الوقت – منذ أن أطلق الاحتلال الإسرائيلي شرارة عدوانه على غزة إثر عملية “طوفان الأقصى”، وامتدت نيران حربه إلى لبنان ثم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ظل استهداف البنية التحتية للطاقة واحدًا من أبرز التوصيات الاستراتيجية التي تُعَدّ وسيلةً ناجعةً لضرب مفاصل الكيان الإسرائيلي في أكثر مواضعه هشاشةً.
ورغم أن ضرب مصفاة حيفا كان جزءًا من هذا المخطط خلال حرب الأيام الاثني عشر، إلا أن تحقيق شلل كامل في القطاع الطاقي لهذا الكيان يتطلب استراتيجيةً أشمل وأكثر إحكامًا.
مصفاة حيفا بين الأهمية وحجم الدمار
في اليوم الخامس من حرب الأيام الاثني عشر، وردًا على استهداف الاحتلال الإسرائيلي وحدتين من منشآت مصفاة “بارس الجنوبي” ومنشآت “فجر جم” الغازية الإيرانية، أطلقت القوات المسلحة الإيرانية صواريخ باليستية على مصفاة “بازان” الواقعة في ميناء حيفا بالأراضي المحتلة، هذا الهجوم أسفر عن مصرع ثلاثة من عمال المصفاة، فضلاً عن تدمير كامل لمرافق الكهرباء والبخار فيها.
وعلى إثر هذا الهجوم، توقفت المصفاة عن الإنتاج مدة شهر كامل، وهي التي كانت في عام 2024 تزود الأراضي المحتلة بنحو نصف احتياجاتها من البنزين، وستين بالمئة من الديزل، وأربعة وأربعين بالمئة من غاز المنازل (LPG)، وفي ظل هذا النقص الحاد في غاز المنازل، أصدر وزير الطاقة الإسرائيلي توجيهات صارمة بتخصيص الأولوية لاستخدام الغاز للمستشفيات والمنشآت التابعة لها، والمخابز، والشركات الغذائية، والملاجئ، وبعض المصانع الحيوية، بينما أُرجِئَت استخدامات الأفراد، سواء في المباني السكنية أو أسطوانات الغاز، إلى آخر القائمة.
بدائل الکيان الإسرائيلي لتوفير الوقود
ولأن "إسرائيل" لم تكن يومًا منتجًا للنفط الخام، فقد ظلّ هاجس تأمين الوقود يؤرقها على الدوام، مما دفعها إلى إعداد مخازن استراتيجية في صحراء النقب تحسبًا لظروف الطوارئ القصوى، بما في ذلك تعطّل مصفاتَيها الرئيسيتين، وعلى الرغم من أن تفاصيل هذه المخازن، من حيث موقعها وحجم احتياطاتها، تظل طي الكتمان لدواعٍ أمنية، فإن التقارير تشير إلى قدرتها على تخزين ملايين الليترات من الوقود تحت الأرض.
إلى جانب ذلك، تلزم "إسرائيل" شركات توزيع الوقود بتوفير منشآت تخزين إضافية، مثل شركات “ديليك”، “سونول”، “باز”، و"دور ألُون"، التي تمتلك بالفعل مخزونًا من البنزين والديزل، كما تسعى مصفاة “أسدود” جاهدةً إلى تسريع إنتاجها لتلبية احتياجات الأراضي المحتلة، فضلاً عن ذلك، قامت "إسرائيل" بتكثيف وارداتها من المشتقات النفطية التي كانت تُجلب سابقًا من دول أوروبية، ورغم هذه الإجراءات، تفيد تقارير بوجود نقص أسبوعي يصل إلى تسعة ملايين لتر من الوقود نتيجة تعطيل مصفاة حيفا.
لماذا لم يتأثر إنتاج الكهرباء؟
لا تقتصر حاجة "إسرائيل" للمشتقات النفطية على قطاع النقل، بل يُستخدم الديزل في الحالات الطارئة كوقود احتياطي لتشغيل محطات الكهرباء عند تعذّر توفير الغاز الطبيعي، ومع ذلك، فإن أكثر من ستين بالمئة من قدرة توليد الكهرباء في "إسرائيل"، تعتمد على محطات غازية، ما يعني أن هذه المحطات قد تلجأ إلى استخدام الديزل في حال انقطاع الغاز.
لكن هذا السيناريو لا يتحقق إلا إذا خرجت حقول الغاز الثلاثة الكبرى - “تامار”، “كاريش”، و"لوثيان" - عن الخدمة بشكل كامل، "إسرائيل" تنتج اليوم ضعف احتياجاتها من الغاز الطبيعي لتغطية محطاتها، وتصدّر الفائض إلى كل من مصر والأردن، ولهذا السبب، لم يؤد تعطيل مصفاة حيفا إلى أي خلل في شبكة الكهرباء.
خيارات التصعيد الممكنة
إن خلق أزمة طاقة شاملة في الأراضي المحتلة، يتطلب استراتيجيةً مركّبةً تستهدف مختلف مصادر الطاقة دفعةً واحدةً، إذ يُستهلك أكثر من ثمانين بالمئة من المنتجات النفطية المكررة في "إسرائيل" في قطاع النقل، ما يجعل ضرب هذا القطاع رهينًا باستهداف مصافي “حيفا” و"أسدود"، إلى جانب منشآت التخزين التابعة لهما، فعلى سبيل المثال، تضمّ مصفاة “أسدود” ستة وستين خزانًا بسعة إجمالية تصل إلى تسعة ملايين لتر، ما يجعلها قادرةً على سدّ جزء من النقص الناتج عن توقف الإنتاج.
أما تحقيق انقطاع واسع للكهرباء في الأراضي المحتلة، فإنه يتطلب تعطيل الحقول الغازية الثلاثة الكبرى - “تامار”، “كاريش”، و"لوثيان" - التي تمثّل أكثر من سبعة وتسعين بالمئة من إنتاج الغاز في "إسرائيل"، والذي يغذي نحو ستين بالمئة من محطات الكهرباء.
وفي نهاية المطاف، تبقى المخازن الاستراتيجية الضخمة في صحراء النقب هدفًا استراتيجيًا بالغ الأهمية للقوات المسلحة الإيرانية، حيث إن إصابتها بضربة ناجحة، بالتزامن مع استهداف المصافي والحقول الغازية، قد يفضي إلى أزمة طاقة خانقة تضرب عمق الكيان الإسرائيلي، وتلقي بظلالها على مختلف مفاصله الحيوية.