الوقت- في حين أن سوريا لم تشهد استقرارًا وسلامًا منذ اسقاط حکومة بشار الأسد، إلا أن جولة التوتر الأخيرة شهدت توترات واشتباكات بين قوات الحكومة المؤقتة وسكان الجنوب الدروز، وفي الوقت نفسه، الجيش الإسرائيلي. هذه التوترات تُظهر، قبل كل شيء، أن سوريا لن تشهد سلامًا بعد بشار الأسد، فهذه هي المرة الأولى التي يتصاعد فيها التوتر في مناطق مختلفة من البلاد في أقل من عام، وبعد سقوط نظام بشار الأسد. وفي الوقت نفسه، هذه هي المرة الأولى التي تقع فيها اشتباكات داخل مدينة السويداء، عاصمة المحافظة ذات الأغلبية الدرزية.
من أين بدأت هذه التوترات؟
بدايةً، تجدر الإشارة إلى أن السويداء هي إحدى محافظات الجمهورية العربية السورية الأربع عشرة. تقع محافظة السويداء في أقصى جنوب سوريا، وهي المحافظة الوحيدة التي يشكل الدروز غالبية سكانها. لا يشكل الدروز سوى ثلاثة في المائة من سكان سوريا.
شهدت مدينة السويداء، عاصمة هذه المحافظة، اشتباكات دامية بين ميليشيات درزية وعشائر مسلحة خلال الأيام الثلاثة الماضية. بدأت الاشتباكات في السويداء بعد اختطاف بائع "درزي" وتطورت إلى معركة بين الدروز والقبائل البدوية والجيش السوري، وزاد التدخل الإسرائيلي في هذا الملف السوري الداخلي من تعقيد الوضع.
أوضح سامي الرماح، العميد اللبناني المتقاعد الدرزي، في مقابلة مع شبكة العالم حول الاشتباكات في جنوب سوريا، أن الحكومة السورية الجديدة أرسلت قوات أمنية إلى الجنوب إثر اشتباكات مستمرة بين الدروز ومدافعي السويداء من جهة، وعشائر حوران العربية والبدوية من جهة أخرى، إلا أن هذه القوات انضمت إلى صفوف العشائر وشاركت في عمليات القتل والمجازر بحق سكان السويداء. ومع استمرار الاشتباكات الطائفية بين الميليشيات الدرزية والعشائر المسلحة في مدينة السويداء جنوب سوريا، شنت إسرائيل هجمات ضد قوات الحكومة السورية المؤقتة.
يوم الثلاثاء، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس في بيان أنهما أمرا الجيش باستهداف قوات النظام والأسلحة التي جُلبت إلى السويداء "فورًا" لعمليات ضد الدروز. وأضافوا أن إسرائيل ملتزمة بمنع إلحاق الأذى بالدروز في سوريا "انطلاقًا من تضامنها العميق وأخوتها مع المواطنين الدروز في إسرائيل"، و"نتخذ إجراءات لمنع إلحاق الأذى بهم من قبل النظام السوري، ولضمان نزع السلاح من مناطقنا الحدودية مع سوريا".
وعقب هذه الأحداث، أعلن وزير الدفاع السوري، معروف أبو قصرة، في بيان له عن وقف إطلاق نار شامل في مدينة السويداء السورية، وأن القوات الحكومية لن تطلق النار إلا "إذا تعرضت لإطلاق نار". كما أعلنت وزارة الداخلية السورية أن القوات الحكومية دخلت مدينة السويداء يوم الثلاثاء، بهدف إنهاء الاشتباكات مع القبائل البدوية في الأيام الأخيرة، والتي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 100 شخص.
رفض التدخل الإسرائيلي
تسيطر فصائل مسلحة من الدروز السوريين على مدينة السويداء، إلا أن قادتهم الروحيين أعلنوا سابقًا موافقتهم على نشر قوات دمشق ودعوا المقاتلين إلى تسليم أسلحتهم. في الوقت نفسه، أكد يوسف جربوع، أحد وجهاء الطائفة الدرزية السورية، في مقابلة مع قناة العربية، سقوط أبرياء خلال العمليات العسكرية في محافظة السويداء، وأن مرجعيتنا الوحيدة هي الحكومة السورية، ولم نطلب أي تدخل إسرائيلي.
في الوقت نفسه، أصدرت وزارات خارجية الدول الثلاث، السعودية وتركيا والإمارات، بياناتٍ تُدين الغارات الجوية الإسرائيلية على محافظة السويداء جنوب سوريا بذريعة دعم الدروز.
كما دعا وليد جنبلاط، الزعيم السابق للحزب التقدمي الاشتراكي الدرزي اللبناني، أهالي محافظة السويداء إلى اليقظة إزاء الأعمال الاستفزازية للكيان الإسرائيلي. وأكد جنبلاط أن الحل السياسي ضروري، وهو ما يجب أن تضمنه الحكومة السورية.
لماذا تدخل الصهاينة؟
في ظل تزايد تعقيد الوضع في سوريا إثر التدخلات الإسرائيلية، يُمكن تصوّر عدة أسباب للتدخل العسكري الإسرائيلي في جنوب سوريا والمناطق ذات الأغلبية الدرزية:
الموقع الجغرافي للسويداء: تكتسب محافظة السويداء أهمية خاصة بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي، قرب الحدود الأردنية ومرتفعات الجولان المحتلة. لسنوات، حاول الصهاينة تعزيز نفوذهم في جنوب سوريا من خلال دعم الجماعات المحلية، بما فيها الدروز، ومنع انتشار القوات المعادية، مثل حزب الله. في الواقع، يتمثل هدف تل أبيب من التدخل في جنوب سوريا في السيطرة الفنية على مرتفعات الجولان والسويداء، ومنع انتشار أي قوات معادية قرب الحدود، والحفاظ على سوريا كدولة لا يُشكّل أمنها تهديدًا لها. بل يعتقد بعض المحللين أن إسرائيل، بدعمها للدروز، تسعى إلى إنشاء منطقة حكم ذاتي للدروز في السويداء مستقلة عن دمشق. يمكن أن تكون هذه المنطقة بمثابة منطقة عازلة تضمن أمن مرتفعات الجولان. وتعزز هذه الفرضية تصريحات طارق الشوفي، قائد المجلس العسكري في السويداء، الذي رحّب بالدعم الخارجي، بما في ذلك الدعم الإسرائيلي.
الصيد في المياه العكرة: بعد أكثر من ستة أشهر من سقوط نظام الأسد في دمشق، تُعدّ الطائفة الدرزية من بين الجماعات الأكثر بروزًا في المشهد السوري المتغير. نشأ الدروز في القرن العاشر كفرع من الطائفة الإسماعيلية، ويعيش في سوريا أكثر من نصف الدروز، البالغ عددهم مليونًا تقريبًا، حول العالم. إلا أن الدروز منقسمون حول كيفية التعامل مع مشاكلهم في ظل الوضع الجديد في سوريا. يدعم العديد من الدروز الحوار مع الحكومة، بينما يسعى آخرون إلى نهج أكثر تصادمية. في ظل هذا الوضع، انتهز الصهاينة الفرصة للصيد في المياه العكرة للنزاعات الداخلية بين الدروز. بمعنى آخر، تسعى إسرائيل إلى تفاقم الانقسامات العرقية والدينية في سوريا من خلال تأجيج المشاعر العرقية الدرزية ودعمهم ضد المسلحين السنة. قد تؤدي هذه الاستراتيجية إلى تهيئة فرص لتعزيز النفوذ الإسرائيلي في المنطقة.