الوقت- اختتمت يوم السبت الماضي المرحلة الثانية من صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس والكيان الصهيوني بنجاح وسط احتفالات ورقص من أبناء الشعب الفلسطيني وحضور كثيف من المقاومين، وفي هذه المرحلة، سلمت حماس أربع جنديات إسرائيليات، هن كارينا عارف، ودانييل جلبوع، ونعمة ليفي، وليري الباج، للجنة الدولية للصليب الأحمر، وفي المقابل، أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن 200 أسير فلسطيني، بينهم 120 أسيراً محكومين بالسجن المؤبد، و80 شخصاً من أصحاب الأحكام الخطيرة، نقل منهم 114 إلى رام الله، و16 إلى غزة، و70 إلى مصر.
وتمت هذه التبادلات تحت إشراف مؤسسات دولية وبوساطة دول مثل مصر وقطر، وأعلنت وزارة الخارجية القطرية في بيان لها، اكتمال عملية تسليم أربع جنديات إسرائيليات مقابل الإفراج عن 200 أسير فلسطيني. وخلال عملية التبادل، شهدت قوى المقاومة الفلسطينية، وخاصة كتائب القسام، وجوداً كبيراً في موقع تبادل الأسرى، وأظهرت قوتها من خلال إقامة عروض عسكرية في شوارع غزة، ولقي هذا التبادل ترحيبا واسعا من قبل الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، وأقيمت احتفالات وأفراح عامة في هذه المناطق.
وتجمع آلاف المواطنين في مدينة رام الله لاستقبال الأسرى المحررين، رافعين الأعلام الفلسطينية وأعلام حركة حماس، ومرددين الهتافات الداعمة لكتائب القسام، وامتد الاحتفال أيضاً إلى قرى ومدن الضفة الغربية، حيث استقبل آلاف الفلسطينيين الأسرى المحررين، مرددين شعارات مثل "السلام على كتائب عز الدين" و"نكره السيف قبل السيف، نكره الظلم"، "هم رجال محمد الضيف"، وفي قطاع غزة، استقبل الأسرى المحررين وسط احتفالات جماهيرية حماسية، بعد خضوعهم للفحوصات الطبية، وقال أحد هؤلاء المحررين: نشكر أهل غزة؛ "حريتنا بفضل المقاومة، ويجب علينا أن نحميها ونبقى متحدين".
وفي رام الله استقبل الأهالي والأصدقاء الأسرى المحررين بالفرح والحلويات، ووصفوهم بالأبطال الذين صمدوا في ظروف سجون العدو القاسية، وشكر الكثير منهم حركة حماس وشعب غزة على هذه الحرية.
تؤكد هذه الاستقبالات الواسعة على وحدة الشعب الفلسطيني ودعمه للأسرى المحررين وتقديره لدور المقاومة في تحقيق هذه الحريات، ورداً على هذه الموجة من الفرح والسعادة، حشدت الحكومة الأمنية الإسرائيلية، التي أمرت الأسبوع الماضي بشن غارة عسكرية جديدة على مدينة جنين، الأجهزة الأمنية لقمع الاحتفالات الفلسطينية.
وفي يوم السبت، وبالتزامن مع عملية تبادل الأسرى، واجهت أجهزة الأمن التابعة للكيان احتفالات الشعب ورقصاته، فقامت بتفكيك أعلام حماس والجهاد الإسلامي، وداهمت منازل الأسرى واعتقلت عدداً من أقاربهم السجناء المفرج عنهم.
وأفاد موقع "واينت" بأن مسيرة أقيمت في قرية عكاب لاستقبال الأسرى المحررين، توقفت بعد هجوم شنته قوات الجيش، وبالإضافة إلى ذلك، ذكرت صحيفة هآرتس أن شرطة منطقة داوود استدعت في الأيام الأخيرة أربع صحفيات فلسطينيات من القدس الشرقية للتحقيق معهن بشأن تغطيتهن لعودة الأسرى الفلسطينيين. وذكر موقع "واللا" أن اتحاد الصحفيين الإسرائيليين أعرب عن قلقه الشديد إزاء التهديدات التي وجهتها شرطة القدس للمصورين الصحفيين لمنعهم من تصوير عمليات إطلاق سراح الأسرى.
وسائل إعلام ومحللون إسرائيليون وغربيون: حماس لا تزال تحافظ على نفوذها في غزة
بعد الجولة الثانية من تبادل الأسرى بين حماس والكيان الإسرائيلي، اعترفت وسائل الإعلام والمحللون الإسرائيليون والغربيون بشكل متزايد بإظهار حماس للقوة ونفوذها المستمر في غزة، وحسب وسائل إعلام صهيونية فإن الحضور البارز لكتائب عز الدين القسام في عملية تبادل الأسرى كان خطوة مدروسة لإظهار القوة العسكرية، وأرسل العرض رسالة واضحة إلى "إسرائيل" والفلسطينيين مفادها بأن حماس قادرة على تحقيق الانتصارات على الرغم من الحصار والإجراءات العسكرية الإسرائيلية.
وذكرت وسائل إعلام عبرية أن حماس طرحت على المسؤولين الإسرائيليين خيارات معقدة وصعبة بشأن بنود الاتفاق وقائمة الأسرى المفرج عنهم.
ويرى المحللون أن نجاح حماس في تنفيذ هذا الاتفاق يثبت قدرتها على التفاوض والحصول على تنازلات سياسية، وهذا لا يؤدي إلى تعزيز نفوذ حماس في غزة فحسب، بل يضع "إسرائيل" أيضاً أمام تحديات خطيرة على الساحة الدولية.
وذكرت القناة 13 التلفزيونية الإسرائيلية: "استطاعت حماس فرض شروطها على إسرائيل ووضع تل أبيب في موقف صعب أمام المجتمع الدولي"، "وقد تمكنت هذه المجموعة ليس فقط من تأمين إطلاق سراح 200 أسير فلسطيني، بل الإفراج أيضاً عن سجناء صدرت بحقهم أحكام خطيرة".
وكتبت صحيفة هآرتس في تقرير لها: "لقد أثبتت إسرائيل مرة أخرى في المفاوضات مع حماس أنها لا تمتلك استراتيجية واضحة لمواجهة هذه المجموعة، "إن إطلاق سراح الأسرى، ومن بينهم من حكم عليهم بالسجن المؤبد، دون الحصول على تنازلات استراتيجية من حماس، يعتبر هزيمة سياسية وعسكرية".
ويقول المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت يوسي يهوشوع: "استطاعت حماس أن تجبر الحكومة الإسرائيلية على قبول شروطها باستخدام الضغط الشعبي واللعب بالوقت"، "وهذا يشير إلى ضعف خطير في سياساتنا الأمنية والتفاوضية".
وذكرت القناة 12 الإسرائيلية: "يعتبر تبادل الأسرى انتصارا لحماس، التي أصبحت صاحبة اليد العليا ليس فقط في ساحة المعركة، بل أيضا على طاولة المفاوضات، لقد أظهرت هذه المجموعة مرة أخرى أنها قادرة على استغلال نقاط ضعف إسرائيل لصالحها"، وتقدم صفقة تبادل الأسرى بين حماس و"إسرائيل" مؤشرات مهمة على مستقبل حماس في غزة، ويمكن تحليل هذه القضية من عدة جوانب:
1. تعزيز شرعية حماس ومكانتها السياسية
تظهر صفقة تبادل الأسرى قدرة حماس على تحقيق مطالبها وتحدي الكيان الإسرائيلي في المفاوضات، ويُنظر إلى النجاح في تحرير الأسرى الفلسطينيين على أنه انتصار سياسي وعسكري كبير، من شأنه أن يعزز شرعية حماس بين الشعب الفلسطيني، وخاصة في غزة، ومن بين الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم، تبرز أسماء مثل زكريا الزبيدي القائد السابق لكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، وعبد الناصر عيسى القائد البارز في كتائب القسام، ومن المؤكد أن الإفراج عن قيادات وشخصيات بارزة ومؤثرة ستشيد بالمقاومة لتحقيق هذا النصر الكبير سيعزز أيضاً مكانة المقاومة في الضفة الغربية.
2. التأثير الإيجابي على الدعم العام
ويعتبر السجناء المحررون رمزًا للمقاومة والمثابرة، حيث قدمت حماس نفسها كمدافع عن الأسرى وداعم للشعب الفلسطيني، وتعكس الاحتفالات العامة التي أعقبت عملية التبادل الدعم الشعبي واسع النطاق. وحسب استطلاع أجراه مركز أبحاث السياسات الفلسطيني عام 2023، فإن 68% من الفلسطينيين يرون في صفقة تبادل الأسرى مؤشراً على قدرة حماس على الدفاع عن الحقوق الفلسطينية.
3. تحسين العلاقات مع المجموعات الفلسطينية الأخرى
ومن الممكن أن تساعد عملية تبادل الأسرى في تعزيز الوحدة بين مختلف المجموعات الفلسطينية، وإن نجاح حماس في تحقيق إنجاز ملموس، مثل إطلاق سراح الأسرى، من شأنه أن يشجع مجموعات أخرى على التنسيق بشكل أكبر مع حماس.
4. التأثير الدولي والإقليمي
وتشير صفقة تبادل الأسرى إلى قدرة حماس على فرض شروطها في المفاوضات، وهو ما يخلق صورة إيجابية للحركة في نظر الأطراف الدولية والإقليمية، كما أن وساطة دول مثل مصر وقطر تظهر أن حماس لاعب رئيسي في المعادلات السياسية الداخلية الفلسطينية، وأنها أصبحت لاعباً إقليمياً مهماً.
وأظهرت دراسة أجرتها جامعة الأقصى أن 75% من سكان غزة يعتبرون أداء حماس في محادثات الأسرى الفلسطينيين مؤشراً على كفاءة الحركة في القيادة، وتعزز هذه الشعبية شرعية حماس السياسية، وخاصة بالمقارنة مع منافستها السلطة الفلسطينية.
