الوقت- يشهد قطاع غزة اليوم اختبارًا صعبًا لثباته وصموده، وسط استمرار الانتهاكات الإسرائيلية وتلكؤ الاحتلال في تنفيذ الاتفاقات الدولية، فقد اتهم عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، غازي حمد، الكيان الإسرائيلي بالتلاعب في قوائم الأسرى الفلسطينيين والمماطلة في تطبيق بنود اتفاق وقف إطلاق النار، رغم تعهدها أمام الوسطاء الدوليين والولايات المتحدة الأمريكية.
ويأتي هذا الموقف في ظل تصاعد التوترات بين الالتزام الفلسطيني بتنفيذ الاتفاقات، ورفض الكيان الإسرائيلي الالتزام بما وقع عليه من تعهدات، بما يشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن والاستقرار في غزة ويزيد من معاناة المدنيين الفلسطينيين، وخصوصًا مع استمرار الحصار وتدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع.
خلفية الصراع وأهمية قطاع غزة
يعتبر قطاع غزة واحدًا من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، حيث يعيش أكثر من مليوني نسمة على مساحة لا تتجاوز 365 كيلومترًا مربعًا، ومنذ سيطرة حركة حماس على القطاع عام 2007، فرضت "إسرائيل" حصارًا مشددًا على المعابر والموانئ، ما أدى إلى صعوبات كبيرة في توفير الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والدواء والوقود.
كما أدى الحصار المستمر إلى أزمات متلاحقة في الصحة والتعليم والبنية التحتية، حيث شهدت المستشفيات نقصًا حادًا في الأدوية، وتوقف مرافق المياه والكهرباء، مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر، في المقابل، تحافظ المقاومة الفلسطينية على التزامها بالتصدي لأي اعتداءات إسرائيلية، وحماية المدنيين، ما يعكس إرادة شعبية قوية في مواجهة الاحتلال.
اتفاق وقف إطلاق النار وتخلف الكيان الإسرائيلي
تأتي تصريحات غازي حمد بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة برعاية دولية، شملت الوسطاء المصريين والقطريين والأتراك، وبحضور مراقبين أمريكيين، وينص الاتفاق على:
- وقف كامل لإطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.
- إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين مقابل الإفراج عن أسرى إسرائيليين.
- تسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، بما يشمل الغذاء والدواء والوقود.
- انسحاب القوات الإسرائيلية من مناطق محددة في غزة ووقف الاعتداءات.
إلا أن الكيان الإسرائيلي أظهر منذ اليوم الأول لتطبيق الاتفاق نكثًا للعهود، حيث استمرت في تقييد دخول المساعدات الإنسانية، وتلاعبت بقوائم الأسرى الذين كان من المقرر الإفراج عنهم، محذوفة أسماء بارزة مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات وإبراهيم حامد وعباس السيد، كما لم يلتزم الكيان الإسرائيلي بالانسحاب الكامل، واستمرت التهديدات بإعادة العدوان على غزة، ما يعكس تجاهلها للالتزامات الدولية والوسطاء الذين شهدوا الاتفاق.
التزام المقاومة الفلسطينية وصمودها
على النقيض، تلتزم حركة حماس بكل بنود الاتفاق، وتعمل بتنسيق كامل مع الوسطاء لضمان تنفيذه على أرض الواقع، وقد أكد غازي حمد أن حماس أتمت جميع الترتيبات اللازمة لإتمام عملية تبادل الأسرى خلال المهلة المحددة، وتتابع التطورات "بغرفة عمليات مشتركة" تشمل الوسطاء من مصر وقطر وتركيا والصليب الأحمر.
هذا الالتزام يعكس استراتيجية المقاومة في:
- حماية المدنيين من الهجمات الإسرائيلية.
- الحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية في مواجهة الضغوط الدولية والإقليمية.
- تعزيز موقف فلسطين في المحافل الدولية من خلال الالتزام بالاتفاقات، رغم المماطلة الإسرائيلية.
ويضيف هذا الالتزام قوة للموقف الفلسطيني، ويزيد من مصداقية المقاومة أمام المجتمع الدولي.
الأبعاد الإنسانية لتلكؤ الكيان الإسرائيلي
تسببت المماطلة الإسرائيلية في تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، والتي تشمل:
- تأخير دخول المساعدات الطبية والغذائية، ما يهدد حياة آلاف المدنيين، وخاصة الأطفال والنساء وكبار السن.
- نقص الوقود والكهرباء، ما أدى إلى توقف تشغيل المستشفيات ومرافق المياه والصرف الصحي.
- تعطيل مشاريع الإعمار، نتيجة القيود على دخول مواد البناء، ما أثر على إعادة بناء المنازل المدمرة.
- زيادة النزوح الداخلي، مع استمرار الهجمات وتهديدات الاحتلال بإعادة الحرب.
وقد وصف خبراء أمميون الوضع في غزة بأنه "كارثة إنسانية"، وحذروا من تداعيات استمرار المماطلة الإسرائيلية على حياة المدنيين.
الردود الدولية على تخلف الكيان الإسرائيلي
على الرغم من التنديدات الدولية المتكررة، إلا أن الضغط على الكيان الإسرائيلي ظل محدودًا، فقد أصدرت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان بيانات تنتقد تخلف الاحتلال عن تنفيذ الاتفاقات، وطالبت بتسهيل دخول المساعدات الإنسانية وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين.
ومع ذلك، تبقى الدول الكبرى، وخصوصًا الولايات المتحدة، في موقف متأرجح بين الضغط على "إسرائيل" والحفاظ على تحالفاتها الاستراتيجية، ما يجعل نجاح الاتفاق رهينًا بإرادة دولية أقوى لضمان التزام الاحتلال.
أهمية الضمانات الدولية
أكد غازي حمد أن المرحلة الحالية تتطلب ضمانات دولية صارمة لتثبيت وقف إطلاق النار ومنع أي تصعيد جديد. وتشمل هذه الضمانات:
- متابعة تنفيذ بنود الاتفاق على الأرض بشكل يومي.
- مراقبة الانتهاكات الإسرائيلية ومعاقبة المخالفين.
- توفير دعم دبلوماسي مستمر للضغط على الاحتلال لضمان احترام الاتفاق.
- تأمين دخول المساعدات الإنسانية دون عوائق، خصوصًا المواد الطبية والغذائية.
ويشير حمد إلى أن نجاح الاتفاق يعتمد على قدرة المجتمع الدولي على فرض رقابة حقيقية على سلوك "إسرائيل"، ووقف أي محاولات لتقويض الاتفاق.
التحديات المستقبلية ومسار المرحلة الثانية
قال حمد إن المرحلة التالية من الاتفاق ستتضمن قضايا إدارة القطاع، والوجود الدولي المحتمل، ومتابعة ملف الأسرى والمساعدات الإنسانية، وأكد أن حماس ستعمل ضمن إطار وطني موحد مع الفصائل الفلسطينية لضمان نجاح أي خطوات مستقبلية، مع الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني.
وأضاف إن الاحتلال لم يتوقف عن التهديد بالعودة إلى الحرب، ما يجعل الضمانات الدولية والعربية ضرورة ملحة لمنع أي تصعيد، وضمان استقرار الوضع في القطاع.
يبقى التزام المقاومة الفلسطينية نموذجًا حقيقيًا للصمود الوطني في مواجهة الاحتلال، الذي يواصل المماطلة والتلاعب في تنفيذ الاتفاقات الدولية، وتعكس تصريحات غازي حمد أن نجاح اتفاق وقف إطلاق النار مرتبط مباشرة بقدرة المجتمع الدولي على فرض رقابة صارمة، وضمان التزام "إسرائيل" بتنفيذ تعهداتها.
إن استمرار التخاذل الإسرائيلي يهدد حياة المدنيين ويزيد من المعاناة الإنسانية، ويؤكد الحاجة إلى موقف دولي وعربي حازم يضمن وقف العدوان، وإعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ويهيئ الطريق لتحقيق حرية واستقلال فلسطين.