الوقت - في ظل التطورات المتسارعة في ملف القضية الفلسطينية، عقدت القاهرة اجتماعًا مهمًا ضم وزراء خارجية ست دول عربية، إلى جانب ممثلين عن السلطة الفلسطينية وجامعة الدول العربية، لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة، وتثبيت وقف إطلاق النار، ودعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
جاء هذا الاجتماع في سياق متشابك إقليمياً ودولياً، حيث يتزامن مع مقترحات مثيرة للجدل طرحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشأن تهجير سكان غزة إلى دول مجاورة، وهو ما قوبل برفض عربي ودولي واسع.
يأتي هذا الاجتماع بعد أيام من قرار الحكومة الإسرائيلية حظر أنشطة الأونروا في "إسرائيل" والقدس الشرقية المحتلة، ما أثار تحذيرات من تداعيات كارثية على اللاجئين الفلسطينيين، كما أن توقيته يتزامن مع اتفاق لوقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية و"إسرائيل"، والذي تم بوساطة قطرية ومصرية وأمريكية، ويتضمن مراحل تفاوضية مستقبلية.
ورغم أن الدول العربية المشاركة لم تصدر موقفًا صريحًا تجاه مقترح ترامب بترحيل الفلسطينيين، إلا أن تصريحات المسؤولين المصريين والأردنيين أكدت رفض أي مخططات من شأنها المساس بالوجود الفلسطيني في أراضيهم، وهو ما يعكس إجماعًا عربيًا على التصدي لأي محاولات لتغيير التركيبة السكانية لغزة.
أبرز مخرجات الاجتماع
اتفق المجتمعون على عدة نقاط محورية تمثل موقفًا عربيًا موحدًا تجاه الأزمة الفلسطينية، ومن أبرزها:
تثبيت وقف إطلاق النار: أكد الاجتماع ضرورة استدامة وقف إطلاق النار في غزة، وضمان إدخال المساعدات الإنسانية بشكل كافٍ ومستدام، مع إزالة العقبات أمام عمليات الإغاثة وإعادة الإعمار.
رفض أي محاولات لتقسيم غزة أو تهجير سكانها: شدد الوزراء على أهمية وحدة الأراضي الفلسطينية، ورفض أي خطط إسرائيلية أو دولية تهدف إلى إعادة رسم حدود القطاع أو إجبار الفلسطينيين على النزوح.
دعم وكالة الأونروا: أكدت الدول العربية المشاركة رفضها القاطع لمحاولات تحجيم دور الأونروا أو استبدالها بمؤسسات أخرى، مشيرةً إلى دورها الأساسي في تقديم المساعدات لملايين اللاجئين الفلسطينيين.
إعادة إعمار غزة: رحبت الدول العربية بعزم مصر استضافة مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة بالتعاون مع الأمم المتحدة، مشددة على أهمية الإسراع في تنفيذ مشاريع الإعمار وضمان بقاء الفلسطينيين في أرضهم.
تعزيز دور السلطة الفلسطينية: أكد الاجتماع ضرورة تمكين السلطة الفلسطينية من إدارة قطاع غزة إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية، باعتبارها الجهة الشرعية التي تمثل الفلسطينيين.
الدعوة إلى تنفيذ حل الدولتين: ناشدت الدول المشاركة المجتمع الدولي، وخاصة القوى الكبرى ومجلس الأمن، البدء في تنفيذ حل الدولتين، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية وخطوط الرابع من يونيو 1967، وهو ما يتماشى مع المبادرات العربية والدولية الساعية إلى تحقيق السلام العادل والشامل.
لعبت مصر تاريخيًا دورًا محوريًا في القضية الفلسطينية، ويتجلى ذلك بوضوح في دورها الحالي كوسيط رئيسي في جهود التهدئة وإعادة الإعمار، كما أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي رفض بلاده القاطع لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين، مشددًا على أن الحل العادل للقضية يتمثل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفقًا للمرجعيات الدولية.
وتحظى مصر بثقة الأطراف الدولية والإقليمية في إدارتها لملفات التفاوض، وهو ما يفسر الدور البارز الذي تلعبه في تثبيت وقف إطلاق النار بقطاع غزة، وتنسيق الجهود لإعادة إعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي، فضلًا عن رعايتها للمؤتمر الدولي المزمع عقده لإعادة الإعمار.
يُعد اجتماع القاهرة خطوة مهمة تعكس وحدة الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية، لكنه يواجه تحديات كبرى، أبرزها: استمرار التعنت الإسرائيلي بشأن وقف إطلاق النار، ومواصلتها لسياسات الاستيطان والتهجير القسري، الموقف الأمريكي المتأرجح بين دعم "إسرائيل" والبحث عن حلول وسط، وخاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يجعل القضية الفلسطينية ورقة تفاوضية حساسة، من حيث قدرة الدول العربية على فرض رؤيتها في الساحة الدولية، وخصوصًا في ظل انشغال العالم بأزمات أخرى مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتصاعد التوتر في البحر الأحمر.
في ضوء هذه المعطيات، سيظل الملف الفلسطيني مرهونًا بمدى قدرة الدول العربية على تفعيل مخرجات الاجتماع وتحويلها إلى خطوات عملية، سواء من خلال الضغط السياسي والدبلوماسي أو عبر المبادرات التنموية التي تعزز صمود الفلسطينيين في أراضيهم.
في الختام يمكن القول إن اجتماع القاهرة هو تأكيد جديد على أن القضية الفلسطينية لا تزال تحظى بأولوية في الأجندة العربية، وأن هناك توافق على رفض أي محاولات لتغيير الواقع الديموغرافي لغزة أو تجاوز الشرعية الفلسطينية، ورغم التحديات، فإن التحركات الدبلوماسية العربية، بقيادة مصر وبدعم من قطر والسعودية والأردن، تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح نحو حل عادل وشامل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني ويحقق الاستقرار في المنطقة.