الوقت - في مشهد غير مألوف في قلب القدس الغربية، اجتمع مساء الجمعة آلاف الإسرائيليين من مختلف الفئات والتيارات السياسية، للمشاركة في ما وصف بأنه "أكبر تجمع مدني مناهض للحرب منذ 7 أكتوبر 2023"، وذلك في إطار فعاليات "مؤتمر السلام الشعبي" الذي نظمه ائتلاف "لقد حان الوقت"، بمشاركة أكثر من 60 منظمة إسرائيلية تنشط في مجالات السلام والمصالحة.
وتحوّلت ساحة المؤتمر إلى منصة احتجاجية مفعمة بالغضب والأمل، حيث رُفعت لافتات كُتب عليها: "كفى للحرب.. لقد حان الوقت لحل سياسي"، في رسالة واضحة لرفض استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والدعوة إلى مخرج سياسي عادل ينهي دوامة العنف.
وشارك في المؤتمر طيف واسع من المجتمع الإسرائيلي، بينهم جنود احتياط معارضون للحرب، وعائلات أسرى، ومستوطنون من محيط غزة، وحقوقيون وفنانون، ودبلوماسيون وشخصيات عامة، ما أضفى على الحدث زخماً واسعاً ومتنوعاً قل نظيره في المشهد الإسرائيلي الحالي.
أصوات من الداخل والخارج: "السلام ليس مستحيلاً"
تميّز المؤتمر بكلمات لافتة تم بثها عبر الفيديو لرؤساء دول وشخصيات سياسية إسرائيلية وفلسطينية، أبرزها كلمة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي خاطب الحضور قائلاً: "قلوبنا مع العائلات الإسرائيلية والفلسطينية على حد سواء. أحيّي الشجعان الذين يعملون اليوم من أجل حياة مشتركة وسلام."
أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فقد وجّه رسالة شديدة اللهجة من رام الله، شدد فيها على أن: "السلام ممكن، ومن خلال العدالة نستطيع أن نضمن الأمن والمستقبل لجميع شعوب المنطقة"، مشدداً على أن "السلام لن يتحقق بالاحتلال والعدوان، وتدمير البيوت والمستشفيات والمدارس، أو بإنكار حق الشعب الفلسطيني في الحرية والدولة والكرامة."
وأضاف عباس: "نحن ننبذ العنف بكافة أشكاله، ونرفض قتل المدنيين والتنكيل بهم، وندعو لإطلاق سراح جميع المحتجزين والأسرى."
أصوات الكنيست: دعوة لوقف "الحرب اللعينة"
من داخل الكنيست الإسرائيلي، خرجت أصوات داعمة للمؤتمر، حيث قال النائب العربي أيمن عودة: "حتى في خضم الحرب، يواصل اليهود والعرب النضال معًا. لستم وحدكم في هذا الجهد من أجل السلام، نحن معكم."
فيما أكد النائب أحمد الطيبي أن: "في غزة يُقتل طفل كل ساعة. وسط هذا الألم، يجب أن نصرخ بأعلى صوتنا: يجب إنهاء هذه الحرب اللعينة."
كما ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت كلمة في المؤتمر، في مؤشر على انخراط شخصيات من مستويات عليا سابقة في المؤسسة الإسرائيلية في الدعوة لإنهاء الحرب.
فعاليات فنية وثقافية ومناقشات حول الأمن والدبلوماسية
لم تقتصر فعاليات المؤتمر على الخُطب، بل شملت جلسات نقاشية احترافية تناولت قضايا الأمن والاقتصاد والتعليم والثقافة والدبلوماسية، إلى جانب عروض فنية لمجموعة من الفنانين البارزين، في محاولة لرسم ملامح رؤية جديدة للمستقبل ما بعد الحرب.
خلفية دامية
يأتي هذا المؤتمر في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي أسفر حتى الآن عن استشهاد وإصابة أكثر من 172 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، وفقدان أكثر من 11 ألف شخص، وسط دمار شامل في البنى التحتية والمرافق الحيوية.
وفي سياق متصل، اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرًا بأن عدد الأسرى الإسرائيليين الأحياء في غزة لا يتجاوز 21 أسيرًا، رغم أن التقديرات السابقة كانت تشير إلى وجود 24، من أصل 59 محتجزًا، بينما يقبع في السجون الإسرائيلية أكثر من 9900 أسير فلسطيني، يعانون من ظروف قاسية تتضمن التعذيب والإهمال الطبي.
رسائل المؤتمر: لا سلام بدون عدالة
بعث المشاركون في "مؤتمر السلام الشعبي" رسالة واضحة مفادها أن الطريق إلى الأمن لا يمر عبر القصف والقتل، بل عبر الاعتراف بحقوق الآخرين وصناعة السلام على أسس العدالة والكرامة المتبادلة. كما أكدوا على أن استمرار الحرب لا يحقق سوى مزيد من الدماء والانقسام، بينما السلام العادل وحده كفيل بفتح أفق لحياة آمنة للجميع.