الوقت- سوف يلعب الوضع على الأرض في حرب أوكرانيا دورا رئيسيا في تحديد ردود فعل فلاديمير بوتين، ومع ذلك فإن الرئيس الروسي سوف يعدل نهجه لتحقيق الأهداف الاستراتيجية لموسكو وفقا لأفعال ترامب في تصعيد أو تخفيف التوترات، وفي ظل التطورات والتغيرات الأخيرة في السياسات الأمريكية، وخاصة خلال عهد ترامب، أثيرت أسئلة عديدة بشأن استمرار الحرب في أوكرانيا وكيف سيتفاعل بوتين مع الضغوط الأمريكية، وتتناول هذه المقالة مواقف بوتين، والخلافات الجديدة على جانبي الأطلسي، وكيف تستجيب روسيا لضغوط ترامب بشأن الحرب في أوكرانيا.
لقد أحدثت الحرب في أوكرانيا تغييرات عميقة في السياسة العالمية منذ بدايتها في عام 2014، وبالإضافة إلى الأزمات الإنسانية والعسكرية، أصبحت هذه الحرب واحدة من القضايا الأكثر مركزية في العلاقات الدولية، والتي تحظى فيها مواقف الحكومات المختلفة، وخاصة الولايات المتحدة وروسيا، بأهمية خاصة، إن سياسات ترامب تجاه روسيا والحرب في أوكرانيا قد تؤدي إلى تغييرات كبيرة في المعادلات العالمية.
انقسامات جديدة على جانبي الأطلسي وسياسات ترامب
في السنوات الأخيرة، كانت إحدى السمات المميزة للسياسة الخارجية الأمريكية في ظل رئاسة ترامب هي الخلافات التي نشأت بين واشنطن وحلفائها التقليديين في أوروبا، وخاصة الاتحاد الأوروبي، ولقد لعبت الخلافات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة، وداخل الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، دوراً في مصلحة روسيا، وخاصة في مواجهة الحرب في أوكرانيا.
من ناحية أخرى، أدى الدعم العسكري والاقتصادي واسع النطاق الذي تقدمه الولايات المتحدة لأوكرانيا والعقوبات الثقيلة ضد روسيا إلى فرض ضغوط كبيرة على الاقتصاد الروسي، ولكن من ناحية أخرى، ترددت الدول الأوروبية، وخاصة ألمانيا وفرنسا، في بعض الأحيان في مواجهة الضغوط الأمريكية لمواصلة دعم أوكرانيا وتشديد العقوبات، ومن الممكن أن تمنح هذه الفجوات روسيا فرصة لتعزيز علاقاتها مع دول محددة مثل الصين والهند وتقليص عزلتها العالمية.
وانتقد ترامب مرارا وتكرارا حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين، مؤكدا على ضرورة تقليل الاعتماد على حلف شمال الأطلسي والجهود المبذولة لتقليص الوجود العسكري للولايات المتحدة في أوروبا، وفي حين أن الاتحاد الأوروبي، وخاصة في الأزمة الأوكرانية، انتهج سياسات أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة، وواصل فرض العقوبات وتقديم الدعم العسكري لأوكرانيا.
ومع ذلك، مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تغيرت سياساته تجاه روسيا بشكل كبير، وكان ترامب قد صرح في وقت سابق بأنه يسعى إلى علاقات أوثق مع روسيا، وأنه سيواصل التأكيد على السياسات التي تعمل على تحويل العلاقات بين البلدين من المواجهة إلى التعاون، وقد يؤدي هذا التغيير في النهج إلى تخفيف الضغوط على روسيا وخلق فرص للمفاوضات حول الحرب في أوكرانيا.
وإذا قرر ترامب مواصلة الدعم العسكري لأوكرانيا والضغط على روسيا، فسوف يحتاج بوتين إلى الحفاظ على موقفه في مواجهة الغرب، وخاصة في خضم الحرب، وفي هذه الحالة، قد تسعى روسيا إلى تعزيز استراتيجياتها العسكرية في أوكرانيا في حين تستغل الانقسامات والخلافات داخل الأطلسي لتقسيم حلفائها الغربيين وتقليل تماسكهم.
سياسات بوتين ودوافع الحرب في أوكرانيا
منذ بداية الحرب في أوكرانيا في عام 2014، حدد بوتين أهدافه الاستراتيجية مع الأخذ في الاعتبار التهديدات الأمنية والجيوسياسية، وترى روسيا أن الحرب لا تعتبر وسيلة لإعادة شبه جزيرة القرم إلى أراضيها فحسب، بل أيضا خطوة للحفاظ على نفوذها في منطقة أوروبا الشرقية ومواجهة توسع حلف شمال الأطلسي والوجود الغربي على حدود روسيا، لكن الحرب في أوكرانيا كان لها تكلفة باهظة بالنسبة لروسيا، من ناحية أخرى، فرضت العقوبات الاقتصادية الغربية، وتقليص العلاقات التجارية والاقتصادية مع العديد من البلدان، والأضرار التي لحقت بالاقتصاد المحلي الروسي، ضغوطا كبيرة على بوتين.
وسوف يلعب الوضع على الأرض في أوكرانيا دوراً رئيسياً في تحديد ردود فعل بوتين. إذا شعرت روسيا أن النصر قريب أو أنها في وضع يسمح لها بتحقيق أهدافها في المفاوضات، فقد تقرر وقف الحرب من أجل الاستفادة بشكل أفضل من موقفها وكسب المزيد من النقاط.
ويشير هذا إلى أن بوتين قد يكون مستعداً لوقف الصراع بسبب احتمالات النجاح، ومن ناحية أخرى، إذا لم يكن الوضع على الأرض في مصلحة روسيا وتزايدت الضغوط العسكرية من أوكرانيا والدول الغربية، فقد يكون بوتين على استعداد للدخول في مفاوضات لمنع المزيد من الأضرار وتخفيف الضغوط، وفي مثل هذه الظروف، قد يتم اتخاذ قرار التفاوض لتخفيف التوترات وإيجاد حل للأزمة.
ولذلك، ربما يسعى بوتين إلى إحداث تحول استراتيجي في ساحة المعركة، وخاصة في ظل الضغوط الداخلية والاقتصادية، وفي روسيا، يواجه بوتين تحديات خطيرة في التعامل مع العقوبات، والمشاكل الاقتصادية، والسخط الاجتماعي، إن استمرار الحرب قد يساعد على تعزيز القومية والوحدة الداخلية، ولكن إذا أصبحت تكاليف الحرب مرتفعة للغاية، فقد يواجه بوتين ضغوطاً محلية وانتقادات خطيرة من المعارضة وبعض أعضاء حكومته، وفي مثل هذه الظروف، قد يسعى بوتين إلى إنهاء الحرب من خلال المفاوضات، وخاصة إذا كان هذا يساعد في الحفاظ على صورته ومكانته في الداخل.
هل يستجيب بوتين لضغوط ترامب لوقف الحرب؟
وفي الوقت نفسه، إذا كان ترامب يريد أن يؤسس سياسته على الدبلوماسية وخفض التوترات مع روسيا، فمن المرجح أن يطلب من روسيا وقف الحرب والتوصل إلى اتفاق سلام، لكن بوتين عادة ما يتصرف بقسوة عندما يواجه ضغوطا خارجية، ولا يتراجع بسهولة.
إن سياسة ترامب، التي تركز بشكل أكبر على المشاركة المباشرة والتفاوض، قد تخلق فرصة لروسيا لاستغلال هذه الضغوط، ولكن ليس بسهولة أو بشكل كامل، وسوف يكون الوضع على الأرض في أوكرانيا أيضاً عاملاً حاسماً في رد فعل بوتين، إذا شعرت روسيا أن النصر وشيك أو أنها قادرة على تحقيق مطالبها في المفاوضات، فهناك إمكانية لوقف الحرب للحصول على مزيد من التنازلات، ولكن إذا كان الوضع على الأرض غير موات لروسيا وتزايدت الضغوط العسكرية من أوكرانيا والدول الغربية، فقد يكون بوتين على استعداد للتفاوض، ولكي يحافظ على الدعم المحلي في روسيا ويعزز موقفه ضد المعارضين، يتعين على بوتين أن يُنظر إليه باعتباره زعيماً قوياً ملتزماً بأمن بلاده القومي.
إن الاستسلام للضغوط الخارجية، وخاصة من جانب بوتين، قد يهدد شرعيته في الداخل، وبالإضافة إلى ذلك، يتعين على بوتين أن يقرر ما إذا كان استمرار الحرب يصب في مصلحة روسيا، مع الأخذ في الاعتبار التطورات العالمية وعواقب استمرار الحرب، وبشكل عام، فإن خطة بوتين لمواصلة الحرب مع أوكرانيا في ظل الظروف الحالية تعتمد إلى حد كبير على الخلافات في المحيط الأطلسي، وسياسات ترامب، والوضع على ساحة المعركة.
ورغم أن الانقسامات والخلافات بين الغرب قد توفر فرصا لروسيا، فإن بوتين يظل يركز على أهدافه الاستراتيجية في أوكرانيا والحفاظ على نفوذه في المنطقة، ولكن الضغوط الاقتصادية المحلية والخارجية والتحديات العسكرية قد تدفعه إلى التفاوض وإنهاء الحرب، ولكن ليس إذا كانت روسيا لا يزال لديها أمل في النصر، وبشكل عام، فإن بوتين في وضع معقد، وخطته لمواصلة الحرب تعتمد إلى حد كبير على التطورات العالمية والإقليمية.
