الوقت- اتهمت حكومة غزة "إسرائيل" بشكل مباشر بالإشراف على عمليات نهب شاحنات المساعدات الإنسانية الداخلة إلى القطاع، وذلك بعد تخفيف القيود الأمنية والسماح بدخول قوافل الإغاثة، تأتي هذه الاتهامات في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية الخانقة في غزة، حيث يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والدواء، وارتفاع متواصل في عدد القتلى جوعًا وفقرًا، وفقًا لما نشرته مصادر رسمية وإعلامية متعددة.
وأشار المكتب الإعلامي لحكومة غزة إلى أن "إسرائيل" تستهدف بشكل متعمد عناصر تأمين المساعدات، ما يسهل عمليات النهب، واصفًا ما يحدث بأنه "خطة ممنهجة" لتجويع السكان من خلال تقليل وصول الإغاثة، ففي الـ 16 من نوفمبر 2024، شنت ميليشيات معروفة بـ"القوات الشعبية" التي ترتبط بـ"إسرائيل" هجومًا على قافلة مساعدات مؤلفة من 109 شاحنات تابعة للأمم المتحدة قرب معبر "كرم شالوم"، وتمكنت من نهب 98 شاحنة منها تقريبًا، في ظل وجود مؤشرات على تساهل أو حماية من قبل الجيش الإسرائيلي.
تفشي النهب وعصابات السيطرة المحلية
في سياق متصل، سيطر زعماء محليون مثل ياسر أبو شباب على مناطق نفوذ داخل غزة وبدؤوا في نهب شاحنات الإغاثة، ما دفع حركة حماس لاحقًا إلى شن عمليات عسكرية ضد هؤلاء، أسفرت عن مقتل عشرات الأشخاص من الميليشيات والعصابات المحلية التي استغلت الأزمة لصالحها.
رغم ما تروجه "إسرائيل" من اتهامات متكررة لحركة حماس بسرقة المساعدات، أكدت مصادر عسكرية رفيعة المستوى عبر وسائل الإعلام أن الجيش الإسرائيلي لم يعثر على أي دليل مادي يدعم هذه الاتهامات، ومن جانب آخر، كشفت تقارير وزارة الخزانة الأمريكية أن نظامًا جديدًا لإدارة المساعدات، يخضع لإشراف جهات أمريكية بدلًا من الأمم المتحدة، هو المسؤول عن مقتل أكثر من 1,100 فلسطيني خلال محاولتهم الحصول على هذه المساعدات، ويشير ذلك إلى فشل ذريع في آلية التوزيع وعدم كفاءة النظام الجديد الذي فرضته القوى الخارجية على القطاع.
تصاعد الأزمة الإنسانية وتهديد المجاعة
وحسب التصنيف الدولي للأمن الغذائي (IPC)، يقترب قطاع غزة من حالة مجاعة واسعة النطاق، حيث بلغ عدد القتلى بسبب نقص الغذاء والدواء أكثر من 60,000 شخص بحلول 29 يوليو 2025، من بينهم عشرات الأطفال الذين قضوا جوعًا، ورغم السماح الإسرائيلي بتوقفات إنسانية مؤقتة لإدخال المساعدات، إلا أن استمرار فرض نقاط التفتيش المشددة والقيود الأمنية على المعابر يعيق وصول الإمدادات الحيوية إلى المحتاجين، وتروج "إسرائيل" رواية تقضي بأن الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة لم توزع المساعدات بفاعلية، لكن الأمم المتحدة نفسها ومنظمات حقوق الإنسان تُحمّل القيود المفروضة على الدخول وتحديات سلامة العاملين المسؤولية عن هذا الإخفاق.
أبعاد سياسية وإنسانية متشابكة
تعكس هذه الاتهامات المتبادلة بين حكومة غزة و"إسرائيل" توترات أعمق في السياسة الداخلية والخارجية للمنطقة، تسعى حكومة غزة إلى تسليط الضوء على ما تصفه بسياسة ممنهجة لتجويع السكان، في حين تستخدم "إسرائيل" هذه الاتهامات لتبرير القيود الصارمة على القطاع، ويظهر التناقض الإسرائيلي الداخلي جليًا، إذ يرفض الجيش الإسرائيلي تصريحات حكومته ويرفض وجود أدلة تثبت أن حركة حماس سرقت المساعدات، وهو ما يعزز فرضية أن الأزمة تتجاوز حدود الصراع العسكري لتشمل أبعادًا سياسية وإنسانية معقدة.
الوضع الصحي والغذائي في غزة وصل إلى مستوى كارثي مع تنامي التقارير الدولية التي تحذر من إعلان المجاعة رسميًا في أي لحظة، وعلى الرغم من محاولات "إسرائيل" التشكيك في مصداقية الأدلة الإعلامية والدولية، فإن الواقع على الأرض يشير إلى حجم كارثي للأزمة الإنسانية، فهذه الأزمة لا تقتصر على نقص الغذاء فقط، بل تشمل نقصًا حادًا في المياه النظيفة والكهرباء والأدوية، ما أدى إلى انهيار شبه كامل للخدمات الصحية في القطاع.
ضعف شفافية توزيع المساعدات وتفاقم الأزمة
أدت المخاوف المتعلقة بشفافية توزيع المساعدات وفعاليتها إلى تعميق الأزمة، حيث أدت التغيرات التي أجريت على آليات التوزيع بإلغاء النظام الذي كانت تديره الأمم المتحدة واستبداله بمنظمات أمريكية إلى ارتباك وفقدان السيطرة على التوزيع، ما أدى إلى خسائر مدنية كبيرة وأثار غضبًا شعبيًا ودوليًا متزايدًا.
تجدر الإشارة إلى أن الأزمة الإنسانية المتفاقمة واتهامات سرقة المساعدات وأسلوب توزيعها، أثرت أيضًا على الثقة بين الأطراف المختلفة، وأعاقت أي جهود دولية حقيقية لإيجاد حل سريع وفعال، بينما يطالب المجتمع الدولي بضرورة فتح المعابر بشكل كامل وتأمين وصول المساعدات دون عوائق، تظل القيود الأمنية مطبقة، ما يفاقم مأساة السكان.
ضرورة رفع القيود ومساءلة المسؤولين
في ختام هذا المشهد المعقد، يتضح أن الاتهامات التي توجهها حكومة غزة لـ"إسرائيل" بشأن سرقة شاحنات الإغاثة تدخل ضمن إطار أوسع من النزاع الإنساني والسياسي الذي يواجه القطاع، ورغم التصريحات الإسرائيلية المتكررة، لا توجد أدلة قاطعة على تورط حماس في سرقة المساعدات المنظمة، بل تشير التقارير إلى أن النظام الجديد لإدارة المساعدات الذي تفرضه الولايات المتحدة وإسرائيل هو المسؤول المباشر عن خسائر بشرية كبيرة بسبب سوء التنظيم وغياب الشفافية.
إن الأولوية الآن يجب أن تكون رفع القيود المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع وتفعيل آليات توزيع شفافة تضمن وصول المساعدات إلى مستحقيها بسلامة وكفاءة، كما يجب على المجتمع الدولي أن يعمل على إعادة النظام الإداري الذي كانت تديره الأمم المتحدة، ووقف استغلال الأزمة الإنسانية لتحقيق مكاسب سياسية أو دعاية إعلامية.
وفي حال صحة الاتهامات المتعلقة باستخدام التجويع كأداة حرب، فإن ذلك يشكل انتهاكًا واضحًا وصارخًا للقانون الدولي الإنساني، ويستوجب تحركًا عاجلًا من الجهات الدولية المعنية لمساءلة المسؤولين عن هذه السياسات ولضمان حماية المدنيين من هذه المعاناة المتواصلة.