الوقت - يشهد شمال الضفة الغربية المحتلة تصعيدًا عسكريًا إسرائيليًا واسع النطاق، يستهدف بالأساس مخيم جنين ومحيطه، مع امتداد العمليات إلى مدينة طولكرم وعدد من القرى الفلسطينية.
وتأتي هذه العمليات في سياق أوسع من العدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي الفلسطينية، والذي يشمل القتل والاعتقال والتهجير وهدم المنازل والبنية التحتية.
حيث أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، الأحد، على تفجير مربع سكني كامل في مخيم جنين، في أكبر عملية هدم جماعي منذ اجتياح المخيم عام 2002، وترافق ذلك مع إجبار الآلاف من سكان المخيم على النزوح إلى القرى المجاورة، ما يعكس سياسة واضحة تهدف إلى تفريغ المخيم من سكانه وتغيير بنيته الجغرافية.
يأتي ذلك في ظل ما يسميه جيش الاحتلال "عملية إحباط الإرهاب"، التي استهدفت مئات المباني، بزعم البحث عن بنى تحتية عسكرية للمقاومة الفلسطينية، ورغم الادعاءات الإسرائيلية بأن هذه العمليات تأتي لمكافحة "الإرهاب"، إلا أن الوقائع على الأرض تشير إلى مخطط أوسع يهدف إلى إعادة رسم خارطة المخيمات الفلسطينية، في محاولة لاستنساخ النموذج الذي طبق في غزة عبر التهجير القسري وهدم الأحياء السكنية.
لم تقتصر عمليات الاحتلال على مخيم جنين، بل أعلن الجيش الإسرائيلي عن توسيع نطاقها ليشمل خمس قرى جديدة شمال الضفة، في مؤشر على استمرار التصعيد، كما استشهد سبعة فلسطينيين في جنين وطولكرم نتيجة القصف الجوي والاشتباكات المسلحة، وسط انتشار مكثف للقوات الإسرائيلية في مختلف أنحاء شمال الضفة.
وتشير التقارير إلى أن الاحتلال يستخدم تكتيك القصف الجوي بطائرات مسيرة، كما حصل في قباطية وجنين، في خطوة تمثل تصعيدًا خطيرًا في أساليب استهداف المقاومين الفلسطينيين.
كارثة إنسانية في جنين
وفقًا لرئيس بلدية جنين، فإن العدوان الإسرائيلي تسبب في نزوح أكثر من 15 ألف فلسطيني من مخيم جنين وحده، في ظل ظروف إنسانية صعبة، مع انقطاع المياه والكهرباء عن أجزاء واسعة من المدينة، وتضرر المستشفيات بسبب استهداف البنية التحتية.
إلى جانب ذلك، تؤكد التقارير أن نحو 100 منزل تم تدميرها بالكامل في المخيم، في وقت تواصل فيه قوات الاحتلال عمليات التجريف وإقامة الطرق العسكرية داخله، ما يزيد من تعقيد جهود إعادة الإعمار مستقبلاً.
في موازاة العدوان على جنين، واصلت قوات الاحتلال اقتحاماتها لمخيم طولكرم، حيث استشهد فلسطيني جديد برصاص الجيش الإسرائيلي، وترافقت هذه العمليات مع تفجير عدد من المنازل، في حين تواصل فرض الحصار العسكري المشدد على المخيم، ما يفاقم الأزمة الإنسانية فيه.
كما واصلت "إسرائيل" حملات الاعتقال المكثفة، حيث أفاد نادي الأسير الفلسطيني بأن الاحتلال اعتقل 20 فلسطينيًا منذ مساء السبت، بينهم أسرى محررون، وتعد هذه الاعتقالات جزءًا من محاولات الاحتلال لقمع المقاومة الشعبية في الضفة الغربية.
الموقف الفلسطيني وتصعيد المقاومة
أكدت الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس وسرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى، أن التصعيد الإسرائيلي لن يؤدي إلا إلى مزيد من المقاومة، حيث شهدت جنين وطولكرم اشتباكات عنيفة بين المقاومين الفلسطينيين وقوات الاحتلال.
وأعلنت سرايا القدس أنها نفذت كمينًا محكمًا ضد وحدة إسرائيلية في الحي الشرقي لجنين، مؤكدة وقوع إصابات في صفوف الجنود، كما أكدت حماس أن "الإبادة الجماعية التي ينفذها الاحتلال في الضفة لن تكسر إرادة الشعب الفلسطيني"، داعية إلى تصعيد المقاومة بكل أشكالها.
الصمت الدولي والتواطؤ الأمريكي
رغم حجم الدمار في جنين، والتقارير الحقوقية التي تؤكد انتهاك الاحتلال للقوانين الدولية، لا يزال الموقف الدولي متسمًا بالصمت والتخاذل، في المقابل، تحظى "إسرائيل" بدعم أمريكي مستمر، وهو ما يتجلى في استمرار واشنطن بتزويد تل أبيب بالسلاح والدعم السياسي، رغم المطالبات الدولية بوقف الانتهاكات ضد الفلسطينيين.
من جهتها، أدانت وزارة الخارجية الفلسطينية العدوان الإسرائيلي، مؤكدة أن ما يجري في جنين هو "استنساخ لحرب الإبادة في غزة"، محذرة من أن استمرار هذه الجرائم قد يؤدي إلى انفجار الأوضاع في المنطقة.
يمكن قراءة التصعيد الإسرائيلي في جنين وطولكرم في سياق استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة رسم خارطة المخيمات الفلسطينية من خلال عمليات التهجير والهدم، حيث تسعى "إسرائيل" إلى فرض تغييرات ديموغرافية جديدة في الضفة، تمامًا كما حدث في غزة خلال الحرب الأخيرة.
إضعاف المقاومة: من خلال استهداف معاقلها، وشن حملات اعتقال مكثفة ضد كوادرها، تسعى "إسرائيل" إلى تقليص قدرات الفصائل الفلسطينية.
تعزيز الاستيطان: من خلال تفريغ المناطق القريبة من المستوطنات، بما يسهل توسيعها لاحقًا.
تحييد شمال الضفة كمركز للمقاومة: حيث باتت جنين ومخيمها رمزًا لصمود المقاومة، ويسعى الكيان الإسرائيلي إلى كسر هذا النموذج عبر حملاتها العسكرية المستمرة.
في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي، والتصعيد في عمليات القصف والاعتقالات، تبدو الأوضاع في الضفة الغربية على مشارف مرحلة جديدة من التصعيد، ومع تعالي الدعوات الفلسطينية لتوحيد جهود المقاومة، وارتفاع وتيرة العمليات العسكرية الإسرائيلية، فإن كل المؤشرات تؤكد أن المواجهة لن تتوقف عند حدود جنين وطولكرم، بل قد تمتد إلى باقي مدن الضفة، وربما نحو تصعيد شامل يشبه الانتفاضات السابقة.
في الختام، يبقى السؤال مفتوحا: هل نشهد قريبا انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية؟ أم إن الاحتلال سينجح في فرض أمر واقع جديد؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.