الوقت- في وقت تواصل فيه "إسرائيل" تصعيد هجماتها على قطاع غزة في ما وصفه البعض بـ"حرب الإبادة"، كانت سبع دول أوروبية تتحرك بشكل جماعي لإحداث تغيير جذري في مسار الحرب، مطالبةً المجتمع الدولي بالتحرك لحماية الأرواح الإنسانية وتوفير المساعدات اللازمة، هذه الدول التي تضم إسبانيا، النرويج، آيسلندا، أيرلندا، لوكسمبورغ، مالطا، وسلوفينيا، أصدرت بيانًا مشتركًا يعبّر عن قلقها العميق إزاء الأوضاع الإنسانية في غزة، والتي وصفها البيان بأنها "كارثة من صنع الإنسان"، كما دعا البيان إلى رفع الحصار الإسرائيلي فورًا عن القطاع، ووقف العمليات العسكرية التي تسببت في مقتل عشرات الآلاف من المدنيين.
البيان الأوروبي: موقف أخلاقي في وجه الجريمة الإنسانية
المواقف التي أظهرتها هذه الدول تتسم بالشجاعة، حيث لا تكاد تترك مساحة للشك في رفضها التام لما تقوم به "إسرائيل" من تصعيد عسكري وحصار مطبق على غزة، وقد أكدت الدول السبع في بيانها أنها "لن تصمت أمام الكارثة الإنسانية المصنوعة بأيدٍ بشرية"، معتبرة أن هذه الحملة العسكرية هي حرب إبادة بحق المدنيين الفلسطينيين، البيان يشير إلى أن أكثر من 50 ألف شخص فقدوا حياتهم، وأن هناك خطرًا كبيرًا بموت المزيد من الأبرياء بسبب المجاعة التي قد تضرب القطاع إذا لم يتخذ المجتمع الدولي خطوات عاجلة.
من أبرز ما ركز عليه البيان هو الدعوة إلى رفع الحصار الإسرائيلي الظالم الذي يعيق وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن إلى غزة، هذا المطلب يمثل جزءًا من الحل الجذري الذي تسعى الدول الأوروبية السبع إلى تحقيقه في سبيل تخفيف معاناة السكان المحاصرين، كما شدد البيان على أهمية دعم الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، وأبرزها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، لضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عراقيل.
الفرق بين الدول المساندة لدعوة رفع الحصار والدول المحايدة أو المؤيدة لكيان الاحتلال الإسرائيلي
هذه المواقف الجريئة من الدول الأوروبية السبع تبرز بوضوح الفرق بينها وبين الدول الأخرى التي إما تلتزم الحياد، أو في بعض الحالات، تدعم بشكل غير مباشر الممارسات الإسرائيلية، تلك الدول التي تظل محايدة أو تحجم عن اتخاذ خطوات حاسمة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، غالبًا ما تجد نفسها متواطئة بشكل غير مباشر في استمرار هذه الجرائم الإنسانية، في المقابل، فإن المواقف التي اتخذتها الدول السبع تبرز كمواقف إنسانية، تميزها عن الدول الأخرى التي تختار السكوت أو حتى تدعم الأعمال العدائية الإسرائيلية عبر تقديم الأسلحة أو الدعم الدبلوماسي.
الفرق بين الحياد والتواطؤ يصبح جليًا في هذه الحالة، حيث لا يمكن تجاهل ما يحدث في غزة من جرائم من دون أن يكون ذلك موافقة ضمنية على استمراره، الحياد في هذا السياق هو مجرد موقف غير فاعل في حين أن التواطؤ هو الدعم أو حتى السكوت عن الجرائم التي تتم تحت إشراف الاحتلال الإسرائيلي، الدول التي تلتزم الحياد تجد نفسها في موضع اتهام من قبل المجتمع المدني وحقوق الإنسان في كل مكان لأنها تُبقي على صمتها في مواجهة ما يعتبره الكثيرون إبادة جماعية بحق المدنيين.
موقف أوروبي متقدم
المواقف التي اتخذتها الدول السبع تأتي ضمن إيمان راسخ بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، حيث أكدت الدول السبع مجددًا دعمها لحل الدولتين، وهو المبدأ الذي يتبناه العديد من الفاعلين الدوليين كحل طويل الأمد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومن خلال هذا البيان، يبدو أن هذه الدول قد نأت بنفسها عن الصمت الذي غالبًا ما ترافق به دول الاتحاد الأوروبي الأخرى التي تتجنب إصدار بيانات صارمة ضد "إسرائيل".
إحدى النقاط المهمة التي تظهر في الموقف الأوروبي السبع هي تأكيدها على رفض أي محاولة لتغيير التركيبة السكانية في غزة أو طرد الفلسطينيين قسراً، وهو أمر يشكل انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي.
دور المجتمع الدولي في دعم موقف الدول الأوروبية السبع
إن دعم موقف هذه الدول السبع يمكن أن يكون له تأثير كبير على مجريات الأحداث في غزة، أولًا، يمكن لهذا الموقف أن يشجع دولًا أخرى على اتخاذ مواقف مماثلة، ما قد يشكل ضغطًا دبلوماسيًا على "إسرائيل" لتغيير سياساتها، ثانيًا، يجب على المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أن يعيد تقييم مواقفهم إزاء ما يحدث في غزة.
من أجل دعم هذه المواقف الإنسانية، يمكن تعزيز التنسيق بين الدول التي تعارض السياسات الإسرائيلية على مختلف الأصعدة، كما يجب تسليط الضوء على الدعم الكبير الذي تقدمه هذه الدول للمنظمات الإنسانية وتيسير وصول المساعدات إلى غزة، في الوقت ذاته، ينبغي العمل على تصعيد الجهود الدبلوماسية لتحقيق وقف فوري لإطلاق النار، مع ضمان أن يتم اتخاذ خطوات جدية من قبل "إسرائيل" لإعادة إعمار غزة وإنهاء الحصار بشكل كامل.
المسؤولية الأخلاقية: كيف يجب أن يتعامل المجتمع الدولي مع الجرائم الإسرائيلية؟
إن المواقف الإنسانية الصادرة عن الدول الأوروبية السبع تفتح الباب لتساؤلات حاسمة حول المسؤولية الأخلاقية للمجتمع الدولي في وقف ما يحدث في غزة، وفي هذا السياق، تحذّر هذه الدول من أن استمرار القمع والإبادة الجماعية سيؤدي إلى نتائج كارثية، ليس فقط للفلسطينيين في غزة، بل أيضًا للسلام في المنطقة ككل، في حين أن هناك حاجة ملحة لتحريك الملف الفلسطيني على المستوى الدولي، من الأهمية بمكان أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته في دعم العدالة الإنسانية.
إن حلّ هذه الأزمة يتطلب تدخلًا دبلوماسيًا فعالًا، وتعاونًا غير مسبوق بين الدول والمنظمات الإنسانية، يجب أن يتم تسليط الضوء على ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، ومطالبة جميع الأطراف بتسوية عادلة تحفظ حقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، مع ضرورة التأكيد على تطبيق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان.
ختام القول، الأمل في التغيير ومسؤولية المجتمع الدولي
في ظل الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، يظل الأمل معقودًا على استمرار الضغط الدولي على الاحتلال الإسرائيلي من خلال حركات ضغط دبلوماسي وإعلامي ومجتمعي، الدول الأوروبية السبع قدمت مثالًا يحتذى به في كيفية استخدام السياسة الدولية من أجل تحقيق العدالة الإنسانية، ومع استمرار هذا التوجه، قد يصبح السبيل الوحيد لإنهاء معاناة الفلسطينيين هو تحرك دولي شامل يتجاوز الحياد إلى الانحياز الواضح للحقوق الإنسانية والعدالة الدولية.