الوقت - في تقرير كتبه حنان غرينوود حول عجز جيش الاحتلال عن التصدي لمنشآت المقاومة تحت الأرض، أشار إلى أن الجيش الإسرائيلي، رغم مرور سبعة عشر شهراً على اندلاع الحرب، لم يتمكن بعد من التعامل مع معضلة القتال في الفضاءات السرية تحت الأرض، هذا التحدي، الذي لا يزال قائماً على نحوٍ مستحكم، يبدو أنه يزداد قوةً وتأثيراً، وهو ما تناوله ضابطان في جيش الاحتلال بمقالٍ نقدي حاد نُشر في المجلة العسكرية المتخصصة “معارخوت”.
العقيد “ع”، رئيس قسم العقيدة القتالية متعددة الأفرع في قيادة التدريب والعمليات، والنقيب الاحتياطي “ي”، المسؤول عن المشروعات في القسم ذاته، خلُصا إلى أن الجيش الإسرائيلي لا بد له أن يُعرّف القتال في الأنفاق كفرع عسكري مستقل بذاته، يُصاغ وفق منهجية متخصصة وخطة مبتكرة.
وجاء في المقال: “عملية السيوف الحديدية كشفت عن مواجهة الجيش الإسرائيلي لحقيقة مريرة، وهي أنه غير مؤهل لخوض المعارك تحت الأرض”، ورغم أن العقيدة العسكرية الخاصة بالفضاءات تحت الأرض قد وُضعت في هيئة الأركان العامة منذ عام 2008، وتم تحديثها عام 2017، إلا أنها أخفقت في تقديم الحلول المناسبة للظروف المعقدة التي واجهتها القوات الميدانية خلال الحرب، كما أنها لم تمنح الجيش الأدوات الكافية للتعامل مع الأساليب الإبداعية التي وظّفها العدو في استغلال ميدان المعركة.
أحد الأمثلة التي أوردها الكاتبان يتعلق بالقصور الواضح في استخدام الجيش لمصطلحي “النفق” و"الفتحة" (المدخل العمودي للنفق) لوصف الفضاءات تحت الأرض، بينما أظهرت الحرب وجود أنظمة متشابكة ومتعددة الوظائف، لكل منها أدوار وأهداف مختلفة، هذا الاختزال في الوصف، الذي يستهين بتعقيد شبكة الأنفاق التي طوّرتها حماس، أدى إلى تقويض كفاءة الاستراتيجيات العملياتية للجيش في مواجهة هذا التهديد، ويرى الكاتبان أن هناك حاجة ملحة لابتكار مفاهيم ومصطلحات جديدة تتماشى مع طبيعة البنى التحتية تحت الأرض وما تحمله من تعقيد.
ويؤكد الكاتبان أن جيش الاحتلال لا يزال أسير خطأٍ جوهريٍ في الوقت الحاضر، حيث ينظر إلى الفضاءات تحت الأرض بوصفها مجرد طبقة إضافية من ساحة المعركة البرية، وعلى الرغم من أن هذا التصور قد يسهّل عملية التخطيط وتنظيم القوات، إلا أنه يشكّل عائقاً كبيراً أمام الفهم العميق لطرق التصدي لهذا التهديد الفريد، الأهم من ذلك، أن هذا التصور المحدود يُضعف القدرات العملياتية للجيش، ويحول دون مواجهة فعالة وشاملة لأبعاد هذه المعضلة المتشابكة.
رؤى قاصرة وحلول محدودة
أشار العقيد “ع” والنقيب الاحتياطي “ي” إلى أن تعامل جيش الاحتلال الإسرائيلي مع التهديدات الكامنة تحت الأرض، لم يشهد تطوراً يُذكر منذ عملية “الجرف الصامد” عام 2014، إذ ظلّ أسير النماذج التقليدية التي عفا عليها الزمن، وفي الوقت الذي كثّفت فيه حركة حماس جهودها في توسعة شبكات الأنفاق، وعزّزت تقنيات التمويه والإخفاء، وشيّدت منشآت علوية لإخفاء ما يقع تحتها من شبكات تحت الأرض، ظلّ جيش الاحتلال يتعامل مع هذا التهديد الاستراتيجي باستخفافٍ واضح، غير مدرك لمآلات هذا الإهمال.
ورغم ما طُرح من مقترحات من قِبل بعض القادة العسكريين لتحويل مواجهة التهديدات تحت الأرض إلى هدف استراتيجي يُعزز من قدرة الجيش، لم يُكتب لهذه الأفكار أن ترى النور، وجاء في المقال: “لقد رصد الجيش التحولات المتسارعة على أرض الواقع، لكنه اختار أن يحصر تركيزه في حلول ضيقة الأفق ومحدودة التأثير، اقتصرت في معظمها على الجانب الدفاعي”.
ويرى الكاتبان أن هذا التركيز المحدود مردّه إلى عاملين رئيسيين، أولهما الخوف من تصعيد المواجهات العسكرية، وثانيهما شعور الجيش بالعجز الذي ينبع في جوهره من القيود التكنولوجية التي لم يتمكن من تجاوزها.
لم يقتصر الأمر على عجز جيش الاحتلال عن تحقيق التفوق في الفضاءات تحت الأرض، بل جاءت النتائج عكسية تماماً: “إن الاستراتيجية التي اعتمدتها حماس في تطوير منظومات مترابطة تحت الأرض، تميزت بالتنظيم والتكامل، قد نجحت في تحييد التفوق العملياتي للجيش الإسرائيلي، لقد انعكس هذا العجز على طول أمد الحرب، وعلى وتيرة العمليات العسكرية، بل حتى على امتداد الحملة برمتها، ولا تزال تداعيات هذا القصور مستمرةً إلى يومنا هذا”.
ومن وجهة نظر الكاتبين، فإن نجاح حماس في استغلال الفضاءات التحتية يُعدّ شهادةً دامغةً على أن التفوق التكنولوجي الإسرائيلي، الذي طالما تباهى به، قد أصبح عاجزاً وضعيفاً أمام هذا التهديد الفريد.
خاتمة وتوصيات بتحول جوهري
اختتم الكاتبان مقالهما بالدعوة إلى إحداث تحول جذري في بنية الجيش الإسرائيلي، مشدّدين على ضرورة “استقطاب كفاءات بشرية متخصصة تكون مهمتها ووظيفتها حصراً التصدي للتحديات في الفضاءات التحتية”.
ويرى الكاتبان أن تبني هذا المسار لن يفضي فقط إلى تعزيز قدرات الجيش في مواجهة التهديدات تحت الأرض، بل سيُمهّد الطريق لبناء بنية تحتية دفاعية متكاملة داخل "إسرائيل" ذاتها، تشمل إنشاء منشآت دفاعية محصّنة، وتطوير قدرات هجومية تحت الأرض، بالاعتماد على تكنولوجيا محلية متقدمة، ما قد يتيح للجيش استعادة شيء من توازنه أمام هذا النوع من التحديات.