الوقت - قبل أسبوع من الانتخابات البرلمانية العراقية المقررة في الـ 10 من نوفمبر/تشرين الثاني، تتجه الأنظار أكثر من أي وقت مضى إلى المنافسة الشديدة بين التيارات السياسية في بغداد، حيث يتبلور محور النقاش الانتخابي، والفائز في هذه الدائرة سيفوز عمليًا بالبرلمان بأكمله.
في هذه الجولة من الانتخابات، سينتخب الشعب العراقي 329 نائبًا للبرلمان الجديد، ولانتخابات بغداد نصيب خاص ودور محوري في هذا.
وفقًا للتعديلات الجديدة على قانون الانتخابات، سيعتمد نظام التصويت في العراق على نظام التمثيل النسبي "سانت ليغو"، وهو نظام يعترف بكل محافظة كدائرة انتخابية مستقلة، وفي هذا الإطار، تحظى بغداد بأكبر حصة بين المحافظات العراقية بـ 71 مقعدًا، هذا الرقم يعادل أكثر من خُمس إجمالي المقاعد البرلمانية، ما جعل المنافسة على مقاعد العاصمة عاملاً حاسماً في تشكيل ائتلاف الأغلبية، وفي نهاية المطاف اختيار رئيس الوزراء.
ولهذا السبب، ركزت الأحزاب والائتلافات الرئيسية جهودها على بغداد في الأسابيع الأخيرة، وسعت إلى استقطاب أصوات سكان هذه المحافظة من خلال التعبئة الإعلامية والحضور الميداني المكثف، في الواقع، لم يعد الفوز في بغداد مجرد نجاح انتخابي، بل يعني أيضاً اكتساب موقع متفوق في معادلة القوة وصنع القرار السياسي في العراق، والتي ستحدد مصير الحكومة المقبلة.
وجود أسماء بارزة في حملة بغداد
من أبرز ملامح هذه الفترة تواجد قيادات وطنية وشخصيات مؤثرة على القوائم الانتخابية في بغداد، فعلى عكس الفترات السابقة، دخلت الحركات السياسية ساحة المنافسة مستغلةً أقصى رصيد سياسي لها، وقد أعطى وجود سياسيين عراقيين معروفين جاذبية إضافية للحملة الانتخابية في بغداد.
في المعسكر السني، لا يزال محمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب السابق وزعيم ائتلاف "التقدم"، لاعبًا رئيسيًا، مستفيدًا من خبرته البرلمانية وشبكته السياسية الواسعة، يسعى الحلبوسي إلى توحيد أصوات السنة في بغداد وترسيخ مكانته كزعيم بلا منازع للتيار السني، إلا أن ظهور قوائم سنية متعددة، بما في ذلك ائتلاف "السيادة" بقيادة خميس الخنجر وائتلاف "العزم" بقيادة مثنى السامرائي، بالإضافة إلى قوائم مستقلة، أدى إلى تشتت الأصوات، ما قد يؤدي في النهاية إلى فوز حركات أكثر تماسكًا وقوة، وخاصة الشيعة.
على الصعيد الشيعي، يبدو مشهد المنافسة أكثر تعقيدًا، وفي الوقت نفسه أكثر حسمًا، يُظهر وجود قيادات بارزة، مثل محمد شياع السوداني في ائتلاف "حكومة الإعمار والتنمية"، ونوري المالكي في ائتلاف "دولة القانون"، وعمار الحكيم في "تيار الحكمة"، وقائمة هادي العامري المستقلة في الجناح السياسي لمنظمة بدر، أن بغداد ليست مجرد ساحة لكسب مقاعد لكل من هذه القوى، بل هي أيضًا اختبار لقياس النفوذ السياسي والشعبي، فكل نصر أو هزيمة في العاصمة ينعكس مباشرةً على موازين القوى الوطنية.
إلى جانب هؤلاء اللاعبين التقليديين، برزت أيضًا أحزاب مستقلة وقوائم محلية، ورغم تشتت هذه المجموعات وعدم بروزها، إلا أنها قادرة على لعب دور حاسم في بعض مناطق بغداد، لذلك، حوّل هذا التنوع في القوائم والمنافسة متعددة الأوجه الساحة الانتخابية في العاصمة إلى صورة مركزة للعراق بأكمله، حيث ينعكس التنوع العرقي والديني والسياسي للبلاد في أصغر أحيائها، ما قد يؤدي إلى تطورات سياسية مؤثرة.
التيار الصدري لا يزال تحديًا قائمًا
بينما تشهد معظم المدن العراقية حاليًا أجواءً انتخابيةً مُغطاةً بالملصقات الانتخابية، تتميز مدينة الصدر في بغداد بوجهٍ مختلف، إذ لا تفتقر فقط إلى حماس الانتخابات، بل تشهد أيضًا نوعًا من الدعاية العكسية، ما أضفى أجواءً إيجابيةً على شرق بغداد.
تُعدّ منطقة الصدرية، التي تُعتبر القاعدة الاجتماعية والسياسية لأنصار التيار الصدري، إحدى المناطق الرئيسية والمؤثرة في الانتخابات العراقية، ووفقًا للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، فإن قضاء الرصافة، الذي تقع مدينة الصدر شرقه، يضم أكبر عدد من الناخبين بين جميع المحافظات.
يُقدر عدد السكان المؤهلين للتصويت في هذه الدائرة، ذات الأغلبية الشيعية، بحوالي 2.3 مليون نسمة، في المقابل، يضم قضاء الكرخ، ذو الأغلبية السنية، غرب العاصمة، حوالي 1.9 مليون ناخب، يُظهر هذا الفارق الإحصائي أن مدينة الصدر تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل النتائج النهائية لانتخابات بغداد، وبالتالي تشكيل البرلمان العراقي بأكمله.
يعود سبب هذا الجو البارد والجامد في مدينة الصدرية إلى الغياب التام لمرشحي التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر في الانتخابات المقبلة، وقد أدى غياب شخصيات هذا التيار، التي لطالما لعب دورًا بارزًا بين سكان المنطقة، إلى خفوت الحماس الانتخابي في هذه المنطقة، وحلّت أجواء المقاطعة والصمت محلّ الحماس والحرارة المعتادين.
مقتدى الصدر، الذي زعزع استقرار العملية السياسية العراقية مرارًا وتكرارًا بمواقفه القاسية وقراراته غير المتوقعة في السنوات الأخيرة، سلك مسارًا مختلفًا هذه المرة أيضًا.
قبل أسبوع واحد فقط من الانتخابات، قاطع الانتخابات في رسالة على شبكة X، كتب فيها: "أعلم يقينًا أن قرار المقاطعة قرار صعب ومُرهق للكثيرين، لكن الوطن أثمن من أن يُباع للفاسدين وأنصارهم المخلصين".
نظراً لموقف مقتدى الصدر وغياب مرشحيه عن الانتخابات الحاسمة، فإن ذلك لم يُربك جزءاً من قاعدته الشعبية فحسب، بل قد يؤثر أيضاً على مستوى مشاركة الناخبين في بغداد، لأن مشاركة أو عدم مشاركة أنصار الصدر لطالما لعبت دوراً حاسماً في النتيجة النهائية للانتخابات، لذلك، قد يكون لعدم مشاركة التيار الصدري، وما يترتب عليه من انخفاض في أصوات دائرة بغداد، تأثير كبير على توزيع المقاعد.
أظهرت تجربة الانتخابات العراقية أن أي توتر في بغداد، وخاصة في بلدة الصدرية، يمكن أن يؤثر على العملية الانتخابية برمتها، لذلك، إذا رغب أنصار التيار الصدري في الاحتجاج يوم الانتخابات أو تعطيل مراكز الاقتراع، فمن المرجح أن تتخذ الأجواء في العاصمة طابعاً أمنياً، ورغم تأكيد قائد شرطة بغداد على عدم وجود خطط لفرض قيود على الحركة، إلا أن الوضع قد يتغير قريباً في حال حدوث انفلات أمني، في مثل هذه الحالة، سيزداد وجود قوات الأمن في الشوارع، وستُغلق الطرق، وستتحول بغداد إلى مدينة ذات طابع عسكري، لن يقتصر هذا الوضع على الحد من المشاركة الشعبية فحسب، بل سيُزعزع استقرار بغداد وطمأنينتها.
الأهمية الاستراتيجية لانتخابات بغداد
تكتسب انتخابات بغداد أهميتها لأن الممثلين المنتخبين لا يمثلون العاصمة فحسب، بل يلعبون أيضًا دورًا بارزًا في القرارات الرئيسية مثل انتخاب رئيس الوزراء والرئيس، لذلك، إذا تمكن ائتلاف من تحقيق فوز كبير في بغداد، فسيكون له نصيب وتأثير أكبر في مفاوضات تشكيل الحكومة، وهذا مهم بشكل خاص عندما يكون تشكيل البرلمان في حالة عدم وجود أغلبية مطلقة.
من ناحية أخرى، يمكن لنتيجة الانتخابات في بغداد أن تُحدد بوضوح الحدود بين الائتلافات الداعمة للحكومة المركزية والتيارات المقربة من القوى الأجنبية، في الواقع، سيُظهر التكوين النهائي لمقاعد العاصمة أي الطيف السياسي يتمتع بنفوذ ودعم شعبي أكبر، وسيكون قادرًا في النهاية على توجيه سياسات العراق الداخلية والخارجية.
من حيث الشرعية السياسية والرسالة العامة، يُنظر إلى ارتفاع أو انخفاض نسبة المشاركة في بغداد كمؤشر على ثقة الناس بالنظام الانتخابي، لذلك، إذا كانت هناك مشاركة واسعة في بغداد، فإن هذا الحماس السياسي يمكن أن ينتشر في جميع أنحاء العراق ويخلق موجة من الأمل والحضور الشعبي، أما إذا كانت الأجواء الانتخابية في العاصمة باردة وبلا حياة، فإن ظلالاً من انعدام الثقة واللامبالاة ستسود أيضاً في مناطق أخرى.
