الوقت- ازداد حضور الكيان الصهيوني في آسيا الوسطى بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وأصبحت أوزبكستان أحد الأهداف الرئيسية لهذه الاستراتيجية.
تعمل وكالة التعاون الإنمائي الإسرائيلية (ماشاو) ظاهريًا بمشاريع تعليمية وصحية وزراعية في أوزبكستان، إلا أن التحليل الدقيق لهذه الأنشطة يرسم صورة واضحة لأهداف "إسرائيل" الخفية في استغلال النفوذ الناعم، وتلميع صورتها الدولية، وتضليل الرأي العام، وتعزيز حضورها الجيوسياسي في المنطقة.
أهمية أوزبكستان للكيان الصهيوني
تحظى أوزبكستان بأهمية خاصة للكيان الصهيوني نظرًا لعوامل تاريخية وثقافية وجيوسياسية، تاريخيًا، شكّلت الجالية اليهودية البخارية، التي عاشت في أوزبكستان لقرون، جسرًا ثقافيًا بين الشعب الأوزبكي واليهود المحتلين، والذين يعيش الكثير منهم اليوم في فلسطين المحتلة، ولا يزالون يحافظون على صلتهم بوطنهم الأم.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، سعى الكيان الصهيوني إلى إقامة وتوطيد علاقاته مع الدول المستقلة حديثًا في المنطقة، بهدف الحد من عزلته الدولية من خلال توسيع شبكاته السياسية والاقتصادية.
بصفتها الدولة الأكثر سكانًا واستقرارًا سياسيًا نسبيًا في آسيا الوسطى، تُمثل أوزبكستان فرصة استراتيجية للكيان، فمن الناحية السياسية والاقتصادية، جعل موقع أوزبكستان الاستراتيجي في آسيا الوسطى منها شريكًا رئيسيًا للكيان في توسيع نفوذه الإقليمي.
في وقتٍ تتعرض فيه "إسرائيل" لضغوط دولية بسبب سياساتها في غرب آسيا، يُنظر إلى تطوير العلاقات مع دول مثل أوزبكستان على أنه وسيلة للخروج من عزلتها السياسية وكسب حلفاء جدد.
مشاريع ماشاو في أوزبكستان
1. إنشاء مركز لرعاية الأطفال في طشقند
بالتعاون مع وزارة الصحة الأوزبكية ومنظمة "إزغو أمل" غير الحكومية، أنشأت ماشاو أول مركز لرعاية الأطفال المصابين بأمراض مستعصية في طشقند، ورغم الخدمات المقدمة، يُعد هذا المشروع في الواقع جزءًا من جهدٍ لتلميع صورة "إسرائيل" على الساحة الدولية واستعادة صورة الكيان كـ"داعم للحياة".
2. توقيع مذكرة تعاون إنمائي
تركز المذكرة الموقعة بين وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية الأوزبكية وماشاو على تطوير التعاون في مجالات الزراعة والموارد المائية والصحة والبيئة، هذه الاتفاقيات، بدلًا من أن تكون مجرد أداة للتقدم التقني، تسمح لـ"إسرائيل" بالتأثير على الهياكل الأساسية وسياسات التنمية في أوزبكستان.
3. إدارة موارد المياه ونقل التكنولوجيا
بالإضافة إلى نقل المعرفة، تُتيح الدورات التدريبية لخبراء المياه في أوزبكستان على تقنيات تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي فرصةً للتعرف على البنية التحتية الحيوية وبناء الترابط التكنولوجي.
4. الدعم الطبي في أزمة كوفيد-19
تبرعت وكالة ماشاو بمعدات طبية ووقائية لمستشفى الأطفال في طشقند، وهي خطوة نُفذت تحت ستار المساعدات الإنسانية كجزء من مبادرة "معًا أفضل" لتحسين صورة "إسرائيل" العالمية خلال جائحة كوفيد-19.
5. التواصل من خلال نادي شالوم
يُعد إنشاء وتعزيز شبكة نادي شالوم في أوزبكستان، التي تضم خريجي دورات ماشاو، أداةً أخرى لمواصلة النفوذ الإسرائيلي والتواصل في الدول المستهدفة، تعمل هذه الشبكات كقنوات دبلوماسية غير رسمية، ما يُحوّل النخب المحلية إلى داعمين محتملين للمصالح الإسرائيلية.
6. زيارات الابتكار والتكنولوجيا
كانت دعوة مسؤولين من وزارة تطوير الابتكار في أوزبكستان لزيارة منظومات الابتكار الإسرائيلية جزءًا من استراتيجية استقطاب النخب وإقامة علاقات علمية واقتصادية طويلة الأمد مع المؤسسات الرئيسية في أوزبكستان.
7. التبرع بمعدات إعادة تأهيل للأطفال
استمراراً لسياسة استخدام الدبلوماسية الصحية، تبرعت شركة ماشاو بأجهزة محاكاة الحركة لمراكز طبية للأطفال في أوزبكستان، بالإضافة إلى الفوائد الإنسانية، تهدف هذه الإجراءات إلى إقامة روابط تكنولوجية ورمزية مع المجتمع المحلي.
تحليل من وراء الكواليس لمشاريع ماشاو
على الرغم من أن أنشطة ماشاو في أوزبكستان تهدف ظاهريًا إلى تطوير وتحسين نوعية حياة شعب هذا البلد، إلا أنها في الواقع أداة مستهدفة لتوسيع نفوذ "إسرائيل" الناعم.
أظهرت تحقيقات عديدة أن "إسرائيل" تستخدم مشاريع التنمية كأداة لتبييض أفعالها في الأراضي المحتلة، وتحاول إعادة بناء صورتها الدولية من خلال تقديم المساعدات الإنسانية.
من الناحية الجيوسياسية، يُمكّن وجود ماشاو في آسيا الوسطى الكيان من احتواء نفوذ إيران ومنافسيها الآخرين من خلال بناء تحالفات غير رسمية في هذه الدول، بالإضافة إلى وظيفتها الدعائية، تُعدّ شبكات مثل نادي شالوم أدوات محتملة لجمع المعلومات والتأثير على صنع القرار المحلي في أوزبكستان.
يشير استخدام شبكات مثل نادي شالوم، والمساعدات الإنسانية المُوجّهة، وبرامج التدريب الاستراتيجي، إلى أن الكيان يستخدم أدوات تبدو غير سياسية لأغراض جيوسياسية واستخباراتية عميقة.
أخيرًا، على الرغم من أن أنشطة ماشاو قد تُقدّم بعض الخدمات الضرورية للمجتمع الأوزبكي على المدى القصير، إلا أنه في غياب فهم سليم للأبعاد الاستراتيجية لهذه المشاريع، يبقى هناك خطر الهيمنة التدريجية على مجالات رئيسية في السياسة الداخلية والخارجية للبلد المستهدف، ومع ذلك، فإن وعي النخب والرأي العام بالأبعاد الخفية لهذه المشاريع يمكن أن يلعب دورًا مهمًا في الحد من الآثار المدمرة لهذا التأثير غير المباشر.