الوقت- يشهد الكيان الصهيوني سلسلة من الأزمات السياسية والعسكرية المتشابكة، تكشف عن عمق مأزقه الداخلي وفشل استراتيجيته الإقليمية، هذا الفشل لم يعد خافياً على المراقبين والخبراء، بل أصبح مادة للنقاش العلني حتى داخل أروقة الحكم في تل أبيب.
تصريحات بنيامين نتنياهو الأخيرة، التي حاول من خلالها تبرير سياساته تجاه غزة وإيران، ليست إلا محاولة يائسة لإعادة رسم صورة مهتزة لرجل فقد جزءاً كبيراً من رصيده السياسي الفاشل، فهو، في الوقت الذي يدّعي فيه الحرص على أمن المجتمع الصهيوني، يتجاهل الأزمات البنيوية التي صنعتها سياساته العدوانية والعنصرية.
كما تكشف تصريحاته عن تخبط واضح، حيث يحاول الجمع بين التهديد والتهدئة، وبين الخطاب الأمني المتشدد ومحاولات التلميع السياسي. وفي ظل هذا المشهد، يصبح من الضروري قراءة هذه المواقف من منظور نقدي، يكشف حجم التناقضات، ويفضح الخطاب الدعائي الذي يحاول الكيان الصهيوني تسويقه في الداخل والخارج.
نتنياهو بين الانقسام الداخلي وانهيار الخطاب الدعائي
تصريحات نتنياهو الأخيرة تعكس حجم الانقسام العميق داخل الكيان الصهيوني، حيث أقرّ بأنه يتعرض لضغوط من التيار اليميني، وأن عدداً من الشخصيات السياسية قد غادرت حكومته، هذا الاعتراف لا يمكن قراءته إلا بوصفه مؤشراً على تآكل شرعيته السياسية، وفقدانه القدرة على الحفاظ على وحدة الصف الداخلي. ما يزيد الأمر خطورة هو أن هذه الانقسامات تأتي في وقت يواجه فيه الكيان تحديات أمنية واقتصادية متصاعدة. الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ عامين ضد سياساته، والتي وصفها بأنها "تفتقر إلى الرؤية"، تكشف عن فجوة متنامية بين القيادة والجمهور، هذا الفشل السياسي يضعف قدرة الكيان على التفاوض، ويحد من هامش المناورة الاستراتيجية، ويجعل خطابه الأمني مجرد غطاء لضعف داخلي متنامٍ.
التوظيف الدعائي للملف الإيراني والابتزاز الإنساني في ملف غزة
أحد المحاور الرئيسية في تصريحات نتنياهو كان التركيز على ما وصفه بـ"التهديد الإيراني"، عبر البرنامجين النووي والصاروخي. هذا الخطاب ليس جديداً، لكنه يتكرر كلما واجه الكيان أزمات داخلية، في محاولة لتحويل الأنظار نحو "خطر خارجي" يبرر حالة الاستنفار العسكري والسياسي، اللافت أن نتنياهو الذي يسعى لإقناع الداخل والخارج بأن الكيان يعيش على حافة الخطر الدائم، الحقيقة آنه یهدف إلى كسب الدعم الغربي، وخصوصاً من الولايات المتحدة، وضمان استمرار المظلة السياسية والعسكرية التي توفرها واشنطن للكيان الصهيوني.
من أخطر ما ورد في تصريحات نتنياهو قوله إن الكيان مستعد لمساعدة سكان غزة "فقط إذا رغبوا في مغادرة القطاع"، هذه العبارة تمثل ابتزازاً إنسانياً صارخاً، يعكس عقلية الحصار والعقاب الجماعي التي ينتهجها الكيان منذ سنوات، بدلاً من تحمل مسؤوليته كقوة احتلال وفق القانون الدولي، يلجأ إلى ربط أي شكل من أشكال المساعدة الإنسانية بشروط سياسية تهدف إلى تفريغ غزة من سكانها، هذا النهج يكشف عن البعد الإحلالي للمشروع الصهيوني، الذي يسعى إلى إعادة رسم الخريطة الديموغرافية بالقوة، ويستخدم المعاناة الإنسانية كورقة ضغط لتحقيق أهدافه، مثل هذا السلوك يتعارض مع أبسط المبادئ الإنسانية، ويفضح ازدواجية الخطاب الذي يدّعي "الدفاع عن النفس" بينما يمارس سياسات تهجير ممنهجة.
الخطاب الأمني كأداة للبقاء في السلطة
يحاول نتنياهو من خلال خطاب أمني متشدد أن يرسخ صورته كرجل قادر على "توفير الأمن والاستقرار"، رغم أن الوقائع الميدانية والسياسية تشير إلى العكس تماماً، الإصرار على ربط بقائه في الحكم بقدرته على مواجهة "الأخطار الوجودية" هو استراتيجية لإقناع الجمهور بأن تغييره سيؤدي إلى انهيار المنظومة الأمنية، لكن هذا الخطاب يتجاهل أن العقيدة الأمنية للكيان قد تعرضت لهزائم متتالية، سواء في المواجهات مع فصائل المقاومة في غزة، أو في فشل الاستخبارات في توقع بعض الهجمات، إن التمسك بهذا النهج يعكس افتقار القيادة الصهيونية إلى بدائل سياسية واقتصادية، واعتمادها شبه الكامل على خلق حالة طوارئ دائمة تبرر استمرارها في السلطة.
فی النهايه، تصريحات نتنياهو الأخيرة ليست مجرد مواقف سياسية عابرة، بل هي انعكاس لأزمة أعمق يعيشها الكيان الصهيوني على المستويين الداخلي والخارجي، الانقسامات السياسية، والمبالغات في تصوير التهديدات الخارجية، واستغلال المعاناة الإنسانية كسلاح سياسي، كلها مؤشرات على فشل بنيوي يهدد استقرار هذا الكيان على المدى البعيد، إن قراءة هذه التصريحات في سياقها تكشف عن قائد يسعى للبقاء في السلطة بأي ثمن، حتى لو كان ذلك عبر تصعيد الأزمات وصناعة الخوف، ومع استمرار هذه السياسات، يتجه الكيان الصهيوني نحو مزيد من العزلة، ما يفتح الباب أمام تحولات قد تغير ملامح المشهد الإقليمي في السنوات القادمة.