الدولي وألمانيا قبل نحو 6 أشهر.
فبعد إرتكاب السلطات السعودية لجريمة إعدام "الشيخ باقر النمر" والاحتجاجات الشعبية والرسمية الواسعة التي شهدتها إيران تنديداً بهذه الجريمة وما رافقها من إقتحام السفارة السعودية في طهران من قبل بعض المواطنين الإيرانيين الغاضبين، كانت الرياض تعوّل على دعم الغرب لها للوقوف ضد إيران، غير أنها أصيبت بصدمة شديدة بعد أن أيقنت أن الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا غير مستعدة لاتخاذ مثل هذا الموقف لشعور هذه الدول بأن ذلك لا يصب في صالحها، خصوصاً عقب الهزائم المتكررة التي منيت بها الرياض في حربها ضد اليمن وعدم تمكنها من تحقيق أهدافها رغم مرور أكثر من 9 أشهر ودعم الكثير من الدول الغربية والإقليمية لها في مواصلة هذا العدوان.
ولهذا يعتقد المراقبون أن السعودية سعت من خلال إثارة الأزمة الدبلوماسية مع إيران للتغطية على هزائمها في اليمن وجريمة إعدام "الشيخ النمر"، لاسيّما وأنها تعلم أن موعد تطبيق بنود الإتفاق النووي بين طهران والسداسية الدولية قد إقترب، وتدرك في الوقت نفسه بأن هذا الإتفاق الذي إعترف بحق إيران في إمتلاك التقنية السلمية وقرر رفع الحظر المفروض عليها على خلفية الأزمة النووية مع الغرب سيساهم في زيادة قدرتها وتأثيرها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي، كما سيسهم برفع مستوى دعمها لمحور المقاومة الذي يتصدى للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة والذي تعد السعودية أحد أركانه.
وتدرك السعودية أيضاً بأن الدول الغربية باتت تحرص على تقوية علاقاتها السياسية والاقتصادية مع طهران، وهذا الأمر تجلى بوضوح من خلال الزيارات التي قام ويقوم بها كثير من المسؤولين الغربيين إلى طهران منذ إبرام الإتفاق النووي في 14 تموز / يوليو الماضي وحتى الآن.
هذه الحقائق جعلت المراقبين يجزمون بأن السعودية أضحت قلقة على مستقبلها السياسي مع الغرب الذي يعتقد هو الآخر بأن تعزيز علاقاته مع طهران سيعوّضه عن أي خفض لعلاقاته مع السعودية، خصوصاً وأنه يعلم أن طهران تمتلك مؤهلات وقدرات سياسية واقتصادية أضعاف ما تمتلكه الرياض ويمكنها أن تترجم ذلك على أرض الواقع بعد تطبيق الإتفاق النووي في القريب العاجل.
ويعتقد معظم الخبراء والمحللين السياسين بأن التقارب الغربي - الإيراني لايصب بمصلحة السعودية، ويؤكدون في الوقت ذاته بأن الرياض لم تعد تحظى بإهتمام الغرب كما كانت في السابق، خصوصاً بعد فشلها في تنفيذ المشروع الغربي الذي تقوده أمريكا في إسقاط نظام الرئيس السوري "بشار الأس"د رغم دعمها المتواصل للجماعات الإرهابية والمتطرفة في هذا البلد، بالإضافة إلى فشلها في تحقيق أهداف الغرب من وراء شن العدوان المتواصل على اليمن والذي تم بإيعاز من الادارة الأمريكية، إلى جانب توجه الرياض في الفترة الأخيرة لعقد صفقات لشراء أسلحة متطورة بمليارات الدولارت من روسيا، وهو ما أغاض الدول الغربية التي كانت تُعد المصدر الوحيد والأكبر لتصدير السلاح بمختلف أنواعه وصنوفه إلى السعودية خلال العقود الماضية.
وتجدر الاشارة إلى أن الكثير من المسؤوليين الغربيين والنخب الثقافية والقانونية الغربية والعديد من المنظمات الدولية الحقوقية ومن بينها منظمات حقوق الإنسان قد إنتقدت وبشدة ومن خلال الأدلة الموثقة بالصور والأفلام الإنتهاكات البشعة التي تقترفها سلطات الرياض ضد شعوب المنطقة خصوصاً الشعب اليمني المظلوم وأهالي المنطقة الشرقية في السعودية الذين يطالبون بإطلاق الحريات العامة لاسيّما حرية التعبير عن الرأي وإنهاء التمييز الطائفي بحق أبناء هذه المنطقة.
وتؤكد الوثائق التي حصلت عليها المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان إن السعودية دعمت ولازالت تدعم التنظيمات الإرهابية ومن بينها "داعش" و"القاعدة" و"جبهة النصرة " و"بوكو حرام" وغيرها بالمال والسلاح والإمكانات اللوجستية لقتل الشعوب البريئة سواء في العراق أو سوريا أو اليمن أو ليبيا أو نيجيريا أو دول أخرى في المنطقة والعالم.
كما إنتقدت هذه المنظمات الفكر الوهابي السلفي الذي تروّج له السعودية والذي يبيح قتل وإنتهاك حرمة كل من يخالفه تحت ذرائع واهية لتشويه صورة الإسلام الحنيف من خلال إرتكاب الجماعات الارهابية المدعومة من قبلها أبشع الجرائم ضد الأبرياء العزل في العديد من الدول تحت غطاء الدين وهو منها براء.
في هذا السياق ذكرت صحيفة "لوس انجلس تايمز " الأمريكية أن السعودية باتت خائفة بشأن مستقبل علاقاتها مع العواصم الغربية لاسيّما واشنطن ولم تعد تعوّل عليها. ووصف الصحفي والخبير بشؤون الشرق الأوسط "دويل ماكمانوس" في مقال نشرته "التايمز" العلاقات السعودية - الأمريكية بأنها هشّة بشكل لم يسبق له مثيل، مشيراً كذلك إلى أن الرياض تعاني حالياً من مشكلة إقتصادية حقيقية بسبب عدوانها المستمر على اليمن وتدهور أسعار النفط في الأسواق العالمية، وهو ما إنعكس سلباً على وضعها الداخلي وبدا ذلك واضحاً من خلال إجراءاتها التقشفية التي شملت رفع أسعار الوقود والخدمات والكثير من البضائع لاسيّما في مجال البتروكيمياويات.