الوقت- أفادت تقارير ميدانية من جنوب سوريا بوقوع حادثة غير مسبوقة تمثلت في قيام قوات إسرائيلية باعتقال مجموعة من المقاتلين التابعين لـ أبو محمد الجولاني، الذي يُعرف بصفته رئيس ما تُسمى الحكومة المؤقتة في شمال سوريا، هذه العناصر، التي تنشط في ريف درعا قرب خط الجولان المحتل، تم تجريدها من أسلحتها وإجبارها على خلع ملابسها، في مشهد حمل أبعاداً تتجاوز الاعتقال العسكري التقليدي، الحادثة أعادت تسليط الضوء على واقع الجنوب السوري، وعلى مدى قدرة الأطراف المحلية والإقليمية على فرض نفوذها هناك.
الدلالة الرمزية للإهانة
إجبار عناصر عسكرية أو شبه عسكرية على التعري أمام الكاميرات لا يمكن اعتباره إجراءً عادياً، بل هو أسلوب متعمد لإذلال الخصم وإضعاف رمزيته. هذه العناصر لا تمثل نفسها فقط، بل ترتبط بالجولاني الذي يقود ما تُسمى الحكومة المؤقتة في شمال سوريا، ويتزعم تشكيلات مسلحة تابعة له، وبالتالي، فإن إذلال مقاتليه في الجنوب يشكّل ضربة مباشرة لصورته وشرعيته أمام أنصاره، الرسالة الإسرائيلية هنا واضحة ومزدوجة: كسر معنويات أتباع الجولاني، وإبراز التفوق الميداني والنفسي في الوقت نفسه.
سياق أمني معقد في الجنوب
منطقة درعا لطالما كانت ساحة للتداخل الأمني، الفصائل المسلحة فيها تختلف عن تلك الموجودة في الشمال من حيث التركيب والولاءات، لكنها تبقى جزءاً من المشهد السوري المنقسم، وجود عناصر تابعة للجولاني في هذه المنطقة يعكس محاولة لتوسيع نفوذ الحكومة المؤقتة خارج معاقلها التقليدية، غير أن هذه المحاولة تصطدم بعاملين: أولاً الحضور الإسرائيلي القوي على الحدود الذي لا يسمح بأي قوة قد تُشكل خطراً، وثانياً التوازنات المحلية التي تتسم بالهشاشة والاضطراب.
الصمت الرسمي وتداعياته
المفارقة الأبرز في هذه الحادثة هي غياب أي رد رسمي أو حتى إعلامي من جانب الحكومة المؤقتة أو من الجولاني نفسه. هذا الصمت يطرح تساؤلات: هل هو إقرار بالعجز؟ أم محاولة لتجنب الاعتراف بالحادثة حتى لا تتحول إلى فضيحة علنية داخل صفوفه؟ الأرجح أن الجولاني يدرك أن التعليق المباشر على حادثة كهذه لن يخدم صورته، بل قد يعمّق حالة الإحراج التي يواجهها بعد إهانة عناصره، وفي المقابل، الصمت السوري الرسمي من جهة دمشق لا يقل دلالة، إذ يعكس ضعف السيطرة على الجنوب وتراجع القدرة على الردع في مواجهة "إسرائيل".
قراءة في الاستراتيجية الإسرائيلية
"إسرائيل" لا تكتفي بضرب الأهداف العسكرية أو اللوجستية، بل تلجأ إلى وسائل ذات طابع رمزي واستعراضي، تعرية عناصر الجولاني رسالة بأن أي قوة تحاول التمدد قرب حدودها ستواجه بأساليب غير تقليدية، لا تقتصر على القصف أو الاغتيال، بهذا، تحقق "إسرائيل" أكثر من هدف: إنها تُحرج الجولاني أمام أتباعه، وتبعث برسالة إلى دمشق وإلى داعميها الإقليميين، وتؤكد في الوقت نفسه أنها صاحبة الكلمة الفصل في معادلات الجنوب.
التداعيات على نفوذ الجولاني
بالنسبة للجولاني، الذي يحاول منذ سنوات الانتقال من صورة قائد فصيل جهادي إلى زعيم سياسي يدير كياناً مدنياً في الشمال، تأتي هذه الحادثة كصفعة قوية، إذلال عناصره في العلن يضعف أي محاولة للتسويق لنفسه كقائد قادر على حماية أتباعه أو توسيع سلطته، بل قد تدفع الحادثة إلى تآكل مكانته بين الفصائل الأخرى التي ستنظر إليه باعتباره عاجزاً عن رد الاعتبار حتى لمقاتليه، داخلياً، قد تتراجع ثقة المجتمع المحلي في مناطق سيطرته بقدرته على الصمود أمام خصوم أقوياء كـ"إسرائيل".
الانعكاسات على الجنوب السوري
هذه الحادثة تترك آثاراً مباشرة على التوازنات الهشة في درعا، فمن جهة، تُضعف الروح المعنوية لأي مجموعات مرتبطة بالجولاني، ما قد يدفع بعضها إلى البحث عن حماية بديلة عبر دمشق أو أطراف إقليمية أخرى، ومن جهة ثانية، تشجع "إسرائيل" فصائل محلية أخرى على إبقاء مسافة بينها وبين الجولاني، تفادياً للتعرض لمصير مشابه، والنتيجة المحتملة هي إضعاف أي محاولة لتثبيت نفوذ "الحكومة المؤقتة" في الجنوب، وإبقاء المنطقة رهينة للتجاذبات الخارجية.
البعد الإقليمي والدولي
هذه الحادثة ليست مجرد تفصيل داخلي، فهي تحمل بعداً إقليمياً، لأنها تُظهر أن "إسرائيل" مستمرة في لعب دور المهيمن على حدودها الشمالية، وأنها لن تتسامح مع أي وجود عسكري قد يتصل بمحور معادٍ لها، في الوقت ذاته، تكشف عن عجز المجتمع الدولي عن فرض قواعد ردع متوازنة، حيث يتم التعامل مع مثل هذه الانتهاكات كأحداث جانبية، من دون محاسبة أو إدانة فعلية، وهنا تكمن خطورة الأمر: غياب أي ضغط خارجي يفتح الباب أمام تكرار مثل هذه العمليات، وربما بشكل أكثر قسوة في المستقبل.
الحرب النفسية كسلاح بديل
المشهد الذي ظهر فيه مقاتلون تابعون للجولاني عراة بعد اعتقالهم يلخص جوهر الحرب النفسية في المنطقة. فالصورة قد تكون أبلغ من أي بيان سياسي أو عملية عسكرية، إنها رسالة تقول إن القوة ليست في عدد المقاتلين ولا في امتلاك السلاح فقط، بل في القدرة على تحطيم الخصم معنوياً، وبذلك، تضرب "إسرائيل" عصفورين بحجر واحد: تضعف الجولاني أمام جمهوره، وتؤكد لجيرانه أن مجرد التفكير في التحدي سيقابَل بمشهد إذلال قد لا يُمحى بسهولة.
ما وراء الحادثة
الحادثة تكشف عن مأزق مزدوج. فمن جهة، تُظهر استمرار "إسرائيل" في فرض قواعد اشتباكها الخاصة بالجنوب السوري عبر أساليب غير تقليدية، ومن جهة ثانية، تفضح حدود نفوذ الجولاني وعجزه عن حماية عناصره أو الرد على إهانة بهذا الحجم، الجنوب السوري يبقى ساحة مفتوحة للصراع الإقليمي، حيث تختلط الرسائل العسكرية بالرمزية النفسية، وبالنسبة للجولاني تحديداً، فإن هذه الحادثة قد تشكل نقطة تحول سلبية في مسيرته، لأنها تقوض مشروعه السياسي والعسكري معاً، وتضعه أمام معضلة فقدان الشرعية أمام حلفائه وخصومه على حد سواء.