الوقت - في مشهدٍ غير مألوف داخل الأوساط القانونية البريطانية، وجد ثلاثة محامين أنفسهم في قلب عاصفة من التهديدات والمضايقات، فقط لأنهم اختاروا الدفاع عن حق قانوني مكفول بموجب التشريعات البريطانية، الطعن في قرار حكومي، القضية التي تفجّرت مطلع أبريل/نيسان الجاري تعود إلى محاولة قانونية أطلقها محامون بريطانيون لشطب حركة "حماس" من قائمة التنظيمات الإرهابية المحظورة في بريطانيا.
لكن ما بدأ كمسار قانوني طبيعي، سرعان ما تحوّل إلى كابوسٍ شخصي ومهني، بعد أن تعرّض فريق المحامين لهجمات إعلامية شرسة وتهديدات خطيرة، بلغت حد القتل، حسب تصريحاتهم.
محامون في مرمى النار: "نشعر أننا مستهدفون بسبب قيامنا بعملنا"
في تصريحات لوكالة الأناضول، كشف المحامي فهد أنصاري، مدير مكتب "ريفرويه لو" البريطاني، أنه ومنذ التقدّم بطلب قانوني رسمي لشطب حركة "حماس" من القائمة السوداء، بدأ يتلقى هو وزملاؤه تهديدات عنيفة طالت حتى الموظفين الإداريين في مكتبه.
وقال أنصاري: "وصلتنا مئات الرسائل والمكالمات التي تضمنت شتائم وتهديدات مباشرة بالقتل، ما اضطر موظفينا لأخذ إجازة حمايةً لأنفسهم"، وأضاف: إن المكتب اضطر لتعزيز إجراءاته الأمنية، متّهماً سياسيين وصحفيين بارزين بإطلاق حملات تشويه ممنهجة أدت إلى هذه الأجواء العدائية.
وتابع قائلاً: "نحمّل أولئك الذين صوّرونا كخطر على المجتمع كامل المسؤولية عن المضايقات التي نتعرض لها".
رسالة تضامن من جنوب إفريقيا: "لا ننسى أن من صنّفوا نلسون مانديلا إرهابياً هم أنفسهم يدينون اليوم الدفاع عن حقوق الإنسان".
رداً على ما جرى، أصدرت أكثر من 80 شخصية قانونية ومؤسسة حقوقية في جنوب إفريقيا رسالة تضامن قوية مع المحامين البريطانيين، معبّرة عن "القلق العميق" تجاه ما وصفته بحملة منظمة تهدف لتجريم الدفاع القانوني عن حقوق الفلسطينيين.
وجاء في الرسالة: "ما نراه الآن يُعيد إلى أذهاننا ما واجهناه خلال حقبة الفصل العنصري، حين كان الدفاع عن حركات التحرر يُعد جريمة"، وأضافت إن الربط بين المحامين ومواقف موكليهم السياسية هو انتهاك صارخ لأبسط مبادئ القانون.
كما وقّع على الرسالة وزير الاستخبارات السابق في جنوب إفريقيا، روني كاسريلز، والقاضي زكريا يعقوب، مؤكدين أن "الضغط الإعلامي والسياسي الذي يواجهه المحامون في بريطانيا، يذكّر بسنوات القمع السياسي الذي وُجه به المدافعون عن نيلسون مانديلا ورفاقه".
القضية الأساسية: اعتراض قانوني على قرار سياسي
الخطوة القانونية التي اتخذها المحامون دانييل غروترز، فهد أنصاري، وفرانك ماجينيس، استندت إلى المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب البريطاني، التي تتيح لأي جهة الطعن في إدراج منظمة ضمن قائمة الإرهاب.
وقال المحامي دانييل غروترز، من مكتب "وان بامب كورت تشامبرز": إن "القرار الذي اتخذته وزيرة الداخلية السابقة بريتي باتيل عام 2021 لم يكن مبنياً على تقييم قانوني محايد، بل على دوافع سياسية صرفة".
وأضاف: إن التوسيع المفاجئ لتصنيف حركة "حماس" ليشمل جناحها السياسي "يمثل سوء استخدام لصلاحيات وزارة الداخلية"، وأوضح أن الطلب المقدم إلى وزيرة الداخلية الحالية إيفيت كوبر يتكون من 106 صفحات تشمل دفوعًا قانونية مدعومة بشهادات خبراء وقوانين دولية.
وشدد المحامون على أنهم لم يتلقوا أي أتعاب من "حماس"، التزاماً بالقوانين البريطانية التي تجرّم تلقي أموال من جهات مصنفة إرهابية.
بين حرية التعبير والقيود السياسية
يرى المحامون أن معركتهم القانونية لا تتعلق فقط بإعادة النظر في تصنيف "حماس"، بل تهدف أيضاً إلى حماية مساحة حرية التعبير داخل بريطانيا، وأشار غروترز إلى أن "القيود الحالية المفروضة على من يعبّر عن دعمه لحماس تمثل مسّاً خطيراً بالحريات، ولا يمكن القبول بها في دولة تدّعي احترام القانون".
وأكد أن الدفاع عن الحق في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال هو حق مكفول بموجب القانون الدولي، داعياً وزيرة الداخلية البريطانية إلى "التعامل بجدية" مع الطلب، ومشيراً إلى إمكانية اللجوء إلى لجنة الاستئناف في حال رُفض دون تبرير قانوني سليم.
السياق السياسي والقانوني الأوسع: "ازدواجية المعايير وتسييس القانون"
جاءت هذه الحملة القانونية في ظل أحداث دامية يشهدها قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، والتي وصفتها المحكمة الجنائية الدولية ومؤسسات حقوقية بأنها "إبادة جماعية" ترتكبها "إسرائيل" بدعم أمريكي.
وحسب المحامين، فإن استمرار تصنيف "حماس" كمنظمة إرهابية، في وقت تتصاعد فيه جرائم الحرب الإسرائيلية، يعكس "ازدواجية فاضحة في تطبيق معايير الإرهاب"، حيث لا تخضع أطراف أخرى ترتكب العنف المنظم للتصنيفات نفسها.
وفي تطور قانوني غير مسبوق، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في نوفمبر 2024 مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في غزة.
القضية التي أطلقها المحامون البريطانيون لا تمثل فقط معركة قانونية حول تصنيف منظمة، بل تكشف عن صراع أعمق يدور في قلب المؤسسات الغربية بين سيادة القانون والأجندات السياسية.
في خضم هذا المشهد، يجد المحامون أنفسهم أمام تحدٍ مزدوج، الدفاع عن حججهم القانونية، وحماية أنفسهم من محاولات الإسكات، وفي حين ينتظر الجميع رد وزارة الداخلية على الطلب، يظل السؤال الأبرز: هل يمكن للقانون أن ينتصر على السياسة في واحدة من أكثر القضايا جدلاً في بريطانيا اليوم؟