الوقت - امتدت التوترات بين مصر والكيان الصهيوني، التي برزت سابقًا على الصعيدين السياسي والأمني، إلى قطاع الطاقة.
بعد أن تخلف الكيان الصهيوني عن الوفاء بالتزاماته بموجب اتفاقية الغاز مع مصر، سعت القاهرة إلى حلول بديلة لتلبية احتياجاتها من الطاقة.
وفي هذا الصدد، وقّعت مصر مؤخرًا اتفاقية بقيمة 4 مليارات دولار مع شركة هارتري بارتنرز الأمريكية لشراء الغاز المسال، ما قد يُغيّر معادلات سوق الغاز في المنطقة ويُشكّل تحديًا خطيرًا لأكبر عقد تصدير غاز للكيان الصهيوني إلى القاهرة.
صرح نائب وزير الخارجية الأمريكي كريستوفر لاندو لشبكة إكس: "ستعزز هذه الاتفاقية المصالح الاقتصادية والتجارية الأمريكية حول العالم، وستوفر فرص عمل محلية، وستوفر طاقة رخيصة وموثوقة لدول مثل مصر"، وقد وُقعت الاتفاقية بينما كانت مصر تستورد غازها من الأراضي المحتلة.
في أغسطس/آب، مددت شركة نيو ميد الأمريكية، الشريكة في حقل ليفياثان الإسرائيلي للغاز، عقد تصدير الغاز إلى مصر حتى عام 2040، ولكن في سبتمبر/أيلول، وفي خضم توترات حرب غزة، برزت بوادر تغيير في موقف تل أبيب، حيث حرص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على ضمان امتثال مصر لجميع التزامات اتفاقية التسوية قبل إتمامها.
وقعت مصر اتفاقية طويلة الأجل بقيمة 35 مليار دولار مع شركاء حقل ليفياثان في عام 2019 لتلقي غاز أرخص عبر خط أنابيب مباشر، كان من المفترض أن ينقل أكثر من 130 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر بحلول عام 2040، لكن الاتفاقية أصبحت الآن أداة ضغط سياسي من قبل حكومة نتنياهو.
يتراوح حجم إمدادات الغاز من الأراضي المحتلة إلى مصر حاليًا بين 850 مليون ومليار قدم مكعب يوميًا، بينما ينص قرار يوليو/تموز على أن يرتفع تدفق الغاز إلى 1.3 مليار قدم مكعب بنهاية العام، ثم إلى 1.6 مليار في ربيع 2026، وأخيرًا إلى 1.8 مليار قدم مكعب في الصيف، إلا أن تل أبيب أرجأت تنفيذ هذه الالتزامات لأسباب سياسية.
تنويع مصادر الطاقة
تسعى مصر، التي تعتمد بشكل كبير على الشركات الأجنبية لتلبية احتياجاتها المحلية من الطاقة، إلى زيادة مرونتها وتنويع مصادرها، وصرح بعض الخبراء لصحيفة الشرق الأوسط بأن الاتفاق مع الولايات المتحدة يُظهر أن مصر مستمرة في تطوير بدائل وتقليل اعتمادها على الغاز الإسرائيلي، وهي خطوة من شأنها الحد من ضغط تل أبيب وتنشيط التنقيب المحلي.
على الرغم من أن حجم الغاز المستورد من الولايات المتحدة أقل من عقود تل أبيب، إلا أن هذه الموارد تُنوّع جزءًا من محفظة الطاقة المصرية، على الرغم من أن تكلفة الغاز المسال أعلى من تكلفة غاز الأنابيب، إلا أن وارداته قادرة على تغطية احتياجات مصر من الطاقة وضمان أمنها ريثما يبدأ الاستغلال المكثف للموارد المحلية، ولا سيما في شرق البحر الأبيض المتوسط.
تجدر الإشارة إلى أن واردات مصر من الغاز ارتفعت بنسبة 51% خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، لتصل إلى 15.6 مليار متر مكعب، وكانت مصر ثاني أكبر مستورد للغاز المسال الأمريكي في أغسطس، حيث اشترت حوالي 57 مليار قدم مكعب من الغاز، وهو ما يمثل 13% من إجمالي الصادرات الأمريكية، كما تخطط مصر لزيادة إنتاجها من الغاز إلى 6.6 مليارات قدم مكعب يوميًا بحلول عام 2030، أي أعلى بنسبة 58% من المستويات الحالية، واستغلال احتياطياتها البالغة 12 تريليون قدم مكعب من خلال حفر 14 بئرًا استكشافيًا في البحر الأبيض المتوسط.
استخدام تل أبيب لسياسة الطاقة ضد مصر
يرتبط استخدام تل أبيب لسياسة الطاقة ضد مصر ارتباطًا مباشرًا بحرب غزة والتطورات الإقليمية، دفع دعم مصر لفلسطين ومعارضتها لسياسة تهجير سكان غزة الكيان الصهيوني إلى محاولة إقناع مصر بالانضمام أو تقديم تنازلات بشأن قضايا غزة من خلال تقييد تدفق الغاز.
صرح سعيد عكاش، الخبير في الشؤون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لصحيفة الشرق الأوسط: "إن التوترات المحيطة بصفقة الغاز الإسرائيلية تنبع من أن حكومة نتنياهو ترى في مصر عقبة أمام تحقيق أهدافها في غزة، وتحاول استخدام الأدوات الاقتصادية والقيود على تدفق الغاز للضغط على القاهرة"، يُظهر هذا النهج أن الطاقة في غرب آسيا ليست مجرد أداة اقتصادية، بل هي أيضًا جزء من السياسات الاستراتيجية والأمنية.
من ناحية أخرى، امتدت التوترات إلى ما وراء غزة، وتحاول تل أبيب قطع جميع السبل المؤدية إلى استقلال مصر في المجالين الاستراتيجي والطاقة، في هذا الصدد، استُهدف مهندس كيميائي نووي مصري مؤخرًا بهجوم مسلح غرب الإسكندرية، ما أثار مخاوف بشأن أمن المتخصصين والبنية التحتية الحيوية، ما وجه أصابع الاتهام إلى أجهزة المخابرات الإسرائيلية، إن اغتيال المهندس النووي المصري يعكس مساعي تل أبيب للحد من استقلال الدول العربية في مجال الطاقة، بهدف احتواء قوتها الإقليمية ومنع ظهور لاعبين مستقلين في مجال الطاقة.
من جهة أخرى، ولكبح جماح السياسات التوسعية لكيان الاحتلال في المنطقة، نصحت الحكومة المصرية أحمد الشرع، رئيس الحكومة السورية المؤقتة، بالامتناع عن توقيع أي اتفاقية أمنية مع تل أبيب، وهو إجراء قد يُمهد الطريق أمام تقدم الكيان الصهيوني في الأراضي السورية، وقد أثار هذا النهج غضب تل أبيب، ودفع حكومة نتنياهو إلى استخدام نفوذها في مجال الطاقة كأداة للضغط على القاهرة والحد من إمدادات الغاز الطبيعي.
مصر تُحيّد ضغوط تل أبيب
يُظهر هذا الوضع أن مصر تُواجه في الوقت نفسه تهديدات اقتصادية وطاقية، وفي الوقت نفسه تُدير أزمة غزة، ومن خلال تنويع مصادرها وتعزيز أمنها الداخلي في مجال الطاقة، تسعى مصر إلى الحفاظ على استقلالها الاستراتيجي وتقليل تأثير الضغوط الخارجية، وصرح خبير سوق الطاقة رمضان أبو العلا لصحيفة الشرق الأوسط: "بتوقيعها الاتفاقية مع الولايات المتحدة، سرّعت مصر مسار تنويع مصادر الطاقة لتجنب مشاكل إمدادات الغاز للصناعة والاستهلاك المحلي".
حاليًا، تجمع استراتيجية مصر بين التنويع والمرونة وأمن الطاقة على المدى الطويل، وسيُمكّن توقيع عقود جديدة مع شركات دولية وتطوير الموارد المحلية القاهرة من مقاومة ضغوط تل أبيب، يقول سعيد عكاشة: "تُدرك مصر أن تل أبيب قد لا تفي بالتزاماتها، وأن المسؤولين المصريين لا يُعوّلون على استمرار الاتفاقية، لذلك، تتضمن الخطة الاستراتيجية تلبية احتياجات الطاقة على المدى المتوسط، وخلق خيارات متعددة، بما في ذلك التعاون مع الشركات الدولية، وحتى روسيا".
مع ذلك، ونظرًا للتنسيق الاستراتيجي للولايات المتحدة مع السياسات الإقليمية للكيان الصهيوني، والتجربة التي مرّت بها مصر خلال حرب أوكرانيا، عندما باعت واشنطن غازها لشركائها الأوروبيين بأربعة أضعاف السعر، لا يُمكن للمسؤولين المصريين الاعتماد ببساطة على استمرار مشتريات الغاز الأمريكية، لضمان إمدادات طاقة مستدامة، ومنع تكرار سيناريوهات الضغط أو الابتزاز نفسها التي واجهتها تل أبيب، من الضروري أن تُوسّع القاهرة شبكة شركائها في مجال الطاقة، وأن تُوفّر خيارات بديلة متنوعة.
بشكل عام، وكما فشل الضغط العسكري للكيان الصهيوني حتى الآن في إجبار دول المنطقة على قبول سياسات تل أبيب، فإن اللجوء إلى النفوذ في مجال الطاقة للحصول على تنازلات سياسية لن يُكتب له النجاح، من خلال تنويع مسارات إمدادات الطاقة واستغلال الموارد المحلية، وخاصةً من قاع البحر الأبيض المتوسط، ستتمكن القاهرة من التغلب على قيود الطاقة وتعزيز موقفها الاستراتيجي والتفاوضي بشكل كبير ضد تل أبيب.
