الوقت- في صباح السابع من أكتوبر 2023، استيقظ كيان الاحتلال الإسرائيلي على زلزال أمني وعسكري غير مسبوق، قلب معادلات القوة وفضح هشاشة كيان لطالما تباهى بتفوقه، لم يكن "طوفان الأقصى" مجرد عملية عسكرية، بل لحظة فاصلة في تاريخ الصراع، حيث اهتزت أسس الاقتصاد الإسرائيلي كما لم يحدث من قبل، وتدفقت رؤوس الأموال هربًا، وتراجعت الأسواق، وشلّت قطاعات حيوية تحت وطأة الحرب.
في خضم هذه العاصفة، وبينما كانت غزة تحترق تحت نيران الاحتلال، لم يكن الدعم الذي أنقذ "إسرائيل" قادمًا فقط من واشنطن أو العواصم الغربية، بل من بعض العواصم العربية التي وقّعت على اتفاقيات التطبيع. استمرت الصفقات التجارية، وتدفقت الاستثمارات، وعملت القنوات الخلفية على إبقاء عجلة الاقتصاد الإسرائيلي تدور رغم الدمار الذي خلفته الحرب في مشهد بدا وكأنه طوق نجاة ألقي إلى دولة تتخبط في أزمتها، لعبت بعض الدول العربية، بوعي أو من دون وعي، دور المنقذ لاقتصاد الاحتلال في لحظة كان يمكن أن تكون نقطة انهياره.
حيث الزيادة والتوسع في مستوى العلاقات التجارية وأنشطة تصدير السلع والمنتجات العربية للأسواق الإسرائيلية، بما فيها السلع الغذائية، مع تنشيط الجسر البري الذي تستخدمه شاحنات محملة بالبضائع باتجاه أسواق "إسرائيل"، ويمر بالأردن قادماً من الإمارات ودول خليجية أخرى، بديلاً عن السفن الإسرائيلية والأجنبية التي فرضت جماعة أنصار الله اليمنية حظراً على مرورها، عبر طريق البحر الأحمر ومضيق باب المندب شكلت صدمة للشعوب العربية.
ويوماً بعد آخر تتكشف حقائق وأرقام مخجلة عن تنامي التجارة بين الدول العربية وكيان الاحتلال الإسرائيلي في فترة ما بعد بدء الحرب، وكيف أن حكومات عربية باتت تلعب دور الممون الرئيسي لأسواق ومصانع كيان الاحتلال، وتلبية احتياجات ورفاهية المواطن الإسرائيلي من السلع والخدمات الحياتية والمعيشية، وكبح أي زيادات في أسعار السلع داخل دولة الاحتلال.
لكن يبقى السؤال: هل كان يمكن أن يشهد الكيان الغاصب انهيارًا اقتصاديًا لو توقف هذا الدعم؟ وهل أخطأ الفلسطينيون في تقدير مدى عمق العلاقات الاقتصادية التي تربط الاحتلال بدول المنطقة؟ في هذا المقال، نحلل كيف تحوّل التطبيع إلى شبكة أمان اقتصادية لـ"إسرائيل"، ولماذا لم تصل إلى نقطة الانهيار رغم صدمة الحرب.
التداعيات الاقتصادية للحرب على كيان الاحتلال الإسرائيلي
قبل تحليل دور الدول المطبعة في إنقاذ الاقتصاد الإسرائيلي، من المهم استعراض التأثيرات المباشرة للحرب:
فرار رؤوس الأموال والاستثمارات
شهدت البورصة الإسرائيلية انهيارًا كبيرًا في الأيام الأولى للحرب، ما أدى إلى فقدان المليارات من قيمة الشركات الإسرائيلية.
أعلنت شركات دولية عن تعليق استثماراتها أو تأجيل مشاريع جديدة في "إسرائيل".
تراجع القطاع السياحي
كان قطاع السياحة من أكثر القطاعات تأثرًا، حيث تراجعت الحجوزات بنسبة تفوق 80%، ما تسبب في خسائر بمليارات الدولارات.
نقص العمالة بسبب التعبئة العسكرية
تم استدعاء أكثر من 300 ألف جندي احتياط، ما أدى إلى شلل في العديد من القطاعات، وخصوصًا في البناء والتكنولوجيا والخدمات.
ارتفاع الإنفاق العسكري والديون
اضطرت حكومة الاحتلال إلى زيادة إنفاقها العسكري بشكل غير مسبوق، ما رفع العجز المالي وفاقم أزمة الدين العام.
دور الدول المطبعة في إنقاذ الاقتصاد الإسرائيلي
رغم هذه الأزمة العميقة، لم يصل الاقتصاد الإسرائيلي إلى مرحلة الانهيار، ويعود ذلك جزئيًا إلى الدعم المباشر وغير المباشر من الدول التي طبّعت علاقاتها مع "إسرائيل"، وخاصة من خلال عدة قنوات:
استمرار التجارة والاستثمارات الخليجية
ظلت العلاقات الاقتصادية بين "إسرائيل" ودول الخليج (الإمارات والبحرين بالأساس) قائمة رغم الحرب، حيث استمرت الصفقات التجارية والاستثمارات.
زادت صادرات النفط الإماراتي المتجهة إلى كيان الاحتلال الاسرائيلي عبر شركات وسيطة، ما ساعد في توفير احتياجات تل أبيب من الطاقة بأسعار تنافسية.
من جهة أخرى استمرت بعض الشركات الإسرائيلية في العمل داخل الإمارات، ولا سيما في قطاعات التكنولوجيا والطاقة والزراعة.
الأسواق المالية والتعاون المصرفي
لم تقم الدول المطبعة بإغلاق الأبواب أمام الشركات الإسرائيلية، ما سمح لرؤوس الأموال الإسرائيلية باستخدام المصارف الخليجية لإجراء تحويلات دولية، رغم أن بعض البنوك الغربية شددت القيود.
استمرت عمليات التمويل عبر قنوات مختلفة، مثل صناديق الاستثمار الخليجية التي لها حصص في شركات إسرائيلية.
العبور الآمن للغاز والطاقة
واصلت مصر تصدير الغاز إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي عبر خط الأنابيب الذي يمر بسيناء، ما ساعد في استقرار إمدادات الطاقة للصناعات الإسرائيلية.
التطبيع الدبلوماسي لتخفيف العزلة
لعبت بعض الدول العربية دورًا في التخفيف من العزلة الدولية التي واجهتها "إسرائيل" بعد مجازرها في غزة، من خلال اللقاءات الدبلوماسية والزيارات الرسمية التي أعطت انطباعًا بأن تل أبيب ليست دولة منبوذة بالكامل.
مشاريع الأمن السيبراني والتعاون التكنولوجي
واصلت بعض الدول تعاونها مع شركات الأمن السيبراني الإسرائيلية، حيث اشترت أنظمة مراقبة متطورة لمواجهة التحديات الأمنية الداخلية، ما ضخ أموالًا في قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي المتأثر بالحرب.
هل كان يمكن أن ينهار الاقتصاد الإسرائيلي؟
لو لم تكن هناك قنوات دعم من الدول المطبعة، لكانت "إسرائيل" في وضع اقتصادي أكثر خطورة، وربما كانت قد اضطرت إلى طلب حزم إنقاذ عاجلة من الولايات المتحدة وأوروبا بشكل أكثر وضوحًا، ورغم أن واشنطن ضخت مساعدات ضخمة، فإن التجارة والاستثمار الخليجيين ساهما في تقليل أثر الأزمة.
ختام القول
رغم أن كيان الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يعاني من تداعيات الحرب، إلا أن الدعم الاقتصادي غير المباشر الذي قدمته الدول المطبعة ساهم في إبقاء اقتصاده واقفًا، ويطرح ذلك تساؤلات عميقة حول مدى استقلالية هذه الدول في سياساتها الخارجية والاقتصادية، وإلى أي مدى يمكن للفلسطينيين وحلفائهم استثمار ذلك للضغط باتجاه وقف هذا التعاون في المستقبل.