الوقت- أعاد مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في سوريا تسليط الضوء على علاقات إدارة ترامب مع الحكومة السورية الجديدة، وهذه هي المرة الأولى التي تتكبد فيها القوات الأمريكية خسائر في سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد، ونسبت إدارة ترامب الهجوم إلى تنظيم "داعش" وتوعدت بالانتقام، لكن سرعان ما نُكث وعد ترامب، إذ صرّح المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا، للتلفزيون السوري الرسمي بأن المسلح الذي أطلق النار وقتل جنديين ومترجماً من القوات الأمريكية كان عضواً في قوات الأمن التابعة للحكومة السورية الجديدة.
ووفقاً لوزارة الداخلية السورية، فإن المسلح "تسلل" إلى اجتماع تنسيقي بين القوات السورية ووفد من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد "داعش"، لم يتضح بعد كيف تمكن المسلح من دخول الاجتماع في مقر قيادة الجيش السوري، على الرغم من أن إطلاق النار وقع خارج المبنى ولم يتمكن المسلح من دخوله.
من جهة أخرى، لم يُدلِ المسؤولون الأمريكيون بأي تصريح حول موضوع أو طبيعة الاجتماع مع القوات السورية، ودعمت الدول العربية والغربية، بما فيها الولايات المتحدة، حكومة أحمد الشرع، إلا أن التوترات المتكررة في سوريا أثارت شكوكًا حول قدرة أحمد الشرع على السيطرة على الوضع الأمني في البلاد.
شكوك غربية حول الجولاني
حتى قبل وقت طويل من حادث إطلاق النار الأخير الذي أودى بحياة ثلاثة جنود أمريكيين، لم يكن لدى الخبراء الغربيين نظرة إيجابية أو متفائلة تجاه الغرب وعلاقة الولايات المتحدة بأبو محمد الجولاني، العضو السابق في تنظيم القاعدة والذي يمسك بزمام السلطة حاليًا في دمشق تحت اسم أحمد الشرع.
وقال ساجان جوهال، مدير الأمن الدولي في مؤسسة آسيا والمحيط الهادئ، لشبكة سي إن بي سي: "نعيش في عالم غير مألوف، حيث بات يُنظر فجأةً إلى أناسٍ لم يُخفوا كراهيتهم للغرب، وخاصةً الولايات المتحدة، على أنهم حلفاء وشركاء محتملون".
وأشار بعض الخبراء إلى أنه في حين حاول أحمد الشرع تصوير نظامه كداعم لحقوق المرأة وشخصية مرغوبة ومقبولة لدى الغرب، فإن نظرة فاحصة على الأشخاص الذين اختارهم جولاني للمناصب الاستراتيجية في سوريا وآرائهم تُثير الشكوك حول تغير وجه جولاني والهيئة الحاكمة السورية الجديدة.
إمكانية قيام دولة سلفية في سوريا
حتى أن بعض الخبراء الأمريكيين يشككون في إمكانية قيام دولة علمانية في سوريا، لدرجة أن مايكل شانزر، الخبير في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، صرّح بأن هناك مخاطر جسيمة تواجه الولايات المتحدة في سوريا، فإذا استطاعت الشريعة تحقيق الاستقرار في سوريا، ستكون النتائج واعدة، وإلا فقد تعود سوريا لتشكّل تهديدًا أمنيًا كبيرًا، وإذا لم تسر الأمور على ما يرام، فسيُمهّد الطريق لإقامة دولة سنية متطرفة في قلب بلاد الشام.
ويجدر التنويه أيضًا إلى أن سوريا لا تزال تضم معسكرات كبيرة لسجناء "داعش"، ورغم أن الولايات المتحدة وأوروبا تميلان إلى مطالبة الحكومة السورية الجديدة بإبقاء هؤلاء السجناء داخل حدود سوريا، إلا أن هناك خطرًا من أن يصبح بعض هؤلاء السجناء تهديدًا أمنيًا كبيرًا في سوريا، وأن يُفاقموا حالة عدم الاستقرار في دمشق، بل قد يسعون إلى إقامة دولة داعش من خلال أعمال شغب في السجون.
من جهة أخرى، لا تزال الحكومة السورية الجديدة، بعد مرور عام، لا تسيطر على جميع مناطق البلاد، ما يجعل احتمالية تشكيل بؤر إرهابية في مختلف أنحاء سوريا قائمةً بقوة، ومن هذا المنطلق، فإن تحالف الولايات المتحدة والغرب مع الحكومة السورية الحالية سيشكل تهديداً أكبر للغرب.
ويرى ديفيد شينكر، الباحث البارز في معهد واشنطن ومساعد وزير الخارجية السابق في إدارة ترامب الأولى، أن أخطر العواقب طويلة الأمد للحكومة الجديدة في دمشق تتعلق بأيديولوجيتها، فمن شأن حكومة سلفية في قلب بلاد الشام أن تشجع بلا شك الحلفاء الأيديولوجيين في المنطقة، وهناك بالفعل مخاوف كبيرة من انتقال العدوى إلى الأردن والعراق ومصر، والأسوأ من ذلك، احتمال أن تصبح سوريا ساحة نفوذ للمتطرفين السلفيين، إذ لا تزال محاسبة ومحاكمة العناصر المتطرفة في سوريا غائبة.
ويُذكر أن قدرة الحكومة الانتقالية السورية على السيطرة الكاملة على البلاد وإدارتها بشكل عام لا تزال محدودة بعد مرور عام، ويسيطر نظام جولاني بشكل مباشر على ما يقارب 50-60% من سوريا، بما في ذلك الممر الحضري دمشق-حمص-حماة-حلبومعظم المدن الرئيسية.
في هذه المدن، تخضع المؤسسات الحكومية، والآليات الأمنية، وتحصيل الضرائب، والأنظمة التعليمية، والخدمات الطبية الواسعة نسبياً، لسيطرة حكومة الجولان، بينما في المناطق الطرفية من سوريا، كالمناطق الصحراوية في شرق وشمال شرق وجنوب البلاد، تكاد سيطرة الحكومة المركزية تكون معدومة، وقد تمكنت الميليشيات المحلية والقبائل وجماعات سلفية أخرى من تعزيز نفوذها وتجنيد أعضاء جدد خلال العام الماضي. هذا الوضع، أكثر من أي شيء آخر، يُنذر بمستقبل قاتم في سوريا.
ويشير تقرير معهد دراسات الأمن القومي الأمريكي إلى أن تنظيم داعش ينشط في سوريا عبر أساليب إرهابية وحرب عصابات، مستخدماً خلايا صغيرة، تتركز أنشطته بشكل رئيسي في الصحراء السورية، حول الرقة ودير الزور، وقد وسّع عملياته مؤخراً لتشمل دمشق وإدلب.
في الوقت الراهن، لا يسيطر التنظيم الإرهابي على أي أراضٍ، إلا أن المناطق التي تفتقر إلى حكومة أو تعاني من ضعف في الحكم في سوريا لا تزال تُشكّل فرصة لداعش لاستعادة السلطة مستقبلاً، في غضون ذلك، تُظهر بيانات حديثة ازدياداً في نشاط "داعش" في مناطق حماة وحمص وحلب وإدلب، على الرغم من انخفاض مستوى النشاط مقارنةً بالماضي، إلا أنه يُظهر قدرة التنظيم المستمرة على زعزعة استقرار النظام السوري الجديد وتقويضه، وقد أدى هذا الوضع أيضاً إلى فقدان ثقة الغربيين الكاملة بتنظيم الدولة الإسلامية.
