الوقت- في مشهد يعكس التحولات العميقة في المشهد السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد، كشفت مصادر مطلعة عن مبادرة غير مسبوقة من زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، تهدف إلى فتح قنوات اتصال مباشرة مع الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب.
ووفقاً للتقارير، يسعى الجولاني إلى لقاء شخصي مع ترامب خلال زيارته المرتقبة إلى المنطقة، مقدّماً سلسلة عروض ملفتة تتضمن:
- بناء "برج ترامب" في دمشق كرمز لتحالف اقتصادي وسياسي جديد.
- إقامة علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني في حال اعتراف أمريكا بشرعية الهيئة.
- منح الولايات المتحدة حق الوصول الكامل إلى موارد النفط والغاز في الشمال السوري.
تحوّل دراماتيكي في خطاب الجولاني
تأتي هذه التحركات في سياق محاولات الجولاني لإعادة تقديم نفسه كفاعل سياسي مشروع، مستفيداً من الفراغ الذي خلفه انهيار النظام السابق، ومن التبدل في أولويات السياسة الأمريكية بقيادة ترامب الذي عاد إلى السلطة بسياق يتسم بالتركيز على الصفقات الكبرى في الشرق الأوسط.
وتعكس المبادرة تحوّلاً جذرياً في خطاب الجولاني، الذي كان قبل سنوات زعيماً لتنظيم مصنّف إرهابياً عالمياً، لكنه عمل تدريجياً على تطهير صورته داخلياً وخارجياً، بدءاً بفك ارتباطه مع تنظيم القاعدة، ثم تقديم نفسه كقائد محلي "براغماتي"، وانتهاءً بهذه الخطوة العلنية التي تذهب أبعد من مجرد الوساطات، إلى عروض تحالف مباشر مع القوة الكبرى.
السباق إلى دمشق: طموحات الجولاني في سوريا الجديدة
اقتراح بناء "برج ترامب" في دمشق ليس مجرد فكرة رمزية، بل يحمل رسالة واضحة بأن الجولاني يرى نفسه وريثاً محتملاً للحكم في سوريا ما بعد الأسد، في ظل غياب قوة مركزية موحدة، تسعى هيئة تحرير الشام لتثبيت موقعها كـسلطة أمر واقع في شمال البلاد، مستعدة للانفتاح الكامل على الغرب وتقديم تسهيلات اقتصادية واستراتيجية لقاء الاعتراف بشرعيتها.
ويبدو أن الجولاني يراهن على ترامب تحديداً، بسبب سمعته في إدارة العلاقات الخارجية عبر الصفقات الشخصية وليس عبر المؤسسات التقليدية، ويأمل أن يؤدي هذا النوع من العروض إلى تحريك المياه الراكدة في السياسة الأمريكية تجاه الفصائل الإسلامية التي تسعى للتماهي مع المصالح الأمريكية، ولو ظاهرياً.
ورقة "إسرائيل" والنفط: رسائل موجهة
من أخطر ما تضمنته مبادرة الجولاني، إبداء استعداد للانفتاح على "إسرائيل"، في خطوة تُعتبر انقلاباً كاملاً على العقيدة التي تأسست عليها جبهة النصرة، لكن، في ظل الانهيار الإقليمي والتغيرات الجذرية التي أعقبت سقوط النظام السوري، فإن الطروحات الأيديولوجية بدأت تتراجع لمصلحة حسابات البقاء والنفوذ.
أما عرض منح الأمريكيين وصولاً كاملاً إلى النفط والغاز، فهو يعكس محاولة الهيئة تقديم نفسها كحليف موثوق في حماية المصالح الغربية، في وقت تسعى فيه واشنطن لتقليل أعبائها العسكرية واللوجستية في المنطقة.
اللقاء المستبعد: بين رغبة الجولاني وحسابات واشنطن
حتى اللحظة، لم يصدر عن الإدارة الأمريكية أي تعليق رسمي على عروض الجولاني، إلا أن مصادر مطلعة استبعدت أن يتم اللقاء، رغم ميل ترامب إلى اتخاذ قرارات مفاجئة وتاريخية، فالجولاني، رغم محاولاته تجميل صورته، ما زال شخصية جدلية يصعب تبرير التعامل معها أمام الرأي العام الأمريكي والكونغرس.
ومع ذلك، فإن الرسائل التي يحملها العرض تتجاوز شخص ترامب، إنها موجهة أيضاً إلى مراكز التفكير والسياسات في واشنطن، وتؤكد أن فصائل كانت تُعدّ جزءاً من المشكلة باتت تقدم نفسها الآن كجزء من الحل.
شرعية بلا دولة... ونفوذ بلا جيش: ملامح سوريا الجديدة
في المرحلة الجديدة التي دخلتها سوريا بعد سقوط الأسد، تتسابق القوى المحلية لملء الفراغ، وكل منها يحاول خطب ودّ الأطراف الدولية الكبرى، هيئة تحرير الشام، بقيادة الجولاني، لا تملك قوة كافية للسيطرة الكاملة على سوريا، لكنها تحاول التسلل إلى شرعية سياسية عبر خطاب عقلاني محسوب.
وبينما ترفض أطراف كثيرة داخل سوريا وخارجها التعامل مع الهيئة، فإنها تحاول كسر العزلة عبر مبادرات جريئة، حتى لو بدت غير قابلة للتحقيق، كاقتراح بناء برج ترامب وسط دمشق المدمرة.
في النهاية يمكن القول إنه، في ظل التحولات الكبرى في سوريا والمنطقة، وبينما تعيد واشنطن صياغة سياستها الشرق أوسطية بقيادة ترامب، يحاول الجولاني اغتنام اللحظة عبر عروض صادمة وخارجة عن المألوف، لكنها، حتى الآن، تبدو أقرب إلى صرخة في فراغ سياسي من كونها مشروعاً واقعياً.
ومع ذلك، فإن مجرد التفكير في برج ترامب في دمشق، يعكس حجم التحول في عقلية بعض القوى المسلحة، التي باتت ترى في الغرب بوابة شرعية لا عدوها التاريخي.