الوقت- في تطور غير مسبوق ضمن سياق الصراع العربي-الصهيوني، أعلنت القوات المسلحة اليمنية إدراج ميناء حيفا ضمن بنك أهدافها العسكرية، في خطوة نوعية تؤشر إلى مرحلة جديدة من الردع الإقليمي، هذه الخطوة تأتي بعد استهداف مطار بن غوريون، ما يعكس تصاعدًا مستمرًا في مستوى العمليات اليمنية وتوسيعًا في نطاق الرد العسكري دعمًا للشعب الفلسطيني المحاصر في غزة.
البيان الصادر عن العميد يحيى سريع، المتحدث العسكري اليمني، حمّل الاحتلال الصهيوني مسؤولية التصعيد نتيجة عدوانه المتواصل وحصاره الوحشي على القطاع، مشددًا على أن العمليات العسكرية ستتصاعد ما لم يتم رفع الحصار عن غزة، ما يميز هذا الإعلان هو التهديد المباشر لميناء يعتبر من الأعمدة الاقتصادية الحيوية في شمال فلسطين المحتلة، ما دفع بعض الشركات البحرية إلى مراجعة مساراتها فورًا، فإدراج ميناء حيفا يعكس تحولًا جذريًا في قواعد الاشتباك، ويضع الكيان الصهيوني أمام تحديات غير مسبوقة في جبهته البحرية.
الحصار البحري من أم الرشراش إلى حيفا
لم يكن إعلان ميناء حيفا هدفًا عسكريًا يمنيًا خطوة عشوائية، بل جاء امتدادًا منطقيًا لنجاحات ميدانية تحققت مؤخرًا، وعلى رأسها شلّ نشاط ميناء أم الرشراش (إيلات)، هذا الميناء، الذي يُعد البوابة الجنوبية لكيان الاحتلال، توقف عن العمل بفعل التهديدات والعمليات اليمنية، ما كشف فعالية الأسلوب الجديد في الضغط على تل أبيب عبر البحر.
نجاح صنعاء في ضرب مرفق حيوي كهذا شكّل حافزًا للانتقال إلى هدف أكثر حساسية، وهو ميناء حيفا، الذي لا يمثل فقط شريانًا اقتصاديًا، بل يُعد نقطة تلاقٍ بحرية مهمة في شرق المتوسط، بهذا الانتقال، ترسم اليمن معادلة واضحة: كل ميناء يشارك في حصار غزة أو يسهّل عمليات الاحتلال هو هدف مشروع.
القرار اليمني لا يعبّر فقط عن تضامن مبدئي مع القضية الفلسطينية، بل يعكس استراتيجية متكاملة لإضعاف الكيان من خلال إرباك اقتصاده وشبكاته اللوجستية، إدراج حيفا في بنك الأهداف هو رسالة موجّهة إلى العالم بأن ساحة الاشتباك لم تعد محصورة داخل حدود غزة أو الضفة، بل باتت مفتوحة بحرًا وجوًا، وعلى مساحات جغرافية أوسع بكثير مما يتخيله الاحتلال أو حلفاؤه.
تداعيات اقتصادية واستراتيجية على الكيان الصهيوني
إن استهداف ميناء حيفا لا يقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل يُعد ضربة قاسية للبنية الاقتصادية الصهيونية، التي تعتمد بشكل كبير على هذا الميناء كمحور رئيسي في سلاسل الإمداد والتصدير والاستيراد. يُمثل ميناء حيفا، الواقع شمال فلسطين المحتلة، نقطة عبور حيوية للنفط، المواد الأولية، والسلع الاستراتيجية، أي تهديد له أو تعطيل لعملياته يعني عمليًا إرباكًا في شبكات التموين داخل "إسرائيل" وتأثيرًا مباشرًا على الاقتصاد الإسرائيلي المتذبذب أصلًا في ظل حالة الحرب المستمرة.
الردود الصهيونية السابقة على العمليات اليمنية أثبتت محدوديتها، وفشلها في استعادة زمام المبادرة، وهو ما يعزز من قوة الردع اليمنية ويفرض وقائع جديدة في الميدان، التردد الإسرائيلي في الرد العسكري المباشر على صنعاء، نتيجة الاعتبارات الدولية والحسابات الإقليمية، يضيف بعدًا جديدًا للصراع، ويمنح اليمن مساحة أوسع للمناورة، كذلك فإن هذا التهديد يُجبر الشركات الدولية، وخاصة تلك العاملة في الشحن البحري، على إعادة حساباتها عند التعامل مع الموانئ الإسرائيلية، خشية أن تصبح أهدافًا عسكرية، وعليه، فإن كل تصعيد يمني جديد لا يؤثر فقط على المشهد العسكري، بل يُحدث تموجات اقتصادية قد تكون أكثر فتكًا على المدى الطويل في الداخل الإسرائيلي.
اليمن كلاعب إقليمي يعيد صياغة معادلات القوة
الرسائل التي تبعث بها صنعاء من خلال هذا التصعيد المدروس لا تقتصر على تضامنها مع غزة، بل تتجاوز ذلك إلى محاولة إعادة تعريف دورها في الإقليم كلاعب مؤثر ومبادر، فمن خلال الانتقال من الضربات الجوية إلى فرض حصار بحري فعّال، تقدم اليمن نموذجًا متطورًا في الردع غير المتماثل، يعتمد على المرونة الاستراتيجية والتأثير بعيد المدى.
إدراج ميناء حيفا في بنك الأهداف لا يعكس فقط القدرة على إلحاق الضرر، بل يرمز إلى فرض قواعد اشتباك جديدة تُجبر الاحتلال على التفكير ألف مرة قبل اتخاذ أي خطوة عدوانية، صنعاء اليوم لا تكتفي بردود الفعل، بل تُملِي توقيت ونطاق الاشتباك، وتربك التحالفات التقليدية التي كانت ترى في اليمن مجرد ساحة نزاع داخلي.
التحول اليمني نحو دور إقليمي فاعل بات واضحًا، فبالإضافة إلى دعمها السياسي والعسكري لغزة، ترسم صنعاء حدودًا جديدة للنفوذ في البحر الأحمر وشرق المتوسط، هذه الديناميكية الجديدة تهدد ليس فقط مصالح "إسرائيل"، بل تضع المنطقة أمام احتمالات إعادة اصطفاف كبرى، حيث لم تعد مراكز القوة محصورة في العواصم الكبرى، بل في العواصم التي تستطيع أن تربك وتؤلم وتؤثر، وصنعاء باتت أحد تلك المراكز بلا شك.
البُعد الجيوسياسي للتحول اليمني وتأثيره على التحالفات الإقليمية
ما تشهده المنطقة اليوم من تحولات متسارعة يُبرز أن اليمن لم يعُد مجرد ساحة نزاع محلية، بل أصبح فاعلًا جيوسياسيًا يُعيد توجيه بوصلة التحالفات والتوازنات في الشرق الأوسط، فتصعيد صنعاء ضد الموانئ الإسرائيلية، وفرضها معادلات ردع بحرية فعّالة، يُجبر القوى الإقليمية والدولية على إعادة تقييم تموضعها الاستراتيجي، لم تعد خطوط الصراع مقتصرة على محور المقاومة مقابل الاحتلال فحسب، بل امتدت لتشمل تفاعلات أوسع مع الخليج، والبحر الأحمر، وحتى شرق المتوسط.
اليمن من خلال هذا التصعيد يُعيد رسم الخريطة البحرية للمنطقة، ما يؤثر مباشرة على أمن الممرات الدولية وسلاسل التجارة العالمية، الأمر الذي قد يدفع قوى كبرى كأمريكا وفرنسا إلى إعادة النظر في التزاماتها ومواقفها، كذلك فإن هذا التغير يضع الدول المطبّعة مع الكيان الصهيوني في زاوية حرجة، حيث باتت مشاريعها الاقتصادية، وخاصة المتعلقة بالموانئ، في مرمى النار.
الرسالة اليمنية لا تقتصر على تل أبيب، بل تمتد إلى كل من يتعاون معها في خنق غزة، هذا الواقع يخلق تحولات عميقة، ليس فقط على مستوى الردع العسكري، بل في بناء معادلة ردع سياسية أوسع، تعيد تعريف من يملك المبادرة، ومن يدفع الثمن في معركة الإرادات التي تعيد تشكيل وجه المنطقة.
في النهاية.. إن إدراج ميناء حيفا ضمن بنك الأهداف اليمنية يمثل لحظة فارقة في تطور الصراع، ويكشف عن تحول جذري في الاستراتيجية اليمنية التي باتت تعتمد على أدوات ضغط نوعية تتجاوز الردود التقليدية، هذه الخطوة، وإن بدت عسكرية، إلا أن أبعادها الاقتصادية والسياسية أشد وقعًا، وخصوصًا في ظل العجز الصهيوني عن التعامل مع التهديدات المتعددة المصادر.
لقد أثبتت صنعاء أنها ليست فقط حليفًا صادقًا لغزة، بل فاعلًا إقليميًا قادرًا على فرض المعادلات وتغيير مسار الاشتباكات في الجغرافيا والسياسة، التحدي الآن أمام الكيان الصهيوني لا يتمثل فقط في كيفية الرد، بل في قدرته على التكيف مع واقع جديد يُفرَض عليه من خارج المألوف، ومع استمرار الدعم الشعبي والرسمي اليمني للمقاومة الفلسطينية، فإن الموانئ الإسرائيلية ستظل في مرمى النار ما دام الحصار قائمًا، ليبقى السؤال مفتوحًا هل تدرك تل أبيب الرسالة قبل أن تتسع رقعة الحصار وتخرج عن السيطرة؟