الوقت - أماطت المجلة الأمريكية “نشنال إنترست” اللثام عن حقيقة دامغة مفادها بأن تجاهل تهديد الصواريخ الإيرانية فائقة السرعة، ضرب من ضروب العمى الاستراتيجي، فالجمهورية الإسلامية تكتنز في سراديبها الجوفية ومستودعاتها الحصينة آلافاً من الصواريخ المتطورة التي تمثل سهماً نافذاً في خاصرة أمن الكيان المحتل.
وعلى الرغم من اعتلاء تل أبيب، بإسناد أمريكي سافر، صهوة المزايا العسكرية الجمة، فقد بات جلياً للعيان أن جولتها الأولى في حزيران/يونيو ضد إيران باءت بالإخفاق الذريع، ولولا هذا الفشل المبين، لما هرعت الولايات المتحدة إلى إعادة نشر أساطيلها في المنطقة، وشحذ سيوفها استعداداً لجولة ثانية من المواجهة مع طهران.
وفوق ذلك، تمتلك إيران منظومات دفاعية وهجومية تجعل أي عدوان عليها مغامرةً محفوفةً بالمخاطر الجسام، ففي ساحة حرب افتراضية بين الكيان الصهيوني وإيران، تضع طهران في ميزان المعركة ترسانةً هائلةً من الصواريخ الفتاكة، ولا سيما الأسلحة فائقة السرعة، التي تستطيع أن تقلب موازين أي هجوم يحيكه الصهاينة، وتتربع الصواريخ فائقة السرعة “فتاح-1” و"فتاح-2" على عرش هذه المنظومة، بوصفها حجر الزاوية في منح إيران قبضةً هجوميةً لا تقهر وغير نووية.
وما لا ريب فيه أن هذين الصاروخين الجبارين سيشكّلان رأس الحربة في أي رد انتقامي ضد الكيان الصهيوني، وستنسج إيران خيوط استراتيجيتها الهجومية بإدماج هاتين المنظومتين في سيل جارف من المسيّرات الأبطأ، وصواريخ “شاهد” الجوالة، والصواريخ الباليستية التقليدية كـ"قدر" و"عماد"، وغاية هذا النسيج المحكم إغراق الدرع الدفاعي الإسرائيلي في طوفان من التهديدات المتزامنة، ما يرغمه على التضحية ببعضها للتصدي للبعض الآخر، وهنا تنبري الصواريخ فائقة السرعة كسيف قاطع يشقّ حجب الدفاعات، مستثمرةً سرعتها الخارقة للوصول قبل سواها وفتح ثغرات تلج منها الموجات اللاحقة.
وقد تجلت نجاعة هذه الاستراتيجية في أواخر الحرب التي استعرت اثني عشر يوماً، حين نجحت إيران، خلافاً لمزاعم جيش الاحتلال الأولى، في إطلاق رشقات صاروخية أحالت مناطق في قلب المدن الكبرى كتل أبيب إلى أنقاض وركام، ولو امتد أوار المعركة على هذا المنوال، لكان بمقدور الإيرانيين إنزال ضربات أشدّ فتكاً وأنكى أثراً بالكيان الصهيوني من خلال قذائفهم الصاروخية، إذ إن منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية كانت ستغرق تحت وطأة السيل الهادر من التكتيكات الهجومية.
ومنذ معرکة حزيران/يونيو، استنفرت "إسرائيل" طاقاتها كافةً لتجديد مخزونها المستنزف من الصواريخ الاعتراضية، وترميم شبكة دفاعها الجوي المتهاوية، غير أن الإيرانيين لم يطلقوا من جعبتهم سوى نزر يسير من ترسانتهم الصاروخية والمسيّرة الهائلة، وحين تندلع شرارة الجولة القادمة من المواجهة، قد تعقد القيادة الإيرانية العزم على إطلاق العنان لقدراتها الضاربة بصورة كاملة.
وقد تستهدف الوحدات الصاروخية الإيرانية - متخذةً من “فتاح-1” أو “فتاح-2” رأس حربة مخترقة - قواعد جوية إسرائيلية حيوية مثل “نيفاتيم” أو “بالماخيم” لشل أجنحة الطائرات المقاتلة وتقويض التفوق الجوي الإسرائيلي، أو مراكز القيادة لبثّ الوهن في أوصال التنسيق. وفي غمار هجمات حزيران/يونيو 2025، أفادت تقارير موثوقة بأن صواريخ “فتاح” اخترقت هذه المعاقل رغم الدروع الإسرائيلية، مبرهنةً على قدرتها الفذة على اختراق أنظمة مناعة كـ"آرو-3".
ويتسم صاروخ “فتاح-2” الانزلاقي فائق السرعة بميزة فريدة تتجلى في قدرته على تبديل مساره في عنان السماء لتفادي الاعتراض، ما يجعله سلاحاً مثالياً للتملص من أشراك الرادار واقتناص الأهداف المتحركة أو المحصنة.
ولصدّ التدخل الأمريكي عبر حاملات الطائرات الهجومية أو القواعد الإقليمية، من المرجح أن توجّه إيران سهامها أيضاً صوب المنشآت الأمريكية الواقعة في مرمى صواريخها - ولا سيما قاعدة العديد الجوية في قطر، وقاعدة الظفرة الجوية في الإمارات، والقاعدة البحرية الأمريكية الرئيسية في البحرين، أو القطع البحرية المنفردة في مياه الخليج الفارسي.
إن زمن عبور صواريخ “فتاح” القصير - أقل من سبع دقائق لأهداف تنأى أكثر من ستمائة ميل - سيكبّل أيدي الرد الأمريكي، بغية إلحاق الضرر قبل هبوب نجدات القوات الداعمة، ومن اللافت للنظر أن الإيرانيين، خلال الحرب التي استعرت اثني عشر يوماً، لم يبذلوا جهداً كبيراً لتهديد المنشآت الأمريكية في المنطقة، باستثناء هجوم واسع النطاق على العديد في أواخر أيام المعركة.
بيد أنه إذا تبنى القادة الإيرانيون تقييماً مغايراً للموقف، فقد يعقدون العزم على مهاجمة الأهداف الأمريكية بكل ما أوتوا من قوة. تمثّل الصواريخ الإيرانية معضلةً حقيقيةً تؤرّق مضاجع "إسرائيل" وأمريكا، ويعزّز عنصر السرعة الفائقة من الردع النفسي، إذ قد تعجز الأنظمة الأمريكية، مثل “باتريوت” أو منظومة الدفاع عن المنطقة في الارتفاعات العالية (THAAD)، عن مجاراة تهديدات شديدة المراوغة مثل “فتاح-2”.
ولا يملك الغرب اليوم درعاً واقيةً موثوقةً ضد هذه الأسلحة الفتاكة، بينما يكتنز الإيرانيون في جعبتهم ترسانةً ضخمةً، والخسائر التي ستلحق بالأعداء ستفوق بمراحل ما يتصوره كثيرون في واشنطن وتل أبيب.