الوقت- في زمن الأزمات الكبرى، تصبح الكلمة مقاومة، والصورة شهادة راسخة أمام محاولات طمس الحقيقة، لكن، ما الذي يعنيه أن تكون صحفياً فلسطينياً وسط أتون الإبادة الجماعية؟ وكيف يتحول العمل الإعلامي من مجرد مهنة إلى معركة وجودية في وجه الموت اليومي؟
الصحافة بين الحياة والموت
في فلسطين، لا يحمل الصحفي قلمه أو كاميراه فقط، بل يحمل حياته على كفه، كل مهمة ميدانية قد تكون الأخيرة، وسط الغارات الجوية والقصف العشوائي من الكيان الصهيوني الغاشم، يعمل الصحفي الفلسطيني على توثيق المأساة، مدركاً أنه قد يدفع حياته ثمناً لكل صورة يلتقطها أو تقرير يقوم ببثه.
أن تكون صحفياً فلسطينياً يعني أن تخرج من منزلك مودعاً أهلك وكأنك ذاهب إلى خط الجبهة، وأن تتحرك بين الأنقاض وأنت لا تملك سوى قميصك الذي كُتب عليه "صحفي" ليكون درعك الوحيد أمام الرصاص.
من بين الركام.. تولد الذاكرة
في أرض تعيش تحت تهديد المحو اليومي، تتحول الصحافة الفلسطينية إلى ذاكرة حية تقاوم النسيان، لا تكتفي بتوثيق المجازر والانتهاكات، بل تصنع أرشيفاً إنسانياً يحمل تفاصيل الألم والأمل معاً.
كل صورة تُنقل من بين الأنقاض، وكل شهادة تُوثق على عجل قبل أن تندثر، تشكل جزءاً من معركة كبرى ضد محاولات طمس الرواية الفلسطينية وإعادة صياغتها بأقلام الخصوم.
الصحفي الفلسطيني لا يحفظ فقط مشاهد الدمار، بل يكتب التاريخ بدمه وصوته وصورته، مدركاً أن المعركة على الوعي لا تقل قسوة عن المعركة على الأرض، وفي كل لحظة خطر، يتقدم ليؤكد للعالم: إننا هنا... ونروي قصتنا بأيدينا.
الصحفي الفلسطيني: بين فوهة القلم وفوهة السلاح
في ساحات الإبادة، يتحول الصحفي الفلسطيني إلى أكثر من مجرد ناقل للخبر، يصبح شاهداً حياً على الجريمة، بل في أحيان كثيرة هدفاً مباشراً لها، لا يقف هذا الصحفي عند حدود توثيق الأحداث من الخارج، بل يعيش تفاصيلها اليومية، حيث تغدو خسارته لأهله وأحبائه جزءاً من القصة التي يسعى لتوثيقها للعالم.
ورغم فداحة المشهد الإنساني، يصر الصحفي الفلسطيني على أداء رسالته بمهنية عالية، مدركاً أن نقل الحقيقة في مثل هذه الظروف ليس مجرد واجب مهني، بل فعل مقاومة بحد ذاته، ومع كل تقرير يُبث أو صورة تُنقل، يمضي هذا الصحفي في أداء مهمته، رغم الاستهداف الممنهج الذي وثقته منظمات حقوقية دولية، ليبرهن أن الكلمة الحرة باتت هدفاً في ساحة الصراع.
ففي فلسطين، لا يُقتل الصحفيون بالصدفة، بل كثيراً ما يصبحون أهدافاً مكشوفة للقصف أو الرصاص، في محاولة لطمس الشهادات وإسكات الروايات، وبينما يغض العالم الطرف عن هذه الجرائم، يواصل الصحفي الفلسطيني كسر جدران الصمت، مثبتاً أن الصورة والكلمة قد تكونان أقوى في مواجهة آلة الحرب.
صدى الحقيقة يتخطى الحصار
رغم القيود والحصار الإعلامي الخانق، نجح الصحفيون الفلسطينيون في كسر الطوق المفروض عليهم، وبث رسالتهم إلى العالم، مستعينين بإمكانات بسيطة، حولوا مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإخبارية إلى جبهات مفتوحة لنقل مشاهد المجازر وصور المعاناة اليومية التي يعيشها شعبهم تحت القصف والحصار، لم تكن هذه الجهود مجرد نقل للأحداث، بل تحولت إلى قوة مؤثرة أسهمت في إحداث اختراق حقيقي في الوعي العالمي، وتحريك مشاعر الرأي العام تجاه القضية الفلسطينية، رغم استمرار محاولات التعتيم والتضليل الإعلامي.
في النهاية يجب القول إن الشجاعة رسالة لا تموت وأن تكون صحفياً فلسطينياً وسط إبادة جماعية هو أن تمارس أسمى درجات الشجاعة، أن توثق الحقيقة رغم الألم، أن ترفع الصوت رغم الصمت الدولي، وأن تتمسك بالقلم والكاميرا سلاحين في معركة البقاء، في كل صورة ينقلها، وكل قصة يرويها، وكل صرخة يوثقها، يثبت الصحفي الفلسطيني أن الكلمة قد تكون أقوى من الرصاصة، وأن الشهادة الحية قادرة على هز ضمير العالم، مهما طال صمته.