الوقت- هزّ اعتقال أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول ومنافس أردوغان المحتمل في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بتهم الفساد ودعم الإرهاب، الأجواء السياسية والاجتماعية في تركيا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية. وفي حين أنه من الواضح تمامًا أن تحرك القضاء التركي في منع إمام أوغلو من المشاركة في الانتخابات من شأنه أن يفيد أردوغان ويرفع عبئًا ثقيلًا عن كتفيه، الذي انخفضت شعبيته بشكل كبير في السنوات الأخيرة بسبب الأزمات الاقتصادية المستمرة، إلا أن حسابات النخبة السياسية التركية لم تتحقق بعد، ومع استمرار الاحتجاجات في الشوارع، فقد أدى ذلك إلى مزيد من الوحدة بين المعارضة لدعم إمام أوغلو.
ومع استمرار الاحتجاجات في الشوارع، وضعت الخطابات القاسية التي يلقيها زعماء أحزاب المعارضة الحكومة في مأزق سياسي خطير، ومن بين المواقف الأخيرة لأوزغور أوزيل، زعيم حزب الشعب الجمهوري، الذي رفع مؤخراً راية محاربة الحكومة، والتي أثارت ضجة في الوسط السياسي والإعلامي التركي، ودفعت مختلف المسؤولين في حكومة أردوغان إلى الرد.
قال أوزيل: "قبل اعتقال إمام أوغلو، الذي كان فتح الله (حركة غولن) يتلقون منه الأوامر، التقطوا الهاتف في هذا الانقلاب وحصلوا على إذن باعتقال إمام أوغلو من وراء المحيط (أمريكا وترامب)، أوجه كلامي لأردوغان، رأس عصابة الانقلاب: اخرج وأخبرنا وأنت تنظر إلينا في أعيننا".
وحذر زعيم المعارضة قائلا: "هل حصلتم على إذن من أمريكا لتنفيذ الانقلاب الذي أردتموه ضد من سيخلفكم؟" وهذا يدل على أن أردوغان يسعى فعلاً إلى الوصاية الأمريكية ويعيش تحت حماية ترامب، "يا زعيم العصابة، لا أمريكا ولا ترامب سينقذوك منا في الانتخابات القادمة".
يشار إلى أن أحزاب المعارضة عقدت مؤتمرا استثنائيا يوم الأحد (7 أبريل/نيسان) وطالبت بالإفراج غير المشروط عن أكرم إمام أوغلو، ويأمل حزب الشعب الجمهوري في إجبار الحكومة والقضاء على التراجع من خلال عقد مؤتمر استثنائي وإعادة انتخاب رئيس الحزب.
ولإظهار أن المعارضة لن تستسلم حتى تتحقق مطالبها، تحدث أوزيل في المؤتمر عن الجهود المبذولة لإجراء انتخابات مبكرة، وأكد: "سنبدأ جمع التوقيعات على عتبات المنازل وفي كل شارع في جميع أنحاء بلادنا اعتبارًا من يوم الاثنين لإظهار أكبر تصويت بسحب الثقة من أردوغان"، نحن مستعدون لإجراء انتخابات مبكرة في يونيو، إذا لم يكن ذلك ممكنا في شهر يونيو، فنحن مستعدون لإقامته في النصف الأول من شهر نوفمبر، "تقدم للأمام وتنافس مع مرشحنا".
ولكي تدخل الانتخابات المبكرة حيز التنفيذ في تركيا، يجب جمع 360 توقيعًا في البرلمان، ويحتل حزب الشعب الجمهوري التركي حاليا 127 مقعدا في البرلمان، في حين أن الائتلاف الحاكم المكون من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية لديه 315 مقعدا، وسيواجه أردوغان تحديا جديا لتغيير القانون.
إمام أوغلو: فرصة المعارضة الوحيدة للفوز
ورغم أن إمام أوغلو قد يبقى في السجن لفترة طويلة، فإن أحزاب المعارضة لا تزال تعول عليه باعتباره الخيار النهائي للرئاسة في الانتخابات المقبلة، ويعد إمام أوغلو المنافس الأهم للحزب الحاكم في الانتخابات، ونظرا لشعبيته، فإن لديه فرصة كبيرة للفوز بالرئاسة، إذا حدث ذلك، فسوف يضطر حزب العدالة والتنمية إلى قول وداعا للسلطة بعد 25 عاما، وهذا هو كابوس أردوغان.
ويحاول أردوغان، إذا لزم الأمر، تغيير الدستور لولاية ثالثة متتالية للاحتفاظ بالرئاسة وتعزيز أسس إمبراطوريته العثمانية الجديدة، أو إذا فشل في تغيير الدستور، أن يعيد أحد خيارات حزب العدالة والتنمية إلى السلطة حتى يتمكن من مواصلة سياسات أردوغان المستمرة منذ ثلاثة عقود، وفي الوقت نفسه، يحاول زعماء المعارضة أيضًا توسيع نطاق الاحتجاجات ضد الحكومة وإضعاف سلطة أردوغان من خلال إبقاء هذه الأزمة السياسية قائمة، وفي هذه الحالة، فإن إمام أوغلو هو الوحيد القادر على هزيمة أردوغان والخيارات الأخرى من الحزب الحاكم، فاز في انتخابات بلدية إسطنبول عام 2019، منهياً هيمنة حزب العدالة والتنمية على المدينة التي استمرت 25 عاماً، الانتخابات المقبلة مهمة لأن أردوغان قال، وخاصة فيما يتعلق بانتخابات بلدية إسطنبول عام 2019، "إذا خسرنا إسطنبول، فقد خسرنا تركيا".
وذكرت وسائل إعلام تركية أن مسؤولين في الحكومة يحاولون خلق مشاكل لقيادة أحزاب المعارضة، أو بمعنى آخر، قطع رأس قيادة حزب الشعب الجمهوري، بعد عام واحد فقط من الانتصارات الرائعة التي حققتها المعارضة في الانتخابات البلدية التركية، ولذلك، لتحقيق هذا الحلم، لا بد من إبعاد المعارضين الأقوياء عن الطريق، وقد تم اعتقال إمام أوغلو بالخطة نفسها.
محاولة المعارضة الحصول على الدعم الأوروبي
ويرى زعيم المعارضة أن الإجراء الذي يصفه بالانقلاب السياسي تم بضوء أخضر من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لأن واشنطن لم تتعامل بجدية مع الأزمة الأخيرة في تركيا، وهو ما أدى إلى شكوك حول دعم ترامب لتحرك حكومة أردوغان، في الماضي، وفي الإدارات الديمقراطية، وخاصة الإدارة السابقة لجو بايدن، كانت حقوق الإنسان والضغوط السياسية دائما جزءا من الخلافات بين أنقرة وواشنطن، وحتى في يوليو/تموز 2016، عندما وقع الانقلاب الفاشل في تركيا، أشار أردوغان بأصابع الاتهام إلى إدارة أوباما، التي أرادت الإطاحة به.
وفي الأزمة السورية، عندما كان أردوغان حريصًا على احتلال وتدمير الجماعات الكردية، واصلت إدارة بايدن تقديم الدعم العسكري للأكراد السوريين ولم تسمح للجيش التركي بالقيام بعمل بري شرق نهر الفرات، وقد ساهمت الحرب المستمرة في أوكرانيا وفشل تركيا في الامتثال للعقوبات الاقتصادية ضد روسيا باعتبارها عضوًا في حلف شمال الأطلسي في زيادة برودة العلاقات بين الجانبين.
لكن الآن، ومع وصول ترامب إلى السلطة، يأمل أردوغان في تحسين العلاقات مع البيت الأبيض وحتى تحقيق حلمه بشراء الطائرة المقاتلة إف-35، إن الموقف السلبي الذي اتخذته إدارة ترامب تجاه اعتقال إمام أوغلو أرسل حتى الآن إشارة مفادها بأن أردوغان لن يواجه ضغوطاً أمريكية للتعامل مع منتقديه ومعارضيه.
وفي ظل هذه الظروف، تبحث أحزاب المعارضة عن منقذ قوي، ويعتبر الاتحاد الأوروبي الخيار الأفضل، بحجة أن واشنطن تدعم سياسة أردوغان في إقصاء المنافسين، وبما أن أردوغان كان على الدوام على خلاف مع الاتحاد الأوروبي، فإن المعارضة التركية تحاول جذب الدعم الغربي وإجبار أردوغان على التراجع من خلال ممارسة الضغوط الخارجية.
لا شك أن استمرار الاحتجاجات ضد اعتقال أهم شخصية معارضة لأردوغان سيؤدي إلى ردود فعل متزايدة من الاتحاد الأوروبي، الذي يراقب باستمرار حالة الديمقراطية وحقوق الإنسان في تركيا، وقد يؤدي هذا إلى زيادة الضغوط الاقتصادية على تركيا، وخاصة أن الأزمة الاقتصادية ومعدلات التضخم المرتفعة وانخفاض قيمة الليرة أدت إلى تفاقم السخط العام.