الوقت- في تصعيد يعكس تعقيد المشهد السياسي والعسكري في المنطقة، وجه قائد حركة أنصار الله عبد الملك الحوثي إنذارًا واضحًا لـ"إسرائيل"، بإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة خلال 4 أيام، وإلا فإن القوات المسلحة اليمنية ستستأنف عملياتها العسكرية ضد السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر.
هذا التطور يضع اليمن في قلب الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ويثير تساؤلات حول خلفيات هذا التهديد وتداعياته الإقليمية والدولية.
أبعاد التحرك اليمني بين الدعم الإنساني والاستراتيجية الإقليمية
البعد الإنساني، يأتي الإنذار اليمني في سياق أزمة إنسانية خانقة تعصف بقطاع غزة، حيث أدى الحصار الإسرائيلي والتجويع الممنهج إلى وضع كارثي، وعقب قرار "إسرائيل" منع إدخال المساعدات، تحركت قوى المقاومة لمساندة غزة واعتبرت حركة حماس موقف اليمنيين امتدادًا طبيعيًا لدورهم في دعم غزة، مؤكدة أن هذا القرار يُشكّل ورقة ضغط مهمة لإجبار "إسرائيل" على فك الحصار.
البعد السياسي والعسكري، لم يكن هذا الموقف اليمني مفاجئًا، بل هو امتداد لسلسلة من التحركات التي بدأها الحوثيون منذ بداية جبهة الإسناد اليمنية، حيث شنّوا هجمات بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والزوارق البحرية ضد السفن الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، إضافة إلى استهداف مباشر لإسرائيل فيما أسموه بـ"معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس"، بهذا، تعزز جماعة انصارالله دورها كلاعب إقليمي مؤثر يتجاوز الساحة اليمنية، ويدمجون تحركاتهم في إطار أوسع من المواجهة مع المحور الإسرائيلي-الأمريكي.
ردود الأفعال المحتملة...التهدئة أم التصعيد؟
أمام هذا التهديد، تبرز عدة سيناريوهات حول كيفية تفاعل "إسرائيل" والمجتمع الدولي مع الإنذار الحوثي:
التجاهل الإسرائيلي، قد تختار "إسرائيل" تجاهل هذا الإنذار، معتمدة على دعمها الدولي وقدراتها العسكرية لاحتواء أي هجوم حوثي محتمل، لكن هذا الخيار يحمل مخاطر تصعيد عسكري واسع النطاق، وخاصة في ظل رغبة الحوثيين في تنفيذ تهديداتهم لتعزيز مصداقيتهم كقوة مقاومة إقليمية.
التحرك الأمريكي، الولايات المتحدة ، التي تعتبر الحوثيين مصدر تهديد للملاحة الدولية، قد ترد على التصعيد الحوثي بتعزيز وجودها العسكري في المنطقة، وربما اللجوء إلى عقوبات جديدة أو حتى ضربات عسكرية ضد مواقع جماعة انصارالله، غير أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى توسيع رقعة المواجهة، وخاصة مع وجود روسيا والصين اللتين تبديان تحفظًا على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
الضغط الدولي على "إسرائيل"، في ظل تصاعد الأزمة الإنسانية في غزة، قد يضغط المجتمع الدولي والأمم المتحدة على "إسرائيل" للسماح بإدخال المساعدات، في محاولة لتجنب تصعيد جديد، ويبدو أن هذا السيناريو هو الأكثر واقعية إذا قررت الدول الكبرى تجنب الانزلاق إلى مواجهة عسكرية غير محسوبة العواقب .
السيناريوهات المحتملة بعد انتهاء المهلة
إذا انتهت المهلة دون أن تستجيب "إسرائيل"، فمن المتوقع أن يُقدم اليمنيون على تنفيذ عمليات عسكرية جديدة ضد السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، وقد يتطور الأمر إلى استهدافات أوسع تطال موانئ إسرائيلية أو مصالح أمريكية في المنطقة، ما قد يدفع التحالف الغربي إلى الرد بضربات عسكرية مباشرة ضد الحوثيين، وهو ما قد يؤدي إلى حرب إقليمية مفتوحة.
من جهةٍ أخرى قد تلجأ "إسرائيل" إلى السماح بإدخال جزء محدود من المساعدات، في محاولة للالتفاف على التهديد اليمني وكسب مزيد من الوقت، لكن في هذه الحالة، سيبقى الوضع هشًا، وقد تعود التهديدات الحوثية إلى الواجهة في أي لحظة.
في السياق نفسه فإن السيناريو الأكثر مثالية هو أن تلعب دول إقليمية ودولية دور الوسيط لخفض التصعيد، ما يسمح بإدخال المساعدات إلى غزة مقابل تجنب مزيد من التوتر في البحر الأحمر، هذا السيناريو يتطلب مرونة إسرائيلية، وهو أمر غير مضمون في ظل تعنت الحكومة الإسرائيلية الحالية.
إلى أين تتجه الأزمة؟
ما يميز هذا التحرك لجماعة انصارالله أنه ليس مجرد موقف إنساني أو دعائي، بل هو جزء من استراتيجية جيوسياسية أوسع تهدف إلى تعزيز مكانة الحوثيين كقوة إقليمية مؤثرة، قادرة على فرض معادلات جديدة في الصراع العربي-الإسرائيلي، وإحراج النظام الدولي، عبر كشف عجزه عن التعامل مع الأزمات الإنسانية، ما يعزز سردية "المقاومة ضد الهيمنة الغربية"، استخدام التصعيد كورقة تفاوضية، قد يفيد الحوثيين سياسيًا سواء في الملف اليمني أو في علاقتهم مع القوى الكبرى.
حماس تدعم إنذار الحوثيين – هل نشهد مرحلة جديدة من التضامن الإقليمي؟
في ظل التصعيد المتزايد في المنطقة، أعربت حركة المقاومة الإسلامية حماسعن تقديرها لقرار جماعة أنصار الله منح "إسرائيل" مهلة 4 أيام لإدخال المساعدات إلى غزة، جاء ذلك في بيان رسمي أكدت فيه حماس أن القرار الحوثي امتداد طبيعي لموقف الدعم والإسناد الذي قدمه الحوثيون لغزة طوال فترة العدوان الإسرائيلي، داعية في الوقت نفسه المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لوقف جريمة التجويع الممنهج التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي .
حماس وأنصار الله تضامن استراتيجي
تثمين حماس لإنذار جماعة انصارالله يعكس تقاربًا متزايدًا بين حركات المقاومة في المنطقة، وخاصة في ظل ما يُعرف بـ"محور المقاومة"، الذي يضم قوى مختلفة تتبنى خطابًا مشتركًا ضد الاحتلال الإسرائيلي والسياسات الأمريكية في المنطقة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذا الدعم يعبر عن تحالف استراتيجي طويل الأمد، أم إنه مجرد تلاقٍ ظرفي فرضته الحرب في غزة؟
الموقف اليمني... من الدعم الإعلامي إلى العمل العسكري
منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة، لم تكتف جماعة انصارالله بإصدار بيانات الدعم، بل ترجموا موقفهم إلى هجمات عسكرية استهدفت السفن المرتبطة بـ"إسرائيل" في البحر الأحمر، إضافة إلى إطلاق صواريخ وطائرات مسيرة تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، هذا التصعيد جعلهم أحد أبرز الفاعلين الإقليميين الذين نجحوا في فرض معادلة جديدة في الصراع العربي-الإسرائيلي.
موقف حماس... دعم لكل مبادرات فك الحصار
بالنسبة لحماس، فإن أي خطوة تسهم في كسر الحصار الإسرائيلي على غزة هي موضع ترحيب، ومن هذا المنطلق، اعتبرت قرار الحوثيين بمهلة الأيام الأربعة تطورًا إيجابيًا قد يجبر "إسرائيل" على إعادة النظر في موقفها من المساعدات الإنسانية، كما دعت حماس الدول العربية والإسلامية إلى اتخاذ خطوات مماثلة لكسر الحصار، وهو ما يعكس رغبة الحركة في تحويل الضغط من جانب جماعة انصارالله إلى موجة تضامن أوسع تشمل دول المنطقة.
هل نشهد توحيدًا فعليًا للساحات؟
إن تلاقي مواقف حماس واليمنيين في هذه المرحلة قد يكون مؤشرًا على تحول أوسع في استراتيجيات المقاومة في المنطقة، فلطالما سعت قوى إقليمية إلى توحيد الساحات في مواجهة "إسرائيل"، لكن التطورات الأخيرة قد تكون المرة الأولى التي يتحقق فيها ذلك عمليًا، من خلال التنسيق غير المباشر بين عدة أطراف في مناطق مختلفة.
إذا نجح الضغط اليمني في دفع "إسرائيل" لفتح المعابر، فقد نشهد تحركات مشابهة من قوى أخرى في المنطقة مثل، تصعيد عمليات المقاومة في الضفة الغربية وتحركات دبلوماسية وضغوط اقتصادية من بعض الدول.
إن تثمين حماس للمهلة اليمنية قد يثير قلق "إسرائيل"، التي قد ترى في ذلك محاولة لإضفاء الشرعية على العمليات العسكرية اليمنية ضدها، وعليه، قد تسلك تل أبيب أحد المسارات التالية محاولة فرض ضغوط أمريكية على اليمن لوقف التصعيد، مع تحرك واشنطن لإدراج هذا التهديد ضمن "الأمن القومي الأمريكي".
توسيع دائرة استهدافاتها العسكرية، بحيث تشمل عمليات ضد المصالح الحوثية، سواء بشكل مباشر أو عبر ضربات أمريكية وغربية ضد مواقع عسكرية يمنية ،الالتفاف على الضغوط من خلال حلول جزئية ، مثل إدخال كميات محدودة من المساعدات لغزة، دون رفع الحصار بالكامل.
في الختام، إن الإنذار اليمني لـ"إسرائيل" يمثل تحولًا لا يمكن تجاهله في توازنات الصراع الإقليمي، فهو يضع المنطقة أمام مفترق طرق حاسم: إما أن يؤدي إلى تصعيد عسكري شامل، أو أن يُستخدم كأداة ضغط تدفع نحو حلحلة الأزمة الإنسانية في غزة، في كلتا الحالتين، يبقى الحوثيون لاعبًا صاعدًا في المشهد السياسي، قادرًا على تغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط.
تثمين حماس لإنذار جماعة انصارالله يؤكد أن المنطقة قد دخلت مرحلة جديدة من التضامن الإقليمي ضد "إسرائيل"، حيث لم يعد الصراع محصورًا فقط داخل الأراضي الفلسطينية، بل باتت قوى إقليمية مختلفة تمارس ضغوطًا عسكرية واقتصادية على الاحتلال، ومع استمرار هذه التطورات، قد نشهد تصاعدًا في التهديدات الإقليمية ضد "إسرائيل"، ما يضعف موقفها الاستراتيجي، ويضع مزيدًا من الضغوط على المجتمع الدولي لإيجاد حلول سياسية وإنسانية لغزة، تعزيزًا لمفهوم "توحيد الساحات"، ما قد يؤدي إلى تحولات عميقة في شكل الصراع العربي-الإسرائيلي.
في النهاية، الكرة الآن في ملعب "إسرائيل"، فإما أن تستجيب للمطالب الإنسانية، أو أن تواجه تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق، قد يغير وجه المنطقة بأكملها.