الوقت - سقط صندوق مساعدات إنسانية خلال جسر جوي لحزم المساعدات في وسط قطاع غزة، ما أسفر عن مقتل مواطن فلسطيني يوم الاثنين، هذا الفلسطيني ليس أول ضحية، وربما لن يكون الأخير، للمساعدات الدراماتيكية المقدمة إلى غزة، وحتى الآن، رافقت عمليات الإنزال الجوي المحدودة للمساعدات إلى سكان غزة خسائر فادحة وتكاليف باهظة للاجئين.
مساعدات لتهدئة الرأي العام
يعتقد جان بيير فيليو، المحلل السياسي الفرنسي، أن الغرض من هذا النوع من المساعدات الجوية هو فقط تهدئة الرأي العام العالمي ضد "إسرائيل"، وليس تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني، وفقاً لهذا الخبير الفرنسي، فإن المساعدات الجوية لغزة ليست حلاً للمجاعة والكارثة الإنسانية في غزة، بل هي أشبه بمسرحية.
كما صرّح "فيليو"، الأستاذ الجامعي البارز والخبير في شؤون الشرق الأوسط، لشبكة دويتشه فيله الألمانية بأن "إسرائيل" تستخدم احتجاز المساعدات كرهائن كأداة للضغط على سكان غزة، وفي مقال له في صحيفة لوموند، ذكر أن المساعدات الجوية وعمليات إسقاط المساعدات جواً في مناطق الحرب "هي أقل الطرق فعالية لتوزيع المساعدات الإنسانية".
خسائر فادحة في مسرحية المساعدات
تشير التقارير أيضاً إلى أن عمليات إسقاط المساعدات جواً تسببت في خسائر فادحة بين نازحي غزة، حيث سُحق الكثيرون تحت مظلات حزم المساعدات الكبيرة، وقد انضمت المملكة المتحدة وفرنسا والأردن وإسبانيا بالفعل إلى الجسر الجوي، لكن يبدو أن تأثير هذه المساعدات إعلامي ودعائي أكثر منه عملياً، قبل يومين، أسقطت طائرة إماراتية صندوقاً من المساعدات في غزة، لكنه سقط بعد تعطل مظلته.
وصلت المجاعة في غزة إلى حد وصل فيه سعر كيس الدقيق (25 كيلوغرامًا) إلى 1000 دولار أمريكي، حسبما ورد، في فبراير من العام الماضي، وقعت "مجزرة الدقيق" في غزة بسبب سوء توزيع الدقيق، والتي قُتل فيها ما لا يقل عن 118 شخصًا إما نتيجة تدافع أو على يد القوات الإسرائيلية.
تاريخ النقل الجوي
استُخدم النقل الجوي لأول مرة خلال الحرب العالمية الثانية لتقديم الإغاثة للقوات المحاصرة، وأصبح منذ ذلك الحين أداة حيوية للمساعدات الإنسانية، استخدمت الأمم المتحدة هذه الطريقة لأول مرة لإيصال المساعدات عام 1973.
ومع ذلك، ووفقًا لتقرير برنامج الغذاء العالمي لعام 2021، يُعتبر النقل الجوي "الملاذ الأخير" للإغاثة، ولا يُستخدم إلا "عندما لا تتاح خيارات أخرى"، كان جنوب السودان آخر منطقة تتلقى عمليات نقل جوي في ذروة المجاعة، وغزة الآن تشهد نفس الظروف.
قال فيليب لازاريني، رئيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، إن نقل الغذاء جوًا "مكلف وغير فعال، وقد يتسبب في سقوط ضحايا ووفيات بين اللاجئين"، ووصف لازاريني الجسر الجوي إلى غزة بأنه "عملية تهدف إلى صرف انتباه الرأي العام عن كارثة غزة".
كما صرّح كيران دونيلي، من لجنة الإغاثة الدولية في لندن، بأن النقل الجوي "لا يمكنه أبدًا تلبية الاحتياجات".
حساب احتياجات الإغاثة
يقدر جو إنوود، مراسل بي بي سي وورلد، أن هناك حاجة لأكثر من 160 رحلة جوية يوميًا لتوفير وجبة واحدة لكل مليوني نسمة من سكان غزة، لكن الحد الأقصى لعدد الرحلات الجوية يوميًا للمساعدات الجوية لا يتجاوز 20 رحلة.
صرح رياض عثمان، خبير شؤون الشرق الأوسط في ميديكو إنترناشونال، في مؤتمر صحفي عُقد في برلين، أنه قبل الـ 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان ما بين 500 و600 شاحنة تصل يوميًا إلى سكان غزة واقتصادها. اليوم، حتى 600 شاحنة يوميًا لا تكفي لتلبية احتياجات قطاع غزة، ليس فقط بسبب تدمير البنية التحتية الأساسية ونظام الرعاية الصحية في غزة، بل أيضًا تدمير الزراعة بالكامل.
عادةً ما تحمل الشاحنة حوالي 20 طنًا من المساعدات؛ بالإضافة إلى الغذاء، غالبًا ما تشمل الإمدادات الطبية الأساسية ومياه الشرب، وحاليًا، يدخل أقل من 150 شاحنة مساعدات إلى غزة يوميًا، وهو مستوى يُفاقم الأزمة.
التجويع.. سلاح "إسرائيل" اللاإنساني
أصبح تقييد المساعدات أداةً لاإنسانية تستخدمها "إسرائيل" للضغط على غزة، وصرحت جوليا دويتشر، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية في ألمانيا: "هناك أدلة دامغة على أن "إسرائيل" تستخدم التجويع المتعمد كسلاح حرب"، ودعت الحكومة الألمانية إلى وقف إرسال الأسلحة إلى "إسرائيل" وزيادة الضغط الدبلوماسي على نتنياهو.
في الواقع، يمكن القول إن تقديم المساعدات لغزة لم يعد مجرد مسألة تقنية أو لوجستية، بل أصبح مسألة سياسية وأخلاقية وقانونية بحتة، إن صمت الدول المؤثرة أو تقاعسها، أو تقديم مساعدات جوية رمزية وغير فعالة، لا يهدئ ضمير العالم ولا الرأي العام، يعتقد العديد من المراقبين أن الحكومات الأجنبية، بتبنيها نماذج مساعدات غير فعالة واستعراضية، تتنصل من مسؤولياتها، وتكتفي بإدارة ظاهر الأزمة، دون التطرق إلى جوهر حلها في غزة.