استطاعت الحکومة السعودیة وبعد تبلورها طیلة نحو سبعین سنة من حفظ ثباتها واستقرارها الی وقت قریب فی منطقة مشحونة بالاضطرابات والحروب والانقلابات العسکریة وقاد نظامها خلال تلک المدة حروبا بالنیابة عن القوی الاجنبیة بین الحین والآخر والتی تجّلت بوضوح بمشارکتها فی الحرب التی شهدتها مدینة صعدة الیمنیة عام 2010 بین جماعة الحوثیین وقوات الرئیس السابق علی عبد الله صالح، وهی المرة الاولی التی یشارک فیها الجیش السعودی بشکل مباشر فی حروب المنطقة وبدعم من القوات الخاصة لدول مثل المغرب والاردن والقوة الجویة لدولة الامارات العربیة المتحدة واسناد الولایات المتحدة الامریکیة. وشکلت هذه الحرب فی الواقع نقطة تحول کبری فی تاریخ السعودیة وسیاستها الستراتیجیة فی المنطقة من جانب، وبدایة الهزیمة المتوقعة لنظامها الذی تبرقع بقناع الدین للتستر خلف قدسیة مزیفة. و بدی هذا التحول فی السنوات الاخیرة وبصورة جلیة فی نهجها العدوانی الاقلیمی المخرب ودون ای تحفظ. وسعیا منها للنأی بنفسها عن موجة الصحوة الاسلامیة التی اجتاحت المنطقة خلال السنوات الثلاثة الماضیة وبانتهاجها سیاسة الهروب الی الامام قامت السعودیة بالاحتلال العسکری لاراضی البحرین والتدخل المباشر فی الشأن السوری.
وتعانی المملکة العربیة السعودیة الیوم من تناقض صارخ فی تصرفاتها وقلق وارتباک واضح فی سیاساتها تنم عن ضعف قدراتها فی السیطرة علی اوضاعها الداخلیة، ومن تمزق خطیر فی صفوف العائلة الحاکمة وتدهوراجتماعی متزاید فی مختلف المجالات وفی عموم البلاد. ووصل هذا التدهور الی حد ینذر بانهیار قریب وربما تقسیم اوصال هذا البلد فی المستقبل المنظور. وفی الوقت الذی باتت فیه الریاض تری نفسها بموقع المهاجم للآخرین من جانب کما یحصل الأن بتدخلها المباشر بشؤون الدول الأخری لا سیما فی البحرین وسوریا، تجد نفسها فی نفس الوقت فی خندق سیؤدی بها الی ان تکون فی طلیعة المحترقین بنار الفرقة الطائفیة والقومیة التی تشهدها المنطقة فی المرحلة الراهنة. وهذا الامر جعلها تفقد صوابها وتوازنها بعد أن وضعت نفسها فی هذا المأزق الذی لا یتناسب مع قدراتها الداخلیة، خصوصا وانها تعانی من فساد کبیر فی صفوف العائلة الحاکمة التی تستحوذ علی معظم ثروات البلد ومن انعدام الحریة فی ارجاء المملکة فی ذات الوقت .
وهذا الأمر إن دل علی شیء فانما یدل علی عمق المخاطر التی تواجهها السعودیة والتی ضاعف من حجمها وقوتها التیار الجارف للصحوة الاسلامیة أو ما یسمی بالربیع العربی فی العدید من دول المنطقة وذلک عقب انتهاء الحقبة التاریخیة التی کانت تقتضی الابقاء علی الانظمة الحلیفة للغرب وخصوصا الولایات المتحدة طبقا لمبدأ وزیر خارجیتها الاسبق کیسنجر والذی انتهجته واشنطن وواظبت علیه طیلة فترة الحرب الباردة. ولهذا کله یری النظام السعودی نفسه الآن فی مهب الریح التی انطلقت مع انطلاق الصحوة الاسلامیة والتی تحاول امیرکا حرفه عن اهدافه وعن منطلقاته الحقیقة لتحقیق مصالحها. وفی نهایة المطاف ستجد جمیع الانظمة المتحالفة مع امیرکا خارج نطاق الجغرافیة السیاسیة للمنطقة وفی مزبلة التاریخ وفی مقدمتها نظام الریاض بکل تأکید.
وسیکون لاندثار هذا النظام أثر کبیر علی مستقبل باقی الانظمة الموالیة لامریکا فی الشرق الاوسط لیس علی الصعید الشکلی والظاهری فحسب؛ بل سیطال هذا التغییر الأسس الفکریة والمبادئ الرخوة التی بنیت علی اساسها هذه الانظمة والذی بدأت ملامحه تتحقق قبل نحو عام ونصف، ولهذا قررت السعودیة العزوف عن سیاستها القدیمة الحذرة وانتهاج سیاسة عدوانیة وهجومیة - الفرار الی الامام – والتی ادت الی تکبدها هزائم مرة وبدأت معها تعی الخطورة الکامنة علی مستقبلها خصوصا الهزائم التی تلقتها فی الیمن وجراء الانتفاضة الشعبیة شرقی اراضیها لا سیما فی القطیف ، والاهم من ذلک کله الخطر الذی یهدد وجودها کنتیجة حتمیة لثورة الشعب البحرینی رغم الاحتلال السعودی العسکری لاراضیه منذ نحو سنتین.
ومما لاشک فیه ان السیاسة التی تتبعها السعودیة والقائمة علی اثارة الازمات فی المنطقة والاخطاء الاستراتیجیة القاتلة التی ارتکبتها والضعف المعنوی الشدید الذی تنوء به وتعانی منه سیلحق بها افدح الاضرار ولن یدعها تنجو من الآثار المدمرة لهذه السیاسة بکل تأکید وسیجعلها فی النهایة الخاسر الاکبر فی الشرق الاوسط برمته لتکون عبرة لمن اعتبر فی المستقبل.