الوقت- أعلنت جامعة ميشيغان تعليق اعتماد مجموعة طلابية مؤيدة للحقوق الفلسطينية، تُعرف باسم "طلاب متحدون من أجل الحرية والمساواة" (SAFE)، لمدة عامين بسبب انتهاكها سياسات الجامعة بتنظيم فعاليات دون إذن مسبق، يأتي القرار بعد أيام من توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا يدعو إلى تعزيز مكافحة معاداة السامية في الحرم الجامعي، وسط تحذيرات من تأثير القرار على حرية التعبير والنشاط الطلابي.
تفاصيل التعليق
اتهمت الجامعة المجموعة بتنظيم مظاهرات واحتجاجات غير مرخصة خلال الربيع الماضي، ما أدى إلى "تجاوز معايير السلوك المطلوبة للمنظمات الطلابية المعترف بها"، وفقًا لبيان صادر عن إدارة الجامعة، تم اتخاذ القرار بعد تحقيق داخلي أكد انتهاكات متكررة، بما في ذلك إقامة خيمة احتجاجية دون تصريح.
من جهتها، نفت "SAFE" الاتهامات ووصفت الإجراء بأنه "قمع سياسي" يستهدف دعمها للقضية الفلسطينية، مشيرة إلى أن الإدارة فشلت في معالجة شكاوى الطلاب الفلسطينيين من التمييز.
وأضاف متحدث باسم المجموعة: "هذه ليست المرة الأولى التي نحاول فيها التعبير عن موقفنا بطرق سلمية، لكننا نواجه دائمًا عوائق بيروقراطية تهدف إلى كبح نشاطنا، نحن نؤمن بأن التضامن مع حقوق الإنسان ليس جريمة، وسنواصل الدفاع عن قضيتنا رغم هذه الضغوط".
وأشار تقرير داخلي حصلت عليه وسائل الإعلام إلى أن المجموعة قامت بتنظيم عدة فعاليات دون التنسيق مع إدارة الجامعة، منها احتجاجات داخل الحرم الجامعي ومعارض صور تسلط الضوء على الأوضاع في فلسطين، وأكد التقرير أن هذه الأنشطة تسببت في توترات بين الطلاب وأثارت شكاوى من بعض الأفراد والجماعات التي شعرت بأنها مستهدفة.
خلفية قرار ترامب التنفيذي
في خطوة مثيرة للجدل، وقّع ترامب في الأسبوع الماضي أمرًا تنفيذيًا يُلزم وزارة التعليم بتبني تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) لمعاداة السامية، الذي يُدرج انتقاد سياسات "إسرائيل" ضمن أشكال التمييز، يدعم القرارُ جماعات يهودية محافظة، بينما يعارضه نشطاء حقوقيون وأكاديميون يحذرون من استخدامه لإسكات النقد المشروع لـ"إسرائيل".
وقد أثار هذا التعريف مخاوف بين الأكاديميين والمدافعين عن حقوق الإنسان، حيث يرون أنه يخلط بين انتقاد السياسات الإسرائيلية ومعاداة السامية، ما يهدد بحرية النقاش السياسي في المؤسسات التعليمية، وقالت أستاذة القانون في جامعة ميشيغان، د. ليزا غرين: "هذا القرار يضع الجامعات في موقف صعب، حيث يتعين عليها التوفيق بين الامتثال للسياسات الفيدرالية وحماية حرية التعبير".
وأشار تقرير صادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى أن تعريف الـIHRA يُستخدم كأداة لتجريم المعارضة السلمية لسياسات "إسرائيل"، وهو ما يُعد تهديدًا خطيرًا للحريات الأكاديمية في الجامعات الأمريكية، وأضاف التقرير: إن مثل هذه السياسات قد تؤدي إلى خلق بيئة غير مرحبة للطلاب الذين ينتمون إلى خلفيات ثقافية ودينية متنوعة.
اتساع الظاهرة: جامعات أخرى وجماعات تحت المجهر
ليست جامعة ميشيغان الوحيدة التي تشهد تصعيدًا ضد النشاط المؤيد لفلسطين، ففي جامعة كولومبيا بنيويورك، واجهت مجموعة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" (SJP) ضغوطًا لإلغاء فعالياتها، بينما أقرت جامعة روتجرز قيودًا جديدة على التمويل الطلابي للمنظمات "المتعلقة بصراعات دولية"، ففي كاليفورنيا، لا تزال جامعة بيركلي مركزًا لجدل حول مقترحات مقاطعة "إسرائيل" (BDS)، حيث اتُهمت الإدارة بـ"التوازن الزائف" بين حرية التعبير وحقوق الطلاب اليهود.
وأشار أحد أعضاء مجموعة SJP في جامعة كولومبيا إلى أن "الضغوط المتزايدة ليست سوى محاولة لإسكات الأصوات التي تدعو للعدالة، هذا لا يتعلق بمعاداة السامية بقدر ما يتعلق بمحاولة حماية السياسات الإسرائيلية من النقد المشروع".
كما أشار تقرير من جامعة روتجرز إلى أن السياسات الجديدة بشأن التمويل الطلابي أثرت بشكل غير متناسب على المجموعات التي تدعم حقوق الفلسطينيين، ما دفع بعض الطلاب إلى اتهام الإدارة بالتحيز السياسي. وقالت الطالبة سارة أحمد، أحد أعضاء المجموعة المؤيدة لفلسطين في روتجرز: "نشعر أننا نخضع لمعايير مزدوجة، حيث يُطلب منا تقديم مبررات إضافية لكل نشاط نقوم به، بينما تُمنح المجموعات الأخرى حرية أكبر في تنظيم فعالياتها".
أشادت منظمات مثل "اللجنة الأمريكية لـ"إسرائيل"" (AIPAC) بقرار ترامب، معتبرة إياه خطوةً ضرورية لمواجهة "تصاعد الكراهية"، وبالمقابل، أدانت "اتحادات الحريات المدنية" (ACLU) القرار، محذرة من استخدامه كـ"أداة سياسية" لتكميم الأفواه، كما أصدرت منظمة "فري بالستاين" بيانًا دعت فيه الجامعات إلى "عدم الخضوع للأجندات الخارجية".
وقالت ACLU في بيانها: "إن هذا القرار يهدد بجعل الحرم الجامعي مكانًا غير آمن للنقاش الحر، حيث يمكن لأي انتقاد لإسرائيل أن يُعتبر معاداة للسامية، هذه سابقة خطيرة تمس جوهر الحرية الأكاديمية".
في المقابل، دافعت AIPAC عن القرار، مشيرة إلى أن الجامعات يجب أن تكون أماكن آمنة لجميع الطلاب، بمن فيهم اليهود، وأكدت أن "التصدي لخطاب الكراهية لا يعني قمع حرية التعبير، بل هو جزء من مسؤولية الجامعات في حماية طلابها من التمييز والعنف".
بينما يرى خبراء قانونيون أن تبني تعريف الـIHRA قد يعقد عمل الجامعات، إذ يخلط بين معاداة السامية والنقد السياسي، في 2020، رفضت محكمة اتحادية دعوى ضد جامعة ميشيغان بتهمة التمييز ضد الطلاب اليهود، مؤكدةً أن النقاش حول "إسرائيل" يندرج تحت الحماية الدستورية، لكن مع تصاعد الضغوط الفيدرالية، قد تضطر الجامعات لموازنة صارمة بين الامتثال للقوانين والحفاظ على الحريات الأكاديمية.
وأضافت المحامية المتخصصة في حقوق الطلاب، د. سارة كوفمان: "إذا استمرت الجامعات في تبني هذا النهج، فإننا قد نشهد سيلًا من الدعاوى القضائية من الطلاب الذين يشعرون أن حقوقهم في حرية التعبير قد انتهكت، هناك خط فاصل بين حماية الأقليات ومنع حرية التعبير، ويجب أن تكون الجامعات حذرة في هذا الصدد".
تحدثت الطالبة الفلسطينية رنا خليل، عضو في "SAFE"، عن تجربتها الشخصية قائلة: "لقد شعرت دائمًا أنني مراقبة داخل الحرم الجامعي، عندما نحاول تنظيم أي فعالية لدعم حقوق الفلسطينيين، نجد أنفسنا تحت المجهر، بينما يُسمح للمجموعات الأخرى بالتعبير بحرية عن آرائها، هذا الكيل بمكيالين يبعث على الإحباط".
تُعيد هذه التطورات الجدل الدائر حول حدود النشاط السياسي في الحرم الجامعي، في ظل انقسام مجتمعي عميق حول الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، بينما تُصر إدارة جامعة ميشيغان على أن قرارها "إداري بحت"، يرى مراقبون أنه جزء من موجة أوسع تُعيد تشكيل خطاب الحقوق في أمريكا، حيث تتصادم حرية التعبير مع مفاهيم جديدة للأمن الهوياتي.
ومع استمرار تصاعد هذه القضايا في الجامعات الأمريكية، يظل السؤال الأهم: كيف يمكن للمؤسسات التعليمية أن توازن بين حماية طلابها والحفاظ على الحريات الأكاديمية في ظل بيئة سياسية مشحونة؟ وهل يمكن أن تجد الجامعات صيغة تضمن عدم إسكات الأصوات الناقدة مع الحفاظ على بيئة تعليمية خالية من الكراهية والتمييز؟ تبقى هذه الأسئلة معلقة في ظل تزايد الاستقطاب السياسي والمجتمعي في الولايات المتحدة.