الوقت - انطلاق مرحلةً جدیدة من الصراع السیاسی فی ترکیا قد لا تقل ضراوة عن سابقتها .. هکذا ینظر المراقبون الی نتائج الانتخابات البلدیة الترکیة التی جرت نهایة شهر مارس المنصرم وانتصر فیها حزب العدالة والتنمیة.
وتحظی نتیجة الانتخابات البلدیة فی ترکیا بأهمیة مزدوجة لدی حکومة حزب العدالة والتنمیة حیث ان هذه الحکومة عانت خلال الفترة الأخیرة من أزمات تعتبر کبیرة منها فضیحة التنصت التی هزت البلاد وجلبت معها احتجاجات عارمة منها احتجاجات ساحة غزی واحتجاجات ساحة تقسیم , وکان هدف اثارة فضیحة التنصت هو توجیه ضربة لحزب العدالة والتنمیة وشخص رئیس الوزراء رجب اردوغان فیما کانت هناک فضیحة ثانیة تعتبر أکبر من فضیحة التنصت وهی فضیحة الفساد المالی فی أجهزة رسمیة .
وقد لحقت فضیحة الفساد المالی بفضیحة التنصت التی شملت حتی التنصت علی هواتف مسؤولین کبار کشخص رئیس الوزراء نفسه ورئیس حزب ملیت هاکان فیدان اللذین طال التنصت هواتفهما , وبسبب هاتین الفضیحتین واجه حزب العدالة والتنمیة تحدیا کبیرا دام هذه المرة خمسة الی ستة أشهر شملت احتجاجات و انواع مختلفة من الاعتراضات .
اما المسألة الثانیة التی اعطت الانتخابات البلدیة الترکیة حیزا آخر من الأهمیة هی اقتراب موعد الانتخابات الرئاسیة فی شهر آب المقبل مع الأخذ بعین الاعتبار انها اول انتخابات رئاسیة یتم فیها انتخاب رئیس الجمهوریة بشکل مباشر من قبل الناخبین الأتراک ولذلک فان تلک الانتخابات البلدیة اصبحت فائقة الأهمیة واعتبرت بمثابة استفتاء علی شخص رئیس الوزراء وحزب العدالة والتنمیة .
وکما کان متوقعا شهدت الانتخابات البلدیة نسبة مشارکة عالیة من قبل الناخبین بلغت 42 ملیون صوت من أصل 52 ملیون ناخب کان یحق لهم التصویت وکانت النتیجة نصرا لحزب العدالة والتنمیة واردوغان حیث حصل الحزب علی 45 بالمئة من اصوات الناخبین الأتراک وبهذا سجل حزب العدالة والتنمیة تقدما بالقیاس مع الانتخابات البلدیة السابقة التی کان حصل فیها علی 38 بالمئة من الاصوات .
وتعتبر نتائج الانتخابات البلدیة الأخیرة انتصارا مهما وقفزة الی الامام لهذا الحزب لأن الأحزاب الرئیسیة المعارضة لحزب العدالة والتنمیة ولشخص رجب اردوغان لم تستطع مجتمعة ان تجمع اصوات کالتی حصل علیها حزب العدالة والتنمیة , فحزب الشعب الجمهوری حصل علی 28 بالمئة من الاصوات وحزب الحرکة الوطنیة حصل علی نحو خمسة عشر بالمئة من الاصوات.
ومع ان هذه الانتخابات البلدیة لم تخلو من العنف حیث قتل تسعة أشخاص وجرح 47 آخرین خلالها لکنها شهدت امورا ایجابیة غیر مسبوقة حیث فازت 3 نساء محجبات بمنصب رئاسة البلدیة , والامر الأکثر اهمیة هو ان بعض الاحزاب العلمانیة التی کانت ترفع شعارات لمحاربة الدین اضطرت الی ترشیح نساء محجبات فی هذه الانتخابات ما یدل ان الاوضاع السیاسیة الترکیة قد تغیرت بشکل کبیر قیاسا مع الفترة السابقة .
ووقعت احزاب المعارضة فی الفخ لأنها بدلا من عرض برامج محددة تحظی بالقبول لدی الناخبین عمدت الی شن الهجوم علی اردوغان وحزبه وصبت جل اهتماماتها علی استهداف رئیس الوزراء و حزب العدالة والتنمیة ولم تقدم برامج لحل المشاکل وقد أدی هذا الامر الی عجز هذه الاحزاب عن کسب اصوات الناخبین فیما استطاع اردوغان ان یحافظ علی سلة اصوات الطبقة الوسطی والطبقة الفقیرة من الشعب وبالتالی حفظ الاصوات اللازمة لتسجیل انتصار .
وکانت الانتخابات البلدیة ساحة هزیمة ایضا لتیار غولن الذی تحالف مع العلمانیین وخاصة مع حزب الشعب الجمهوری فی مواجهة اردوغان وقد اظهرت نتائج الانتخابات ان هذا التیار والعلمانیین واجهوا الهزیمة معا .
ومن النتائج غیر المتوقعة ایضا کان حصول حزب العدالة والتنمیة علی نسبة اصوات جیدة بین الناخبین الأکراد فی ترکیا فیما شهدت الاصوات التی حصل علیها حزب السلام والدیمقراطیة الذی یعتبر من الاحزاب الکردیة الرئیسیة انخفاضا مقارنة مع نتائج الانتخابات البلدیة التی جرت فی عام 2009 . وقد حصل حزب السلام الدیمقراطیة علی 57 بالمئة من اصوات الناخبین الاکراد فی الانتخابات الاخیرة فیما کانت قد حصلت علی 67 بالمئة من اصوات الناخبین الاکراد فی الانتخابات البلدیة السابقة ما یدل ان اصواتها ذهبت الی سلة اصوات حزب العدالة والتنمیة .
ویعتقد المراقبون ان الانتخابات البلدیة الاخیرة فی ترکیا هی مقدمة للانتخابات الرئاسیة القادمة وان انتصار اردوغان وحزب العدالة والتنمیة اثبت بان اردوغان وحزبه سیسجلان الانتصار ایضا فی الانتخابات الرئاسیة . وفیما لم یبقی امام الاحزاب المعارضة الا ان تتفق علی تسمیة مرشح رئاسی واحد لتحدی اردوغان یبدو ان الاوضاع السیاسیة الحالیة هی لصالح اردوغان وحزبه وان انتصاره فی الانتخابات الرئاسیة یعتبر مؤکدا .