الوقت- تعيش أروقة الكيان الصهيوني حالة من القلق العميق، بعد أن بدأت تلوح في الأفق لحظة الحقيقة التي حاول إخفاءها طويلاً. فمع اقتراب دخول وسائل الإعلام العالمية إلى قطاع غزة بعد أكثر من عامين من التعتيم، يخشى قادة الكيان من أن يرى العالم الصورة الكاملة لدمار شامل خلّفته آلة الحرب. هذا الخوف ليس من الكاميرات فحسب، بل من الحقيقة التي ستظهر في كل بيت حول العالم. فالمشاهد المنتظرة من غزة قد تشكّل صدمة أخلاقية وإنسانية غير مسبوقة، تُعيد تعريف مفهوم الإبادة في الوعي العالمي، وتضع الكيان الصهيوني في مواجهة مباشرة مع ضمائر الشعوب. إنها ليست مجرد صور لركام، بل شهادة مرئية على جريمة مكتملة الأركان، قد تغيّر موازين الرأي العام الدولي، وتُعرّي الأكاذيب التي حاول الإعلام الصهيوني ترسيخها لسنوات طويلة.
الإعلام العالمي يدخل غزة… والعالم يستيقظ على الكارثة
بعد سنوات من الحصار الإعلامي الصارم، يوشك الباب أن يُفتح أمام الصحفيين الدوليين لدخول قطاع غزة، ليواجهوا واقعًا يفوق التصورات. الكيان الصهيوني يدرك تمامًا أن الصور التي ستُلتقط لن تكون مجرد مشاهد حرب، بل ستكون وثائق إدانة إنسانية وتاريخية. فالأحياء التي كانت تضج بالحياة أصبحت أطلالًا، والمستشفيات والمدارس تحولت إلى رماد. هذه المشاهد ستُبث في نشرات الأخبار، وعلى شاشات الهواتف، وستصل إلى قلوب الملايين في لحظات. وهنا تكمن الصدمة التي يخشاها الكيان؛ إذ لن يتمكن من التحكم في السرد أو تزييف الحقيقة كما فعل طيلة فترة الحرب. فالصورة القادمة من غزة ستتحدث بلغة لا تحتاج إلى ترجمة: لغة الألم والعدالة. ومع كل قصة تُروى، سيسقط جزء آخر من الجدار الذي بناه الإعلام الصهيوني حول نفسه، وسينكشف الوجه الحقيقي لمن مارس القتل والدمار تحت غطاء “الدفاع عن النفس”.
من هيروشيما إلى غزة… ذاكرة الدمار تتجدد
يشبّه بعض المحللين حجم الدمار في غزة بمأساة هيروشيما عام 1945، لكن الفرق أن العالم اليوم يشاهد الكارثة في بث مباشر. لم تعد الصور تنتظر عقودًا لتُنشر في كتب التاريخ، بل تنتقل فورًا إلى كل شاشة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هذا الفضاء المفتوح جعل من الكيان الصهيوني عاجزًا عن إخفاء جرائمه أو تزييف روايته. فالمقاطع التي ستخرج من غزة لن تُنسى، وستتحول إلى ذاكرة جمعية جديدة تضع غزة في مصاف المدن التي شهدت أكبر المآسي في العصر الحديث. المقارنة مع هيروشيما ليست في حجم الدمار فقط، بل في رمزية الصدمة الأخلاقية التي ستتركها. وكما غيّرت هيروشيما نظرة العالم إلى الحرب النووية، قد تغيّر غزة نظرة البشرية إلى الحروب الحديثة وسياسات الإبادة الجماعية التي تُمارس ضد المدنيين العزّل. إنها لحظة مواجهة بين الحقيقة والكذب، بين الضحية والجلاد، بين الإنسانية والوحشية.
الكيان الصهيوني أمام محكمة الرأي العام العالمي
الكيان الصهيوني يخوض اليوم معركة خاسرة في ميدان جديد: ميدان الوعي العالمي. فبعد أن فقد السيطرة على الصورة، لم يعد بإمكانه تبرير الجرائم أو الالتفاف على الحقائق. الشعوب الغربية التي كانت تُغذّى برواية “الدفاع عن النفس” بدأت تشكك في كل ما قيل. المنظمات الحقوقية، والناشطون، ووسائل الإعلام المستقلة، جميعهم يستعدون لتوثيق الجرائم بالدلائل المرئية. وهذه الموجة الإعلامية المرتقبة قد تتحول إلى موجة قانونية وسياسية تضرب شرعية الكيان في العمق. في زمن أصبحت فيه الصورة أقوى من السلاح، لم يعد القمع كافيًا لإسكات الضحايا. كل مشهد من غزة سيكون صرخة في وجه العالم، وكل صورة لطفل بين الأنقاض ستكون وثيقة تلاحق من أمر بالقصف، ومن برّر، ومن صمت. هكذا، يجد الكيان نفسه أمام أخطر معركة في تاريخه الحديث — معركة الحقيقة التي لا يمكن الانتصار فيها بالقوة.
تهاوي الدعاية الصهيونية أمام الحقيقة المجرّدة
لطالما اعتمد الكيان الصهيوني على آلة دعائية ضخمة لتلميع صورته أمام العالم، فأنفق المليارات على الإعلام والعلاقات العامة، ونسج رواية زائفة تُظهره كضحية محاطة بـ"الأعداء". غير أن هذه الرواية بدأت تتهاوى أمام سيل الحقائق المرئية القادمة من غزة. فالمشهد الميداني لا يمكن تزويره، وصوت الطفل الذي يبحث عن عائلته تحت الركام لا يمكن تغطيته بأي بيان سياسي. اليوم، يجد الكيان نفسه عاجزًا عن مجاراة سرعة انتشار الحقيقة في زمن الإعلام الرقمي، حيث المواطن البسيط بات مراسلًا يحمل هاتفه ليبث الحقيقة فورًا إلى العالم. هذه التحولات ألغت قدرة المؤسسات الصهيونية على احتكار السرد، وفضحت أساليبها في التضليل والتلاعب بالعواطف. ومع كل مقطع جديد يخرج من غزة، ينهار جزء آخر من جدار الأكاذيب الذي بُني لعقود طويلة. فالعالم لم يعد يصدق الرواية الرسمية، بل بدأ يرى الأمور بعين الضمير الإنساني. إنها لحظة انتصار الحقيقة على التزييف، وتحول الكاميرا من أداة إعلامية إلى سلاح للعدالة.
في النهاية، ما يخيف الكيان الصهيوني ليس الكاميرا بحد ذاتها، بل ما ستقوله الصورة للعالم أجمع. فالحقيقة التي حاول دفنها تحت الركام ستخرج من بين الأنقاض، تحمل وجوه الأطفال، وصوت الأمهات، ودموع الناجين. هذه المشاهد لن تكون مجرد توثيق لدمار مدينة، بل شهادة حيّة على عصر كامل من الظلم والصمت الدولي. ومع كل صورة تُبث، سيتآكل خطاب “الأمن” و”الردع” و”محاربة الإرهاب”، ليحل محله خطاب أكثر وضوحًا: خطاب الإدانة والمساءلة. وفي النهاية، قد لا تغيّر الصور موازين القوى العسكرية، لكنها قادرة على تغيير الوعي الإنساني العالمي، وهو السلاح الأشد فتكًا بالكيان الذي بنى وجوده على رواية مزيفة. إن لحظة الحقيقة قادمة، وحين تصل، سيسقط القناع، وتبقى غزة — رغم جراحها — شاهدة على أن قوة الصورة قد تهزم أعتى آلة حرب عرفها هذا العصر.