الوقت- تعيش منطقة شرق الفرات في سوريا على وقع توتر متصاعد منذ أسابيع، مع تزايد الأنباء عن تحضيرات ميدانية وعسكرية لشنّ عملية واسعة تستهدف مواقع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في محافظتي الرقة ودير الزور، صحيفة ذا نشنال البريطانية كشفت أن القوات التابعة لـ"الحكومة السورية المؤقتة" تستعد لتنفيذ هجوم واسع في أكتوبر المقبل، انطلاقاً من البادية الممتدة بين تدمر والرقة، هذا التطور يضع المشهد السوري أمام فصل جديد من الصراع المعقد، حيث تتقاطع فيه حسابات دمشق، وطموحات قسد، وأجندات اللاعبين الإقليميين والدوليين.
خلفية الصراع: عقدة شرق الفرات
منذ سنوات بات شرق الفرات واحداً من أعقد ملفات الحرب السورية، فالمناطق التي تسيطر عليها قسد بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة تشكل ما يشبه "الإقليم المستقل"، من حيث الإدارة الذاتية والقدرات العسكرية، في المقابل، ترى دمشق أنّ هذه السيطرة "غير شرعية" وتمثل انتقاصاً من سيادة الدولة السورية، لذلك لم تتوقف محاولات النظام وحلفائه لاستعادة السيطرة، سواء عبر المفاوضات أو عبر الضغط العسكري غير المباشر، وتبرز أهمية محافظتي الرقة ودير الزور في هذا الصراع، فالرقة التي كانت يوماً عاصمة لتنظيم داعش تمثل قيمة رمزية وسياسية، بينما دير الزور الغنية بالنفط والغاز تعد مفتاحاً حيوياً للاقتصاد السوري.
فشل المفاوضات: الطريق إلى المواجهة
تشير تقارير ميدانية إلى أن جولات التفاوض بين دمشق وقسد لم تصل إلى نتائج ملموسة، دمشق طالبت بعودة مؤسسات الدولة ورفع العلم السوري على المقرات الحكومية، بينما أصرّت قسد على الاحتفاظ بهيكلها العسكري والإداري ضمن صيغة "الإدارة الذاتية"، هذا الانسداد دفع الطرفين تدريجياً إلى حافة التصعيد، بالنسبة لدمشق، لم يعد مقبولاً ترك شرق الفرات كمنطقة خارجة عن السيطرة، بينما ترى قسد أنّ أي تنازل قد يعني نهاية مشروعها السياسي، وهو ما يفسر الاستعدادات المتسارعة لمرحلة جديدة من المواجهة.
العملية المرتقبة: ماذا نعرف حتى الآن؟
وفق تقرير صحيفة ذا نشنال، فإن القوات التابعة للحكومة السورية المؤقتة المدعومة بشكل غير مباشر من دمشق تخطط لشنّ هجوم عسكري واسع في أكتوبر 2025، ومنطقة الانطلاق ستكون البادية الممتدة بين تدمر والرقة، فيما يتركز الهدف على السيطرة على مدينتي الرقة ودير الزور وطرد قوات قسد منهما. وتفيد المؤشرات بأن استعدادات لوجستية وميدانية تجري على الأرض، مع وجود إشارات إلى تنسيق بين وحدات الجيش السوري وبعض التشكيلات المحلية. مجرد الحديث عن هذه العملية أثار قلقاً واسعاً في صفوف قسد وسكان المنطقة، كما دفع التحالف الدولي إلى متابعة التطورات بدقة.
الحسابات الإقليمية والدولية: عقدة إضافية
أي عملية عسكرية في شرق الفرات لا يمكن النظر إليها بمعزل عن سياق الصراع الدولي والإقليمي في سوريا، فالولايات المتحدة ما زالت تحتفظ بوجود عسكري محدود في قواعد بالحسكة ودير الزور بهدف حماية آبار النفط ودعم قسد، ما يجعلها طرفاً معنيّاً مباشرة بأي تصعيد. في المقابل، تدعم روسيا دمشق بقوة وتعتبر أن استعادة شرق الفرات خطوة أساسية لإعادة السيادة على كامل الأراضي السورية، أما تركيا فترى في قسد امتداداً لحزب العمال الكردستاني، وقد ترحب بأي عملية تضعفها، لكنها لا ترغب في تعزيز مفرط لنفوذ النظام قرب حدودها.
السيناريوهات المحتملة للتطورات
انطلاقاً من هذه المعطيات، يبدو المشهد مفتوحاً على عدة احتمالات، السيناريو الأول هو اندلاع عملية عسكرية واسعة النطاق تؤدي إلى معارك شرسة في الرقة ودير الزور، وهو ما قد يستدعي تدخلاً أميركياً محدوداً لعرقلة تقدم قوات النظام، السيناريو الثاني يتمثل في تصعيد محدود يقتصر على اشتباكات في محيط البادية أو على أطراف المدن بهدف الضغط على قسد وإجبارها على تقديم تنازلات سياسية، أما السيناريو الثالث فيرجّح أن يكون التلويح بالهجوم مجرد ورقة ضغط سياسية تدفع قسد إلى العودة إلى طاولة المفاوضات وقبول تسوية جديدة بضمانات روسية.
المخاطر الإنسانية: المدنيون الحلقة الأضعف
بعيداً عن الحسابات العسكرية والسياسية، يظل المدنيون في الرقة ودير الزور هم الأكثر عرضة للخطر، المنطقة تضم مئات الآلاف من السكان الذين عانوا خلال السنوات الماضية من ويلات الحرب ومن سيطرة داعش ومن الغارات الجوية المدمرة، أي معركة جديدة ستعني نزوحاً واسعاً وتفاقماً للأزمة الإنسانية، خاصة مع هشاشة البنية التحتية والخدمات الصحية والإغاثية، كما أن التنافس على السيطرة على حقول النفط والغاز في دير الزور قد يؤدي إلى تدمير مزيد من الموارد الحيوية، وهو ما سينعكس سلباً على مستقبل المنطقة بأكملها.
على أعتاب مواجهة مفصلية
الحديث عن "طبول الحرب شرق الفرات" لم يعد مجرد تهويل إعلامي، بل يعكس واقعاً ميدانياً متوتراً واستعدادات جادة على الأرض، دمشق تبدو مصممة على استعادة الرقة ودير الزور، بينما تتمسك قسد بمكاسبها بدعم أمريكي، وبين هذين الطرفين تقف قوى إقليمية ودولية تترقب وتستعد لاستثمار أي تغيير ميداني بما يخدم مصالحها، المشهد معقد ومفتوح على احتمالات شتى، من الحرب الشاملة إلى التسوية السياسية تحت الضغط، لكن المؤكد أن شرق الفرات سيظل خلال الأشهر المقبلة ساحة ساخنة تحدد نتائجها ملامح مستقبل الأزمة السورية.