الوقت - أدى اعتقال أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول وأحد أبرز منافسي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى احتجاجات واسعة النطاق في تركيا، ولم تؤثر هذه التطورات على السياسة الداخلية التركية فحسب، بل كانت لها عواقب أيضا على المناطق الخاضعة للنفوذ التركي، وخاصة في سوريا تحت حكم هيئة تحرير الشام.
إن الحكومة السورية المؤقتة، بقيادة أحمد الشرع، التي كانت تعتمد على الدعم الواسع النطاق في تركيا لتعزيز قاعدة سلطتهم، تشعر الآن بقلق عميق إزاء الاضطرابات التي تطورت في تركيا، ولذلك، ونظراً للعلاقات المتشابكة بين حكومة أردوغان وهيئة تحرير الشام، فإننا نريد استكشاف تأثير الاحتجاجات واسعة النطاق في تركيا على الوضع السياسي والاقتصادي في سوريا الجديدة.
وتعتمد الحكومة السورية المؤقتة، التي تعمل بدعم من تركيا، بشكل كبير على الدعم المالي واللوجستي من أنقرة، في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية المستمرة في تركيا، بما في ذلك انخفاض قيمة الليرة وعدم استقرار الأسواق المالية، هناك احتمال أن تتراجع المساعدات التركية لحكومة تحرير الشام، وقد يؤدي هذا التخفيض إلى إضعاف الخدمات العامة، وتقليص المدفوعات للموظفين والعسكريين، وزيادة السخط في سوريا.
تعد تركيا حاليًا أكبر شريك تجاري لسوريا، ومنذ سقوط دمشق في ديسمبر 2024، ارتفع حجم صادراتها إلى سوريا بشكل كبير، وفي يناير/كانون الثاني 2015، اتفقت تركيا والحكومة السورية المؤقتة على مراجعة التعريفات الجمركية على بعض المنتجات وبدء المفاوضات لإحياء اتفاقية التجارة الحرة التي تم تعليقها في عام 2011.
ولذلك، أدى خفض الرسوم الجمركية والقيود على العملة في الأشهر الأخيرة إلى زيادة صادرات السلع من تركيا إلى سوريا، وبالتالي، إذا استمرت الأزمة السياسية والاقتصادية في تركيا، فإنها ستخلق أيضاً تحديات خطيرة في عملية تصدير واستيراد البضائع إلى سوريا.
وأعلنت تركيا استعدادها للاستثمار في البنية التحتية للطاقة وإعادة الإعمار في سوريا، إلا أن عدم الاستقرار الاقتصادي في تركيا بعد الاحتجاجات الأخيرة قد يؤدي إلى انخفاض تجارتها مع سوريا، حيث ستكون الشركات أقل رغبة في الاستثمار والتجارة في الخارج في ظل ظروف اقتصادية غير مستقرة، وهذا سيخلق أزمة كبيرة لحكومة أحمد الشرع التي تعتمد على دعم أنقرة.
وبما أن الحكومة السورية المؤقتة تعاني من أزمة اقتصادية بسبب العقوبات الغربية، ولم يحقق المجتمع الدولي أي تقدم في هذا الصدد، فإنه مع توقف المساعدات الاقتصادية التركية، فإن الحكومة السورية ستعاني هي الأخرى من أضرار جسيمة، ولن تتمكن من حل مشاكلها المعيشية بمفردها، ما سيؤدي إلى تصاعد السخط العام داخل سوريا.
ومن ناحية أخرى، فإن أي خفض محتمل للدعم التركي قد يؤدي إلى إضعاف الحكومة السورية المؤقتة ويخلق تحديات لزعمائها، وفي ظل هذه الظروف، قد يسعى الفاعلون المحليون إلى البحث عن مصادر جديدة للدعم الخارجي أو تعديل استراتيجياتهم للتعامل مع التغيرات المقبلة.
إذا أدت الاحتجاجات الداخلية في تركيا إلى زعزعة استقرار حكومة أردوغان، فقد تحول أنقرة تركيزها بعيدًا عن التطورات في شمال سوريا، وهو ما قد يشكل تهديدًا للحكومة السورية المؤقتة، وتعتمد هذه الحكومة بشكل كبير على التجارة الحدودية مع تركيا، ومن المؤكد أن الاحتجاجات وعدم الاستقرار داخل تركيا من شأنهما أن يزيدا من سيطرة البلاد على الحدود، ما يجعل من الصعب على الحكومة السورية المؤقتة الحصول على الموارد المالية والعسكرية، وفي حال ركود الاقتصاد التركي، فإن الطلب على السلع وضرائب تحرير الشام على التجارة سوف تنخفض أيضاً، ما سيؤثر سلباً على إيراداتها.
سقوط أردوغان وخسارة الحكومة السورية المؤقتة لمعقلها
وإذا أدت الاضطرابات الداخلية في تركيا إلى إضعاف حكومة البلاد أو التأثير على السياسة الخارجية لأنقرة، فقد تؤثر بشكل غير مباشر على تفاعلاتها ونفوذها في سوريا، ما قد يعطل طرق تمويل الحكومة السورية المؤقتة.
وبما أن أردوغان هو الداعم الأكبر الحكومة السورية المؤقتة، وبافتراض الإطاحة بحكومة أردوغان، فإذا جاءت حكومة جديدة إلى السلطة في تركيا، سواء غيّر القوميون أو المعارضة سياساتهم، فإن الدعم المالي والعسكري للحكومة السورية المؤقتة سوف يتناقص، وفي السنوات الأخيرة، انتقد زعماء المعارضة مرارا وتكرارا سياسات أردوغان تجاه التطورات في سوريا، ودعوا إلى تقليص الدعم للحكومة السورية المؤقتة وربما إنهاء شهر العسل بين أنقرة وبينها.
لذلك، وفي ظل الوضع الراهن الذي تعيشه الحكومة السورية المؤقتة في حالة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي، وعدم اعتراف أي دولة رسمياً بالشرعية السياسية لها، فإن نظام أحمد الشرع سيواجه تحدياً خطيراً في تحقيق أهدافه في المنطقة إذا وصلت المعارضة إلى السلطة في تركيا، لأن أردوغان سعى جاهداً لكسب الهيبة والشرعية لحكومته من خلال عقد اجتماعات إقليمية، وخسارة هذا الداعم الرئيسي سيكون مكلفة للحكومة السورية المؤقتة، وبصورة ما، سيصبح طريق هذه الحكومة إلى دخول الساحة الدولية عبر القنوات الدبلوماسية صعباً.
ومن غير المستغرب أن الدول العربية، خوفاً من النفوذ التركي في سوريا، اتخذت خطوات أولية لا محالة لإقامة اتصالات مع حكام دمشق. وإذا شعروا أن التهديد من أنقرة قد زال، فلن يحتاجوا إلى إعادة العلاقات مع سوريا تحت سيطرة هيئة تحرير الشام ذات التوجه المتطرف، وهذا يعني عزل نظام أحمد الشرع.
ويعتبر أحمد الشرع وقادة الحكومة السورية المؤقتة أردوغان أملهم الرئيسي للوصول إلى السلطة في سوريا، وقد هزت التطورات الأخيرة في تركيا موقفهم.
من ناحية أخرى، في ظل غياب أردوغان وتقليص الدعم المالي والعسكري، فإن تحركات المجموعات المعارضة للحكومة السورية المؤقتة ستزداد، وقد يؤدي تقليص النفوذ التركي إلى تنافس داخلي بين الجيش الوطني السوري وهيئة تحرير الشام، وهو ما سيصب في نهاية المطاف في مصلحة مجموعات المقاومة، التي أظهرت في الأسابيع الأخيرة أنها قادرة على تحدي الحكومة المؤقتة إذا كانت الأجواء مواتية.
تجدر الإشارة إلى أن هيئة تحرير الشام، بمساعدة القوات العسكرية التركية، تمكنت من قمع العمليات المسلحة في اللاذقية وطرطوس، ومع فقدان دعم أنقرة، فإنه في حال ظهور تحديات أمنية في المستقبل، فمن غير المرجح أن تتمكن عناصر هيئة تحرير الشام من إدارة الأزمات مرة أخرى.
علاوة على ذلك، إذا تراجعت حكومة أردوغان واستولت المعارضة على السلطة، فإن حكام دمشق سيبقون وحدهم في مواجهة الكيان الصهيوني. وبما أن تحرير الشام لا تملك أي داعم سوى أردوغان، فإن إضعاف نظام أحمد الشرع سيشكل فرصة جيدة للكيان الصهيوني لضم المزيد من المناطق إلى الأراضي المحتلة، وهذا سيزيد الضغوط الداخلية على أحمد الشرع الذي التزم الصمت حتى الآن في وجه الاحتلال الإسرائيلي.
وبشكل عام، فإن حالة الاضطرابات في تركيا لن تؤثر على سياسة البلاد تجاه سوريا فحسب، بل قد يكون لها أيضا تداعيات على استقرار المنطقة بأكملها.