الوقت - كثف الكيان الصهيوني الذي تعرض لهزيمة مذلة في الحرب مع فصائل المقاومة في غزة، في الآونة الأخيرة موجة الضغوط على الفلسطينيين في الضفة الغربية، وبعد تدمير غزة وقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، تنفذ حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بقيادة وزراء متطرفين، مشروعا خطيرا في الضفة الغربية، ورغم أن جيش الاحتلال يزعم أن هدف العمليات التي نفذها في الأسابيع الأخيرة في مناطق مختلفة من الضفة الغربية هو مواجهة مجموعات المقاومة، إلا أن الأبعاد السرية لهذه العمليات أصبحت مع مرور الوقت أكثر وضوحا، ما يشير إلى وجود أهداف خفية وراء هذا الحادث.
بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأحد (11 فبراير/شباط)، عملية عسكرية في مخيم "نور شمس" بمحافظة طولكرم شمال الضفة الغربية، ما أدى إلى تهجير عشرات العائلات من المخيم، وقال أحمد عزة، أحد سكان مخيم نور شمس، أثناء خروجه من المخيم، حسب موقع البيان: "نسمع أصوات انفجارات وضرب وصوت جرافات"، وقال أحمد أبو زهرة وهو يمشي مع امرأة في شارع غارق في مياه الأمطار: "جاء الجيش وأخرجنا رغما عنا بعد أن هدم المنزل".
وأفاد مصور لوكالة فرانس برس بأنه رأى عشرات العائلات تغادر المخيم وسط أصوات إطلاق نار وانفجارات، وجرافات تنفذ عمليات هدم واسعة للبنية التحتية في المخيم، وقال عضو اللجنة الشعبية في المخيم مراد عليان إن أكثر من نصف سكان المخيم البالغ عددهم 13 ألف نسمة غادروا المخيم خوفا على حياتهم.
وقال محافظ طوباس أحمد الأسعد: "إن ما نشهده اليوم يشبه ما فعلته قوات الاحتلال في غزة خلال الأشهر الماضية"، ولم تستهدف القوات الإسرائيلية المسلحين، بل فتحت النار على المدنيين والنساء والأطفال، وفجرت المنازل للضغط على السكان لإخلائها.
وكتبت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسيلم" في منشور على منصة "إكس": "تواصل إسرائيل حربها الشاملة ضد الشعب الفلسطيني، ومنذ بدء وقف إطلاق النار في غزة، اشتعلت النيران في الضفة الغربية". وأشار محافظ طولكرم عبد الله كامل أيضاً إلى أن العملية العسكرية التي تنفذها تل أبيب في شمال الضفة الغربية أكثر كثافة من أي فترة سابقة، لأن الهدف سياسي وليس أمنياً.
وأضاف "كل شيء يتم تدميره"، "إن الهدف أيضًا هو إحداث تغيير ديموغرافي"، كما اتهمت وزارة الخارجية الفلسطينية في بيان لها، "إسرائيل" بتنفيذ عمليات تدمير في الضفة الغربية مماثلة لما حدث في غزة.
وقال عبد الكريم دلبح، الذي يعمل في جمعية خيرية في مدينة طولكرم: إن جيش الاحتلال داهم مقر الجمعية التي يعمل بها، والتي توفر مستلزمات المعوقين وألعاب الأطفال، ومكث فيها سبعة أيام، ودمر كل شيء. وأكد أن "هناك تدميرا ممنهجا للبنية التحتية أشهده لأول مرة في حياتي"، "ولم أشاهد هذا الوضع حتى عندما هاجم المحتلون طولكرم عام 2000"، من جهة أخرى، في منطقة القدس، أفادت قوات الاحتلال بهدم منازل ومنشآت في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، وقرية العيسوية شمال شرق القدس.
ما إن بدأ وقف إطلاق النار في غزة حتى بدأ الجيش الإسرائيلي عملية جديدة في الضفة الغربية، بزعم تحييد مجموعات المقاومة التي كانت تشكل تهديداً للمستوطنين، إلا أن التقارير عن الجرائم الصهيونية التي نشرت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية تشير إلى أن المدنيين كانوا هدفاً للعدو المحتل.
مفتاح خطة الضم الكامل للضفة الغربية
وبما أن ضم الضفة الغربية وتوسيع المستوطنات كان أحد أولويات حكومة نتنياهو، وبفضل هذه الوعود تمكن من إقناع الوزراء المتطرفين بتشكيل ائتلاف في الحكومة، فهو ينوي تنفيذ هذا المشروع الخطير في هذا الوضع الذي تصاعدت فيه التوترات بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين، وفي هذا الصدد، وافقت اللجنة الوزارية في الكنيست، اليوم الثلاثاء، على اقتراح النائب سيمحا روتمان بإزالة اسم الضفة الغربية بشكل دائم واستبداله بـ"يهودا والسامرة"، وأرسلته إلى قاعة الكنيست للموافقة النهائية عليه.
وحسب هذه الخطة، فإنه منذ تاريخ سن هذا القانون، لن يتم استخدام مصطلح الضفة الغربية في المراسلات الرسمية وسيتم استخدام مصطلح يهودا والسامرة بدلاً منه، ووفقاً لمقدم هذه الخطة، فإن "إسرائيل" من خلال هذا الإجراء ستصحح تاريخياً وستعزز العلاقة بين اليهود وهذه المنطقة، وفي هذه الأثناء، نشأ خلاف بين وزيري الاتصالات والعدل الإسرائيليين في هذا الصدد، لأن وزير الاتصالات كان يعتقد أن هذه التغييرات يجب أن تتم بعد ممارسة السيادة الكاملة على المنطقة، لكن وزير العدل، وموافقا على الخطة، أكد أن ممارسة السيادة ستبدأ مع هذا التغيير.
إن سياسة إزالة اسم الضفة الغربية تشبه إلى حد كبير تصرفات الحكومات التي تقوم في البداية بإزالة لون الأصفار من الأوراق النقدية من أجل زيادة قيمة عملتها الوطنية، وبعد أن يصبح هذا الوضع طبيعياً بالنسبة للناس لفترة من الوقت، تقوم في النهاية بإزالتها.
اغتنام فرصة ترامب
بالنظر إلى القانون الموجود على طاولة حكومة نتنياهو بشأن الضفة الغربية، يمكن القول إن تل أبيب تسعى بشكل علني وسري إلى ضم الضفة الغربية، ويمكن تقييم إزالة اسم هذه المنطقة من المراسلات الإدارية والسياسية في هذا الصدد أيضاً، وفي عام 2020، أعلن بنيامين نتنياهو عن نيته ضم أجزاء من الضفة الغربية رسميًا إلى الأراضي المحتلة، ورغم أن هذه الخطة تأجلت بسبب الضغوط الدولية والاتفاق على تطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية، إلا أنها عادت الآن إلى جدول أعمال النظام.
ومن خلال إزالة اسم الضفة الغربية، وهو مقدمة للاحتلال، يريد الكيان الصهيوني تغيير التركيبة الديمغرافية للمنطقة من خلال توسيع المستوطنات الصهيونية، ويعيش الآن مئات الآلاف من المستوطنين في الضفة الغربية، ويحصلون على بنية تحتية خاصة وامتيازات بدعم حكومي، وهو الاتجاه الذي يظهر أن تل أبيب تسعى إلى السيطرة الدائمة على الأرض.
إن إزالة اسم الضفة الغربية واستخدام مصطلحات مثل يهودا والسامرة هو جزء من مشروع تغيير الهوية التاريخية لهذه المنطقة، ومن خلال هذا الإجراء تريد "إسرائيل" إدخال هذه المناطق كجزء من الأراضي المحتلة وإضعاف شرعيتها الفلسطينية في المحافل الدولية.
بالإضافة إلى ذلك، يتم تنفيذ هجمات واسعة النطاق ومستهدفة على المدن والمخيمات الفلسطينية، مثل جنين ونابلس، لإضعاف مجموعات المقاومة ومنع أي انتفاضات شعبية، وهذه السياسة هي جزء من جهود حكومة نتنياهو للحفاظ على الهيمنة الأمنية على الضفة الغربية.
كما أن حكومة نتنياهو، من خلال زيادة الضغوط على الضفة الغربية، تحاول إخراج قضية الضفة الغربية بالكامل من دائرة المفاوضات والنقاش الدولي في أي عملية سياسية مستقبلية، وخاصة أن وصول ترامب مهد الطريق لنسيان خطة الدولتين من أجندة الاستراتيجية الإقليمية الأمريكية، وهو نفس السيناريو الذي يتم تنفيذه في غزة هذه الأيام لقطع يد حماس عن هذا الشريط الضيق.
وتجري متابعة خطة توسيع الأراضي المحتلة في غزة والضفة الغربية في وقت واحد، ويعتقد الوزراء الصهاينة المتشددون أن الظروف اللازمة للتخلص من الفلسطينيين ومجموعات المقاومة إلى الأبد أصبحت متاحة الآن. فمن وجهة النظر الصهيونية، طالما أن الفلسطينيين موجودون في غزة والضفة الغربية ومجموعات المقاومة تزداد قوة يوما بعد يوم، فإن توفير الأمن للمستوطنين لن يكون أكثر من مجرد حلم.
ورغم أن الكيان الصهيوني لم يعلن بعد عن ضم الضفة الغربية بشكل رسمي وكامل، فإن كل تحركاته تهدف إلى احتلالها تدريجيا وإلغاء إمكانية تشكيل دولة فلسطينية مستقلة، وقد تؤدي هذه العملية إلى ضم رسمي ودائم في المستقبل إذا لم يكن هناك رد فعل دولي جدي، ولكن كما وقفت فصائل المقاومة في وجه الصهاينة في غزة ولم تسمح للعدو باحتلال شبر واحد من هذه الأرض، فإن بذرة المقاومة الناشئة في الضفة الغربية، بمساعدة إخوانهم المجربين في غزة، ستوقف آلة حرب الاحتلال.
