الوقت- يثير الخبر المتعلق بإرسال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب رسالة خاصة إلى أبو محمد الجولاني، الرئيس المعلن لنفسه في سوريا، موجة واسعة من التساؤلات السياسية. فالرجل الذي كانت الولايات المتحدة قد خصصت عشرة ملايين دولار للقبض عليه، يظهر الآن كشخص تتواصل معه واشنطن وتصفه بأنه قائد كبير، بل وترافق الرسالة بصورة تجمعهما مع توقيع ترامب. هذا التحول المفاجئ يفتح الباب أمام أسئلة كبيرة حول التناقضات السياسية الأمريكية، ويمثل مفارقة حادة بين ملاحقة الماضي ودعم الحاضر. كما يضع الجولاني في دائرة الضوء ليس فقط كشخصية محلية، بل كعنصر يتم توظيفه ضمن ترتيبات إقليمية ودولية. وفي الوقت نفسه يأتي ذلك متزامناً مع تصديق قرار أممي يطالب إسرائيل بالانسحاب من الجولان السوري المحتل، ما يجعل المشهد أكثر تعقيداً وتشابكاً.
من مطلوب دولياً إلى شخصية تتلقى رسائل دعم: تناقض لا يمكن تجاهله
السؤال الأول الذي يطرح نفسه: كيف يمكن لشخص مصنف على قوائم المطلوبين، وموضوع على رأسه مكافأة ضخمة، أن يصبح فجأة محلاً لرسائل الدعم السياسي؟ هذا التحول ليس مجرد تغير طبيعي أو عابر، بل يمثل انزياحاً كبيراً في طريقة تعامل واشنطن مع الملف السوري. طوال سنوات، كان الجولاني في صدارة الأسماء المرتبطة بتهديدات أمنية، ومع ذلك يظهر اليوم وكأنه جزء من مشروع سياسي جديد ترعاه الولايات المتحدة أو بعض مراكز النفوذ فيها. هذا التناقض يكشف ازدواجية في الخطاب الأمريكي؛ إذ بينما تعلن واشنطن الحرب على الإرهاب، نجدها في الوقت نفسه تسعى لفتح قنوات تواصل مع شخصيات كانت هي نفسها تعتبرها خطرة. ويبدو أن هذا السلوك يعكس براغماتية سياسية تتجاوز المبادئ المعلنة، في إطار محاولة لإعادة رسم المشهد السوري بما يناسب المصالح الأمريكية.
سجل الجولاني والاتهامات القديمة: هل تغيرت الوقائع أم تبدلت الحسابات؟
الخبر يؤكد أن جرائم الجولاني ليست خافية على أحد، وهو توصيف يشير إلى تاريخ طويل من الصدامات والأحداث المرتبطة بفصيله. ومع ذلك، فإن ظهوره اليوم في مشهد مختلف تماماً يثير أسئلة مهمة: هل تغير الجولاني فعلاً؟ أم أن القوى الدولية هي التي قررت إعادة صياغة صورته؟ إن الرواية التي تشير إلى أنه بات يُقدَّم كقائد محتمل تطرح فرضية أن المصالح السياسية قد تكون أقوى من الاعتبارات الأخلاقية أو القضائية. وفي ظل هذا التبدل، يصبح من المشروع التساؤل عما إذا كانت واشنطن تريد تحويل الجولاني إلى ورقة سياسية تخدم ترتيباتها داخل سوريا. كما أن الإشارة إلى السلوكيات الشيطانية لترامب وفق نص الخبرتعكس انتقاداً لاذعاً لطريقة تعاطيه مع الملف السوري وتعاملاته المتناقضة.
رسالة ترامب: دعم سياسي مباشر أم إعادة تشكيل للنفوذ؟
تفاصيل الرسالة التي حملها توم باراك وفق الخبر تكشف عن خطوة غير مسبوقة. إذ تضمنت صورة تجمع ترامب بالجولاني وتوقيعاً شخصياً، إضافة إلى وصف الأخير بأنه سيكون قائداً عظيماً. مثل هذه الرسالة تعطي انطباعاً واضحاً بأن واشنطن ليست فقط على تواصل مع الجولاني، بل تعتبره جزءاً من معادلة مستقبلية يمكن الاستثمار فيها. وبعيداً عن الجدل الأخلاقي، فإن هذا الدعم يشير إلى أن الولايات المتحدة تبحث عن شخصيات قادرة على إدارة مناطق النفوذ وفق رؤيتها. كما أن ظهور صورة تجمع الطرفين يوحي بأن اللقاءات ليست جديدة، بل جزء من قنوات تواصل تمتد لفترة. وهنا يبرز سؤال أكبر: هل كانت واشنطن جادة فعلاً في ملاحقته سابقاً؟ أم أن ملف المكافأة كان ورقة سياسية أكثر من كونه موقفاً أمنياً؟
لماذا لا يُستخدم النفوذ المزعوم للضغط على إسرائيل بشأن الجولان؟
النقطة التي يثيرها نص الخبر حول نفوذ الجولاني داخل إسرائيل وفقاً للرؤية المطروحة تضيف طبقة أخرى من الغموض. فإذا كان يمتلك هذا النفوذ كما يقال، فلماذا لا يُستخدم للمطالبة بانسحاب إسرائيل من الأراضي السورية المحتلة؟ هذا السؤال لا يتعلق بالجولاني بقدر ما يكشف عن شبكة علاقات غير واضحة تحيط به وبالجهات الداعمة له. كما يعزز الشكوك حول أن دوره قد يكون محصوراً في إدارة ملفات محددة دون المساس بالثوابت الكبرى. إن استخدام شخصية مثيرة للجدل دون تكليفها بملفات حساسة كملف الجولان يعكس أن الدعم الممنوح لها مرتبط بالمصالح وليس بالقضايا الوطنية.
قرار الأمم المتحدة وتزامن الأحداث: مشهد لا يخلو من الدلالات
تزامن إرسال رسالة ترامب مع صدور القرار الأممي الذي يطالب إسرائيل بالانسحاب من الجولان يعزز فكرة أن الملف السوري لا يزال ورقة مركزية في التوازنات الدولية. ففي الوقت الذي تتبنى فيه الأمم المتحدة موقفاً يدعم حقوق سوريا، تتحرك الولايات المتحدة في اتجاه مختلف عبر دعم شخصية قد تكون جزءاً من إعادة توزيع النفوذ داخل البلاد. هذه المفارقة تعكس تصادماً واضحاً بين مسار دولي يدعو إلى احترام السيادة، ومسار آخر يعمل على إعادة تشكيل السلطة بطريقة تخدم مصالح قوى معينة. وهو ما يجعل المشهد السوري محكوماً بحسابات معقدة تتجاوز الداخل إلى دوائر إقليمية ودولية واسعة.
في النهاية، يظهر الخبر كاشفاً لحجم التناقضات المحيطة بالملف السوري. فبينما كان الجولاني مطلوباً، أصبح اليوم هدفاً لرسائل الدعم. وبينما تتحدث واشنطن عن مكافحة الإرهاب، نراها تدعم شخصية مثيرة للجدل. وبينما يصدر المجتمع الدولي قراراً بشأن الجولان، يجري تحريك خيوط أخرى في اتجاهات مغايرة. هذا التعقيد يفرض قراءة عميقة لمستقبل المشهد السياسي السوري، ويجعل من كل خطوة سواء رسالة أو قرار جزءاً من معركة طويلة لإعادة رسم المنطقة، خصوصاً مع شخصية مثل الجولاني ذات الحضور الجدلي المستمر.
