الوقت- في تصعيد لافت يعكس التزام اليمن بدعم الشعب الفلسطيني، أصدرت القوات المسلحة اليمنية تحذيرًا رسميًا من السفر إلى "إسرائيل"، مؤكدة أن الأراضي المحتلة لم تعد مكانًا آمنًا، سواء للمستوطنين أو للزائرين، جاء هذا التحذير في أعقاب عملية عسكرية نوعية استهدفت مطار بن غوريون في تل أبيب بصاروخ باليستي فائق السرعة، وقد اعتُبرت العملية نقطة تحوّل في ميزان الردع الإقليمي، لما لها من تداعيات أمنية ونفسية عميقة على الداخل الإسرائيلي.
هجوم نوعي وتداعيات فورية
العملية التي نُفذت في الرابع من مايو 2025، جاءت ضمن ما وصفته القوات اليمنية بالتزاماتها تجاه الشعب الفلسطيني، ولا سيما في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة والحصار المفروض عليها، الصاروخ المستخدم في العملية، والذي أُطلق من الأراضي اليمنية، نجح في إصابة مطار بن غوريون بدقة، رغم وجود أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية والإسرائيلية المتطورة، والتي فشلت في اعتراضه، هذه التطورات دفعت السلطات الإسرائيلية إلى تعليق الرحلات الجوية في المطار لساعات، بينما فرّ ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ، في مشهد عكس حالة من الهلع الجماعي لم تشهدها "إسرائيل" منذ سنوات.
رسالة اليمن: لا أمن بلا عدالة
وقد صرّح المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، بأن هذا الهجوم يمثل رسالة واضحة مفادها بأن الأراضي المحتلة لم تعد في مأمن، طالما ظل الشعب الفلسطيني تحت القصف والحصار.
وأكد سريع أن الهجمات اليمنية ستستمر وتتصاعد، ما لم تتوقف الحرب على غزة ويتم رفع الحصار بشكل كامل، وجاء في البيان الرسمي أن "أي مكان لا يشعر فيه الفلسطيني بالأمان، لا ينبغي أن يشعر فيه الإسرائيلي بالأمان أيضًا"، كما حذر البيان شركات الطيران من تسيير رحلات إلى المطارات الإسرائيلية، في مؤشر على نية اليمن مواصلة الضغط عبر أدوات الردع غير التقليدية.
نقلة استراتيجية في قواعد الاشتباك
تؤشر هذه العملية إلى تحوّل واضح في الاستراتيجية اليمنية التي باتت تعتمد على استهداف مواقع حيوية داخل العمق الإسرائيلي، في رسالة مفادها بأن زمن المعركة المحدودة والمكان الواحد قد ولّى، إذ إن استهداف مطار مدني يعدّ رسالة مزدوجة، فهي من جهة تشكل ضربة نفسية للمجتمع الإسرائيلي الذي يرى في مطار بن غوريون رمزًا للاتصال والانفتاح، ومن جهة أخرى تبعث برسائل قوية إلى المجتمع الدولي، مفادها بأن الرد على العدوان الإسرائيلي لن يبقى حكرًا على الجبهات الفلسطينية وحدها.
تأثيرات نفسية داخل المجتمع الإسرائيلي
في الجانب الآخر، ترك الهجوم آثارًا نفسية كبيرة داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث أفادت وسائل إعلام عبرية بأن مشاعر الخوف وعدم اليقين باتت تسود الشارع، وسط تساؤلات عن مدى قدرة الحكومة الإسرائيلية على توفير الحماية الفعلية للمدنيين، وفي تحليل للمشهد، يرى مراقبون أن هذا النوع من العمليات يعمّق الشعور بانعدام الأمن لدى الإسرائيليين، ويفرض معادلة ردع جديدة في المنطقة، أساسها أن الهجمات لا تقتصر على الأراضي الفلسطينية فقط، بل قد تمتد إلى العمق الاستراتيجي الإسرائيلي.
أبعاد سياسية وأخلاقية للتصعيد اليمني
اليمن من جهته، يربط هذا التصعيد بشكل مباشر باستمرار معاناة الفلسطينيين، ويعتبر أن صمته أو حياده سيكون بمثابة تواطؤ ضمني مع الاحتلال، وفي هذا السياق، يبدو أن القيادة اليمنية، سواء في صنعاء أو على مستوى الجبهة العسكرية، تسعى إلى تعزيز موقعها السياسي والأخلاقي، ليس فقط في الداخل اليمني، بل في العالم العربي والإسلامي عمومًا، من خلال الإصرار على ممارسة الضغط الفعلي ضد "إسرائيل"، عبر وسائل متاحة تراعي الإمكانات والتوازنات الإقليمية.
التداعيات الدبلوماسية والتوازن الإقليمي
في هذا السياق، لا يمكن إغفال تأثير هذه العملية على المستوى الدبلوماسي أيضًا، حيث قد تؤدي إلى توتر العلاقات بين "إسرائيل" وبعض الدول المتحالفة معها في المنطقة، ولا سيما تلك التي تسعى إلى تطبيع العلاقات معها، إذ إن وصول الصواريخ اليمنية إلى عمق "إسرائيل"، وبهذا المستوى من الدقة والفعالية، يشكل تحديًا مباشرًا لرواية "السلام مقابل الأمن"، التي طالما رُوّج لها في السنوات الأخيرة.
وفي ختام هذا التطور، يتضح أن العملية العسكرية اليمنية ضد مطار بن غوريون، والتحذير المرافق لها من السفر إلى "إسرائيل"، ليسا مجرد رد فعل لحظي، بل جزءاً من استراتيجية أشمل تستهدف فرض معادلة أمن مقابل أمن، ومن الواضح أن اليمن، من خلال هذه الخطوة، يسعى إلى إعادة تعريف قواعد الاشتباك في المنطقة، بحيث لا تظل الأراضي الفلسطينية وحدها ميدانًا للصراع، بل تشمل الساحة الإسرائيلية بكل ما فيها من منشآت حيوية وأهداف مدنية، هذه الرسائل مرّت بوضوح إلى تل أبيب، وأيضًا إلى عواصم القرار العالمية، في وقت تتزايد فيه الدعوات لوقف العدوان على غزة ورفع الحصار عنها.
أخيرًا، فإن هذه العملية اليمنية وإن كانت عسكرية في ظاهرها، إلا أنها تحمل بعدًا سياسيًا ورسالة أخلاقية، تقول إن صمت الأنظمة لن يُلزم الشعوب، وأن الأفعال أقوى من البيانات، كما تؤكد أن أمن الاحتلال لن يكون مطلقًا أو غير مشروط، وأن من يفرض الحصار لا بد أن يعيش طعمه، هي معادلة الرعب المتبادل التي طالما حاولت "إسرائيل" تجنبها، لكنها اليوم تجد نفسها أمامها، بل داخلها، ومهما كانت الردود الإسرائيلية في المرحلة المقبلة، فإن الحقيقة هي أن الصواريخ اليمنية باتت قادرة على اختراق "القبة الحديدية"، والوعي الجماعي للمجتمع الإسرائيلي.