الوقت- ليس النقاش في أن ما ارتكبه آل سعود من اعدامهم الشيخ النمر هو جريمة وحماقة، فالمطالب الشعبية بضرورة الإصلاح والإنصات إلى صوت الشعب ومطالبه هو الحق المشروع بل التزام ومسؤولية و واجب، ولذلك فالإعدام جريمة بحق الإنسانية وإعتداء على الشعوب المسلمة والمطالب المحقة، فيما حماقة آل سعود تأتي من سياستها القائمة بالدفع من خطأ إلى خطأ، والتغطية على أخطائها بأخطاء أخرى. وعلى الرغم من مطالبة منظمات حقوق الإنسان، والكثير من الحكومات والشخصيات العالمية مثل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بضرورة إستجابة آل سعود للمطالب الشعبية من جهة والإفراج عن الشيخ النمر من جهة أخرى، إلا أنها خالفت كل الأعراف وضربت بالإحتجاجات العالمية عرض الحائط، وارتكبت حماقة إعدام الشيخ مع 46 آخرين. جريمة الإعدام هذه تطرح السؤال حول الأسباب التي دفعت آل سعود لإرتكاب هذه الجريمة والحماقة متجاهلين كل الإعتبارات التي لفت القضية؟
أولاً: أغرق آل سعود أنفسهم في عدوان على اليمن، وانخرطوا في مشروع الدعم والإشراف على جماعات الغرب الإستعماري في سوريا والعراق، وفشل مشروعهم في لبنان، و رسموا سياساتهم في المنطقة وفق خيار محاربة ايران ودول المنطقة الفاعلة والمؤثرة، و وضع افراد عائلة آل سعود اسس حكمهم من خلال استنزافهم لمواردهم المالية عبر الفساد المستشري والذي لم يعد قابلاً للسيطرة، واتبعوا نهجاً في تخفيض اسعار النفط بصورة مصطنعة انصياعاً لإرادة امريكا في ذلك بهدف ايذاء الدول النفطية كروسيا وايران وفنزويلا، وإن كانت الاسباب التي تقف خلف ذلك في حقيقة الأمر أعمق من ذلك.
سلسلة السياسات الفاشلة هذه رشح عنها تكلفة عسكرية مادية ضخمة أرهقت ميزانية آل سعود والتي وصل العجز فيها إلى 98 مليار دولار لموازنة عام 2016، إلى مطالب أهل نجران وجيزان وعسير اليمنية بالإنضمام إلى اليمن والتي كان آل سعود قد استولوا عليها فيما سبق، هذا إلى فقدانهم الهيبة دولياً وداخلياً، كل هذا خلخل مجمل البنیة الإجتماعیة السیاسیة في السعودية القائمة على الرعایة الإجتماعیة مقابل الصمت والولاء، فالسعودیة الآن أصبحت تحت ضغط أزمتها المالیة المتفاقمة مضطرة إلى اتباع سیاسات تقشّف في الإنفاق الحکومي ودعم السلع والمحروقات، وبالتالي فمن المقدر أن هذه السیاسات سوف تفجر احتجاجات شعبیة عامة.
لهذا يعمل آل سعود على البحث عن خطوات من شأنها إشاعة أجواء الرعب بالإعدامات التي طالت "الشیخ نمر النمر "و عشرات من المواطنین من کل المحافظات السعودیة، ومن کل الطوائف والتیارات وبالتالي خلط أوراق فشلها وتدوير للأمور والعمل على رسم مخطط لتحويل الأمور من مواجهة محتملة بينها والشعب إلى خلق اجواء فتنة طائفية، هذا لا يعني أن جريمة الإعدام بحد ذاتها من شأنها تزكية الفتنة، وانما آل سعود سيعملون للإستفادة منها في سبيل ذلك. لكن على ما يبدو فإن سیاسات التحریض الطائفی تبدو ککرة النار التي ستلتهم أولاً وآخراً آل سعود أنفسهم وتقضي عليهم وعلى تسلطهم.
ثانياً: جريمة آل سعود هدفت إلى اثارة الإهتمام الإعلامي للتغطية على جرائمها بحق شعوب المنطقة وتدخلاتها وهزائمها خاصة في ظل ظروف الضغط التي مارستها جمعيات حقوق الإنسان ودول العالم عليهم، وهي رسالة إلى العلماء والنخب السعودية بأن أي توجه للمطالبة بالحقوق سوف يواجهه ذات المصير لكن الحقيقة هي أن ملف" الشيخ النمر" و بقتله تحول من ملف زعيم وطني داخلي إلى ملف اقليمي و دولي.
ثالثاً: هذه الجريمة مرتبطة بشكل أو بآخر بالصراعات الداخلية التي يشهدها آل سعود، فالصراع بين اولاد عبدالله والسديريين وسلسلة التعديلات والتغييرات التي أجراها" سلمان الأب "على آلية الحكم في العائلة، و مسعاه لتهيئة الأرضية لإبنه بإستلام الحكم، ومواجهة ابناء "عبدالله "لسياسة" سلمان" وبشكل أخرج الخلافات إلى العلن، كل هذا دفع بسلمان للبحث عن مزيد من الجرائم لإسكات التوجهات المخالفة له في آل سعود من جهة وإثبات حكم إبنه من جهة أخرى. هذا وقد بددت عشرات المليارات الدولارات من ثرواتها لسنوات عديدة من أجل تغيير حكومات المنطقة، وإقامة حكومات بديلة موالية لها وللکيان الإسرائيلي و أمريكا، ولكن مع ذلك، فهذه الشعوب وحكوماتها بقيت صامدة، والإرهاب المدعوم من آل سعود وتوجهاتهم الفتنوية في تراجع و هزائم.